هل مستقبل العربيّة على جدول مشاغلك الفكريّة؟ أنت صادق، لكنك لن تبلغ شأو علماء اللسان وخبراء التربية، الذين تكاد نار مؤرقات اللغة تضيء بين جوانحهم، إذا هي أذكتها صبابة الذكاء الاصطناعي، وفكر تطوّرات حواسيب الكوانتوم. هم أهل الميدان العارفون بأن كل خصيصة، إذا أُهملت أمست نقيصةً. هم يعلمون حقّاً أن الهوية تفصلها شعرة حرف عن الهاوية.
سامح الله القائل: «وما سُمّي الإنسان إلاّ لنَسْيهِ»، فالأمل وطيد في ألاّ يؤاخذ الناس إن نسوا أو أخطأوا، فما بالك بصفوة الصفوة. كل ما في الأمر قرنٌ من السهو، غاب فيه عن الأذهان أن حياة العربية لا معنى لها إذا انفصلت عن حياة العرب. مئة عام من عزلة اللغة عن مكامن قوّة الهويّة. بالتعبير الصحيح: عشرة عقود من افتقار العربية إلى الشّمم العربي.
القضية لا تنحصر في اللغة كأداة تعبير لأمّة. الأدب وتاريخ الأدب والمنظومة الثقافية بكل أشكال إبداعها، تفقد وزنها في حالات الوهن. المعنيون بالعربية كهويّة وككائن حيّ، مغيّبون، يتوهّمون أن روائع الأدب، كنوز لا تفقد قيمتها في أسواق أسهم العصور وتحوّلات الزمان والمكان. تخيّل محفلاً حافلاً بأمسية قراءات شعرية هادرة، من أهمّ ما قيل منذ الجاهلية، في الفخر بشتى ألوانه، والبث فضائي من الماء إلى الماء. كيف يتلقى الناس: «إذا بلغ الفطام لنا رضيعٌ.. تَخرّ له الجبابر ساجدينا»؟ وماذا عن بائية أبي تمام: «السيف أصدق إِنباءً من الكتبِ»؟ وما شكل التفاعل مع المتنبّي: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسَلِ»؟ هل يتخيّل المعري ردود الفعل إزاء: «وإني وإن كنت الأخيرَ زمانُهُ»؟ عشرات الألوف من هذه الأبيات، سارية في كل شرايين ميراثنا الثقافي، فهل يتصوّر مثقف واعٍ، أن مضامينها وحدة ثابتة لا تتغيّر، كأنها قانون فيزيائي قائم منذ نشأة الكون؟ كان الله في عون أساتذة الأدب، يدخلون الصفوف، وهم مصابون بالسكيزوفرينيا. ينظر المدرّس في عيون طلاّبه، فيقرأ فيها: «لماذا تريد خداعنا يا أستاذ؟».
على ذكر الفيزياء، بعد اكتشاف بوزون هيغز، انقلبت قضايا كثيرة. ثبت أن الجسيمات الأوليّة لا وزن لها ولا كتلة، فحين تحتك بمجال هيغز تكتسب كتلتها. شبّهوها بزلاّجة لا وزن لها، بمجرد احتكاكها بطبقة الثلوج، يصير لها وزن. بمعنى آخر: العربية تكتسب قوّتها وهويتها ومناعتها من أمّتها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفصامية: يجب تصوّر الأخطار التربوية الناجمة عن مناهج تُرسّخ في نفوس الأجيال نقائض رسالتها.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







