حالة حرب إسرائيلية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

كلما اقتربت الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف العدوان المستمر على غزة من تحقيق اختراق، يتدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويعيدها إلى المربع الدموي برفض وقف الحرب، التي لم يستطع تحقيق أهدافها المتمثلة في استعادة من بقي من الرهائن أحياء، أو تهجير سكان القطاع وإخضاعهم لإرادة الاحتلال.
بالتزامن مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج، وعكس ما تروج له الأوساط في واشنطن عن وجود مساع لإطلاق مفاوضات جدية للتوصل إلى حل، أطلق نتنياهو تهديدات خطرة توعد خلالها بتصعيد الحرب والتحضير لهجوم عسكري واسع على قطاع غزة والسيطرة عليه إلى الأبد، والبحث عن دول قد تكون مستعدة لاستقبال فلسطينيين في إطار خطة تهجير يجري الترويج لها إسرائيلياً منذ فترة.
وتعني هذه التهديدات البعيدة عن الواقع أن نتنياهو لا يجد خياراً غير الهرب إلى الأمام ولا يريد الخروج من حالة الحرب التي تلبسته، ربما خشية من اليوم التالي الذي سيواجه فيه مصيراً غامضاً، قد لا يجد فيه أي نصير حتى من زمرة المتطرفين المتحلقين حوله، ويزينون له الإبادة الجماعية لسكان غزة بالقصف والغارات والتجويع ونسف المستشفيات وقطع الدواء.
بعد أكثر من 19 شهراً، تواجه إسرائيل معضلة للخروج من حالة الحرب، وهي أشبه بحالة مرضية تزداد استعصاء كلما طالت، رغم كل ما حدث من تدمير همجي وقتل عبثي في غزة، لم يمكن إسرائيل من استعادة توازنها ويحقق لها النصر الذي تتوهمه. وعلى افتراض أنها حققت بعض الإنجازات التكتيكية في المنطقة خلال هذه الفترة، فإن غياب الرؤية وعدم وجود خطة لما بعد الحرب، سيضيع تلك «المكاسب» ويحولها إلى خسائر استراتيجية بعيدة المدى، وهذا الانطباع واقع بين الإسرائيليين أنفسهم ولدى الأوساط الأمريكية التي باتت تريد إنهاء هذا الوضع ووقف «الحرب الوحشية»، كما وصفها ترامب قبل انطلاقه إلى المنطقة.
إسرائيل تواجه أزمة خطرة، لكنها تحاول خداع هذه الحقيقة بالرهان على القوة والبطش واصطناع الأعداء، وهي سياسة طريقها قصير وتداعياتها أخطر من المتوقع، وستقودها إلى عزلة غير مسبوقة. ومع أن كثيراً من الأوساط لا تحاول أن ترى هذه النتيجة، فإن النبذ الدولي للحكومة الإسرائيلية كفيل بالرد على ذلك، وحتى العلاقة مع واشنطن ليست في وضعها المعتاد بدليل أن إدارة ترامب أقدمت على أكثر من خطوة من وراء ظهر نتنياهو، مثل المفاوضات النووية مع إيران ووقف إطلاق النار مع الحوثيين والحوار مع حركة حماس الذي أفضى إلى الإفراج عن الرهينة عيدان ألكسندر، وصولاً إلى المفاوضات المرتقبة في الدوحة. وإذا كان الإعلام العبري يتحدث صراحة عن خلافات واسعة بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، فإن واقع الحال لا ينفي ذلك، وربما يدفع إلى بعض التعديلات في الرؤى السياسية، وهو ما تؤكده التقارير عن صعود جناح داخل الحزب الجمهوري يشكك في إسرائيل، وغالبيته من مؤيدي ترامب. ورغم أن مثل هذه الظواهر لن تغير بسهولة في علاقات استراتيجية بين الطرفين، إلا أن تفاقمها سيؤثر سلباً في الحالة الإسرائيلية الراهنة ووظيفتها في خريطة المصالح الأمريكية.

[email protected]

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"