تحتفل الإمارات اليوم بعيد اتحادها الثالث والخمسين. أكثر من نصف قرن مرّ على اليوم الذي أعلن فيه تأسيس الدولة. في عمر الزمن لا تبدو تلك فترة طويلة، لكن الأمور لا تقاس بالزمن وحده؛ وإنما بما تستطيع أي دولة تحقيقه من إنجازات، وهذا ما تشهد عليه تجربة الإمارات التي استطاعت خلال خمسة عقود ونيف أن تحقق نجاحات كبرى جعلت شعبها ينعم بحياة آمنة وكريمة، في ظل بنية تحتية متطورة، وآخذة في التطور يوماً عن يوم، وخدمات اجتماعية راقية في مجالات التعليم والصحة والثقافة، فضلاً عن معدلات النمو العالية على غير صعيد.
وطبيعي أنه عند كل احتفاء بعيد الإمارات الوطني أن يحضر اسم مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وكافة إخوانهما حكّام الإمارات، رحمهم الله جميعاً، الذين تلاقت إرادتهم على تشكيل الدولة، ووضع قواعد نموها ونهضتها، وبحكمة الشيخ زايد جرى التوجه إلى وضع القواعد الصحيحة لأي دولة تنشد التقدم، من خلال نشر التعليم على أوسع نطاق لأبناء الإمارات وبناتها على حدٍ سواء، ما مكن بعد حين لم يطل من ظهور أجيال متعلمة من الجنسين، برزت من صفوفها الكفاءات في مختلف المجالات العلمية والإدارية والثقافية، وأصبحت المرأة الإماراتية تشكّل نسبة وازنة في سوق العمل بالدولة.
بطبيعة الحال لم تنطلق الإمارات من الصفر، فتاريخ هذه البقعة من الجغرافيا العربية عرف إرهاصات للنهضة وطموحات جادة نحو المستقبل، جسّدها خير تجسيد، أفراد النخبة المتعلمة في مختلف إمارات الدولة، لكن التقدم لا يحدث من تلقاء نفسه، وإنما بتوفر الإرادة والرؤية، والإمارات محظوظة بأن قيّض الله لها قائداً كالشيخ زايد، نجح في بناء الاتحاد، وفي تشكيل الهوية الوطنية الإماراتية التي تجد اليوم تجلياتها في كافة المجالات، لأنه وعى، ومنذ البداية، مستلزمات وشروط التأسيس والبناء، وعمل على توفير شروط العيش الكريم لكافة المواطنين والمقيمين، حيث باتت الدولة جاذبة للعمل والاستقرار فيها.
تمتع الشيخ زايد، رحمه الله، برؤية وحدوية جامعة، لم تقف عند نجاحه في جمع إرادة حكام الإمارات على تشكيل دولتهم، وإنما تجلت أيضاً في حرصه على العمل الخليجي المشترك، وإرساء قواعد يمكن أن تتبلور في صورة وحدة خليجية، ولم تكن مجرد مصادفة أن يعلن تشكيل مجلس التعاون الخليجي في أبوظبي عاصمة الإمارات بالذات، وإلى ذلك فإن الشيخ زايد عرف بحكمته ودوره الوازن في تحقيق تضامن العرب، وفي تجاوز الخلافات وأوجه الشقاق بين الأشقاء، فيما وجه البعد الدولي لسياسة الدولة نحو تعزيز قيم السلم والتعايش بين الدول المختلفة، والانفتاح على الثقافات المختلفة.
https://tinyurl.com/5n9xp274