نقص العمالة والمشهد الاقتصادي

21:55 مساء
قراءة 3 دقائق

مايك دولان*

على الرغم من كل المخاوف بشأن التجارة العالمية والديون والتضخم، قد يكون نقص العمالة من المحددات الرئيسية للاتجاهات الاقتصادية على جانبي الأطلسي هذا العام. حيث تشكل القيود المفروضة على الهجرة والترحيل عنصراً مهماً في أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة «ترامب 2»، والتي لو نفذت بالكامل، فسيجري ترحيل ما يصل إلى مليون مهاجر غير شرعي على مدى العامين المقبلين، وقد يتباطأ نمو السكان في الولايات المتحدة نتيجة لذلك.
في الوقت نفسه، هناك تكهنات متزايدة في أوروبا بأن إنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا قد يؤدي إلى عودة الكثير من اللاجئين والمهاجرين المنتشرين حالياً في جميع أنحاء القارة إلى ديارهم. فقد تسببت الحرب بفرار أكثر من 4.3 مليون أوكراني من بلادهم. ليستقر أكثر من مليون منهم في ألمانيا وحدها، كما مُنح الكثيرون إقامة قانونية للعيش والعمل في دول أوروبا بموجب توجيهات الاتحاد الأوروبي، واحتمال فقدان بعض هؤلاء العمال يثير بالفعل القلق في بعض تلك الدول.
لذلك، فإن انخفاض أعداد العمال الكبير في هذه المرحلة بالذات، مع سخونة أسواق العمل في الكثير من الاقتصادات الأخرى رغم ارتفاع أسعار الاقتراض بشكل حاد على مدى العامين الماضيين، يثير المخاوف من أن بعض البلدان قد تواجه ضغطاً محتملاً على العرض يؤدي إلى حالة من الركود التضخمي. فضلاً عن احتمال حدوث ارتفاع جديد في تضخم الأجور، والذي يسبب صداعاً آخر للبنوك المركزية التي تبدو حريصة على التراجع عن زيادات أسعار الفائدة في عامي 2022 و2023.
وبهذا الصدد، قالت منظمة العمل الدولية، إن معدل البطالة العالمي سجل أدنى مستوى تاريخي له العام الماضي، عند 5%، متوقعة أن يُراوح المعدل مكانه في عام 2025، ثم ينخفض إلى 4.9% العام المقبل.
ولدى رسم خريطة لاتجاهات الشيخوخة والخصوبة على المدى الأبعد لتوضيح كيفية تأثير تراجع المعروض من العمالة، لاحظ استراتيجيو «جيه بي مورغان» أن عدد السكان في سنّ العمل داخل الاقتصادات المتقدمة بلغ ذروته، عند 746 مليوناً في عام 2023، ومن المتوقع أن ينخفض العدد بمقدار 47 مليون شخص بحلول عام 2050 بناءً على توقعات الأمم المتحدة. كل هذا يمهد الطريق لعام قد يشهد صدى مخاوف سوق العمل التي ظهرت في أعقاب الوباء في الشركات الأمريكية والأوروبية.
اليوم، ومع رغبة خُمس الشركات الصغيرة بزيادة معدلات التوظيف في الأشهر الثلاثة المقبلة، أفاد ما يقرب من 90% منها بعدم وجود عدد كاف من المتقدمين المؤهلين، وكان عدد الشركات التي قالت إن تكاليف العمالة هي أكبر مشكلة تواجهها أقل بنقطتين مئويتين فقط من أقصى مستويات عام 2021.
وهذا يلقي الضوء مرة أخرى على القيود التي اقترحها ترامب على الهجرة وخطط الترحيل. حيث قُدِّر عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة بنحو 8.3 مليون عامل في عام 2022.
لطالما كانت الهجرة محركاً كلياً حاسماً على مدار السنوات الماضية، وربما كانت السبب الرئيسي وراء تمكن الاقتصاد الأمريكي من الاستمرار في خلق عدد كبير من الوظائف دون التسبب في ارتفاع التضخم. لكن في فبراير/شباط من العام الماضي، زاد مكتب الميزانية بالكونغرس بشكل حاد تقديراته للهجرة الصافية حتى عام 2023، ما أجبر خبراء الاقتصاد على إعادة النظر في توقعاتهم بشأن نمو الرواتب المستدام في 2024.
ومنذ ذلك الحين، تراجعت أرقام الهجرة بشكل كبير. ويرجع ذلك جزئياً إلى حظر اللجوء في منتصف العام من إدارة الرئيس جو بايدن، والذي بحسب التقديرات خفّض صافي الهجرة الشهرية بمقدار الثلث مقارنة بعام 2023.
بدورها، قد تؤدي عمليات الترحيل التي اقترحها ترامب إلى تشديد الأمور بشكل أكبر، ويعتقد «مورغان ستانلي» أن خطط الرئيس الأمريكي قد تشهد ترحيل نحو مليون مهاجر على مدى عام إلى عامين، وبالتالي انخفاض النمو السكاني من 1.2% في عام 2024 إلى 1% أو أقل هذا العام.
ويرى خبراء الاقتصاد في «شرودرز» أن «التهديد الأكبر للتضخم ربما يأتي من حملة صارمة على الهجرة، إضافة إلى عمليات الترحيل الجماعي، والذي سيؤدي إلى نقص العمالة وارتفاع الأجور وتضخم الخدمات في نهاية المطاف. مستشهدين بتقديرات معهد بيترسون، بأن عمليات الترحيل الجماعي قد تضيف 3 نقاط مئوية إلى التضخم مقارنة بزيادة نقطة مئوية واحدة من زيادة التعريفات بنسبة 10%. ويعتقدون أن مثل هذه الصدمة في العرض قد تخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل إلى 1.5% من أكثر من 2% حالياً.
هناك تفاصيل كثيرة محيطة بهذا النقاش، بما في ذلك ما إذا كانت عمليات الترحيل سوف يتم تعويضها جزئياً من خلال تأشيرات العمل للمهاجرين المهرة. ولكن الهجرة والمخاوف بشأن انكماش القوة العاملة أصبحت بوضوح متغيراً رئيسياً للاستثمار الكلي الذي يجب أن يهيمن على تفكير السوق خلال فترة «ترامب 2».
* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"