د. مريم الهاشمي
بدأنا التاريخ الحضاري للأمة من كلمة «اقرأ»، وهنا تحديداً كانت البداية وبها بدأنا، إلا أن البدايات دائماً مستمرة ما دامت الحياة، ويتجه شعار معرض الشارقة للكتاب 2024 «هكذا نبدأ» لما فيه من الرمزية والدعوة إلى ديمومة المعرفة والقراءة والصنعة الثقافية المرتبطة بالإنسان والمجتمع، فلا وقت محدداً لأي شيء وخاصة للارتقاء بالنفس، ونبدأ في كل دورة بهمة وحماسة لاستقبال احتفائية جديدة للكتاب وللمعرفة، فالثقافة شأنها شأن العمل، وتدبير الأشياء والعلاقات تتطلب منّا التدبير الجيد لتفعيلها، وإن معارض الكتب من الصور التدبيرية الناجعة للثقافة. كما أن معرض الشارقة للكتاب بمكانة عالم للتعبير، التعبير بالكتابة عن طريق وسائل وصور وطرائق مختلفة يتحقق بها الإفصاح والمشاركة المعرفية مع الآخر بكل الطرق المتاحة؛ كالكتاب والحوار الثقافي والتلاقح والرسم والصوت والحركة، وهو ما نجده في أروقة معرض الشارقة للكتاب بدأب مستمر.
إن المعرفة فعالية ذهنية إنسانية تتوسل لنفسها وسائل مختلفة كمعارض الكتب التي تجعلنا في علاقة صحية مستمرة مع الذات والعالم والإبداع، فحافظت معارض الكتب بدورها على أُنْمُوذَج إيجابي يجمع الكل رغم الاختلاف، وعلى مدى التاريخ المرتبط به منذ أول معرض للكتاب في التاريخ البشري، وإلى اليوم وهي في تطور شكلي ومنهجي مستمرين، بما تتميز به من التوافق في الوعي الجمعي بين كل الفئات والتوجهات الإنسانية. إن الثقافة والمعرفة هما سبيل الوحدة الإنسانية في وقت أصبحت الحاجة ملحة لأنسنة العصر أكثر من أي وقت مضى.
«هكذا نبدأ»، البدايات دوماً متاحة كأمل مستمر يمد يده لكل الأرواح والمجتمعات التي تبحث عن الجنة المفقودة، إلا أنها ليست مفقودة وهي على مرأى ومسمع منّا دائماً في عالم الإبداع والتسامح الثقافي الذي يحتفي ويحتضن الكل مع الاختلاف الذي هو بمنزلة تمايز وتفرد في الإبداع الأدبي والفكري والكتابي.
إن معرض الشارقة للكتاب بصمة ثقافية لها أثرها في ذاكرة كل من ارتبط بها زيارة أو مشاركة أو إبداعاً أو تنظيماً أو التزاماً معرفياً، وأثبتت الثقافة على هذه الأرض بأنها ثقافة تتوارث وتصدّر وتخلق وتنمو وتتطور، وبها نطمئن الجميع أن البداية دوماً متاحة، ولا يمكن أن تكون بعيدة عن الثقافة.