ما رأيك في شيء من الخيال السياسي، مع ضمان أنه في وقته، حتى لا يضيع وقت العالم العربي الثمين، لا قدّر الله؟ يقيناً، لم يكن ثمّة داعٍ إلى طرح هذه الفتنة الذهنيّة المحتملة، لو لم تكن محفوفةً بالحرج الحضاري لهويّة الأمة. فكما لم يقل الخيّام: «لا توحشِ النفسَ بآتي السنينْ.. إن لم يكن عزْمُكَ عينَ اليقينْ... فهذه الأمّةُ تاريخُها.. مناقضٌ للحاضر المستكينْ». بالمناسبة، تستطيع ألاّ تصدّق هذا الكلام، وتستنشقَ نسائم فراديس الحَسَن الصبّاح في إعلام التنميات المتعثرة، فسوف تملأ رئتي خيالك بملاحم الأوهام.
لا يخفى عنك المثل: «إن العصا من العُصيّة». أمامنا مسألة انقضت، فلم يعد حلّها يجدي أو يشغل، لكن في بطنها قضية كبرى، فلا تسمع للخيام قوله: «لا تشغل البال». المشكلة التي فات أوان حلولها، هي أن الأمة طوال التاريخ كانت تمتلك أوراقاً كثيرةً من ذرائع ترك الأيّام تفعل ما تشاء. من أهمّها الفوارق النجومية في القوة الصلبة واستئساد علوم العصر ومخرجاتها ومنتجاتها ومهرجانات بهرجاتها. تاريخ الدول العظمى مفعم بسخريات الألعاب السحرية. تخيّل أن شبه القارّة الهندية بطمّ طميمها، سيطرت عليها بريطانيا بخمسة آلاف جندي. سبب حربي الأفيون في الصين كان تمكين الإنجليز من دفع مديونية دولتهم. كان العالم الثالث في جل القارات مغلوباً على أمره، على الرغم من نصاعة صفحات الكفاح والنضال، وروائع الملاحم القانية التي حبّرتها الأمم والشعوب بدمائها.
تلك قضيّة أكثرية صفحاتها طويت وباتت أرشيفات على الرفوف أو في مخزون الحواسيب. الجراح التي لم تندمل لم تلتئم بعدُ. لكن القضيّة الأعوص هي ما يضمره مقبل السنين والعقود. الظروف الدولية لم تكن مناسبةً جرّاء فوارق القوة الصلبة والتفوق العلمي عالمياً، التي كانت تشكل طبقيّةً في الأسلحة المادية والمعنوية. لكن، علينا أن نتصور المشكلة الأنكى مستقبلاً، وهي المحنة السيكولوجية. بالأمس كانت الذرائع: القوى الكبرى كانت الكبرى بالترسانات والأساطيل والعلوم والصناعات والاقتصاد والجامعات. كيف سيكون المشهد إذا حل منتصف القرن ومعه عودة الروح إلى القانون الدولي، يومئذ لن تجد التنميات المتعثرة أوراقاً تبرر بها عدم تطوير التعليم، تعسّر مراكز البحث العلمي، وتردّي التنمية في جميع الميادين. سيكون الردّ: الذرائع باطلة، لم يعد لديكم إلا التذرع بفوارق قدرات الأدمغة. فهل ترضون بهذا لأنفسكم؟
لزوم ما يلزم: النتيجة المهربيّة: لا يوجد مفر أروع من التنمية الشاملة.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا




