د. باسمة يونس
مع اتصال العالم رقمياً بطريقة غير مسبوقة سهل انتشار الظواهر السلبية كالأخبار المزيفة والمحتوى السطحي غير الهادف، ولم يعد من السهل إيقاف هذا التدفق القادر على إحداث فوضى فكرية وتشويه القيم في عقول الناس.
وتلعب الثقافة والتعليم الدور الأكبر والأهم في ترسيخ الوعي الذاتي بصفته الخطوة الأولى لتنقية الفضاء الرقمي والمجتمع المدني وتنظيم المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي وتقييم مصادر المعلومات وفهم نواياها لبناء جيل واعٍ ومدرك لتأثير المحتوى الرقمي في حياته وتفكيره، ومحصن ضد الانسياق خلف الأخبار الكاذبة أو الشائعات المضللة.
ويعد الأدباء صناعاً أساسيين للوعي الجمعي، ما يضعهم في صدارة المسؤولية لمواجهة الرداءة الرقمية من خلال إنتاج محتوى أدبي وفكري راقٍ وتقديم بدائل ذات قيمة ثقافية وأخلاقية، إضافة إلى أهمية المدارس بصفتها مختبرات لإعداد أجيال المستقبل وتدريب المعلمين والطلاب على كيفية التعامل مع المحتوى السلبي وتشجيعهم على إنتاج محتوى رقمي هادف يعبر عن هويتهم الثقافية والاجتماعية.
وبينما تمتلك الثقافة والتعليم مفتاحاً لمواجهة المحتوى الرديء وتمكين كافة أفراد المجتمع للتمييز بين المحتوى الرديء والجيد، وعدم الانجراف خلف ما لا يفيد ولا يشبع العقل، وتسليط الضوء باستمرار على القيم الأخلاقية والفكرية وإنشاء محتوى يعكس هذه القيم وتطلعات المجتمع، تظل الأسرة هي صاحبة الدور الأساسي في تشكيل الوعي الجمعي ومواجهة التحديات الرقمية، ليس فقط من خلال توعية الأبناء ونصحهم حول كيفية التصدي للمحتوى الرديء على وسائل التواصل الاجتماعي، بل من خلال ممارسات الآباء عبر سلوكياتهم اليومية التي تعكس القيم والمبادئ التي يرغبون في غرسها بأبنائهم.
المعلمون قادرون على التوجيه والإرشاد حول أهمية الابتعاد عن المحتوى الرديء وتجنبه، والأدباء قادرون على تقديم محتوى يثري العقل ويغذي الروح ويلهم الشباب ويحفزهم على إنتاج محتوى يعبر عن تطلعاتهم وقيمهم بطريقة إيجابية عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن القدوة الأسرية هي النافذة الأوسع والبوابة الأرحب للقيم الإنسانية العميقة وتوعية الأبناء ودفعهم نحو التفكير الإيجابي لاختيار وتقييم ماهو الأصلح والأفضل لمستقبلهم.
المجتمع بأسره يتحمل مسؤولية كبيرة في مواجهة المحتوى الرديء والتعاون بين الأفراد والمؤسسات يمكن أن يسهم في خلق بيئة رقمية نظيفة وآمنة، يدرك كل فرد فيها مسؤوليته تجاه ما ينشره أو يتفاعل معه على وسائل التواصل الاجتماعي. ويضع على عاتق الآباء والمعلمين والأدباء والمفكرين مسؤولية كبرى في التوعية وتعزيز القيم الإيجابية ونقل التجارب الإنسانية بعمق وإبداع.
[email protected]