إذا هبّت رياحك فاغتنمها

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

علي عبدالله الأحمد

في قصر الوطن، في أبوظبي، خلال مأدبة العشاء الرسمي على شرف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، روى مضيفه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، قصة مستشفى كند في مدينة العين، لماذا اختار القائد رواية هذه القصة؟ وما هي رمزيتها؟
لعل الرئيس ترامب تساءل حينما كان يسمع عن مستشفى كند، ما هو هدف الشيخ محمد بن زايد من الحديث عن الماضي وليس عن القادم في العلاقات الثنائية بين البلدين؟ ما هي الرسالة التي يريد رئيس دولة الإمارات أن يوصلها لرئيس الولايات المتحدة والى العالم؟
وعن تلك المرحلة، وعلى مسمع من الرئيس ترامب، رسم سموه صورة للوضع الإنساني في الدولة آنذاك، حينما قال سموه: «بين كل طفلين يموت أحدهما في السنة الأولى، وبين كل أربع نساء، تموت إحداهن خلال الولادة». 
العالم سمع قصة الجمعية التبشيرية المسيحية التي افتتحت أول مستشفى في العين عام 1960. كانت ظروف الحياة صعبة وقاسية على أهلها، فما بالك بأولئك ذوي البشرة الفاتحة والشعر الأشقر الذين تركوا أمريكا وجاؤوا إلى واحة في قلب الصحراء تبعد آلاف الأميال من بلادهم، ليعالجوا أناساً لا تربطهم بهم أية صلة، سوى الإنسانية، وعندما شكر وكرم الشيخ محمد بن زايد من ساهم في مستشفى كند، فكانّه يقول لهم، «شكراً لأنكم تذكرتمونا عندما نسينا العالم». 
لو قارنا بعض المحطات المهمة في حياة دونالد ترامب قبل أن يصبح رئيساً، وأتينا بأمثلة من الإمارات في الفترة الزمنية نفسها، سنرى اختلافاً شاسعاً، أي أن العالم الذي كان يعيشه ترامب لا يمت لواقعنا بصلة، لا نتشارك مع عالمه إلا لكوننا نسكن على الكوكب نفسه. 
المثال الأول عندما أعلن الاتحاد في 1971، كان عمر ترامب 25 سنة في ذلك الوقت، وقد تعتبر هذه السنة بداية انطلاق ترامب في عالم الأعمال كمطور عقاري معروف في مدينة نيويورك، وكان يعيش حينها في بيت أنيق يقع في حي راق في كوينز، والبيت بني خصيصاً لفريد ترامب Fred Trump، والده في بداية الأربعينات. 
توقف للحظة وتخيل جدران الطين وسعف النخيل وبيوت الشعر التي كان يسكنها أهل الخليج قبل 80 سنة عندما كان دونالد الصغير «يتنطط» في حيه الراقي ومنزله الأنيق. 
وفي 1976 عندما اجتمع قادة الإمارات في بو مريخة لإعلان توحيد القوات المسلحة بين إمارات الدولة، كان حينها ترامب يتفاوض مع حكومة نيويورك لإعادة افتتاح فندق «كومودور»، العريق المهجور، ثم افتتحه بعدها بسنوات تحت اسم «جراند حياة»، ومازال يعتبر أيقونة في مانهاتن. 
توقف لحظة وتخيل داون تاون مانهاتن في السبعينات ومدن وقرى الإمارات آنذاك. 
أما ترامب تاور(Trump Tower) في الجادة الخامسة Fifth Avenue فقد تم افتتاحه في 1984، مكون من 60 طابقاً ويضم مكاتب وشققاً فاخرة ومركز تسوق لأرقى الماركات العالمية، وفي السنة نفسها انطلقت رحلة طيران الإمارات الأولى من دبي الى كراتشي بطائرة مستأجرة. 
حينها لم يسمع ترامب عن طيران الإمارات، ولكنه اليوم يشير إلى طيران الإمارات في مناسبات عديدة كنموذج يحتذى به في عالم السفر والطيران.
الرئيس الأمريكي هو رجل أعمال، أي أن عقيدته مبنية على نمو الثروات، والمقياس الحقيقي هو حجم الاقتصاد والاستثمارات التي تجلبها لبلادك، ومستوى الحياة ورفاهية الشعب هي الحكم في النهاية، والرفاهية هي سلعة يعرفها ويقدرها ترامب، فهو ولد عز منذ خلق، ولكن رئيس أمريكا انبهر بقصر الوطن ومسجد الشيخ زايد والبيت الإبراهيمي. 
في أحد خطابات الرئيس ترامب يتحدث عن نجاح دولة الإمارات بإدارة ثرواتها، أو كما يصف الكاتب رشيد الخيون بمهارة «الإمارات نموذج لتصالح العقل والثروة»، ويشير ترامب إلى تجارب عربية لم تتصالح ثروات وعقول شعوبها. 
في حديث منذ سنوات لصاحب السمو رئيس الدولة يقول: «إن أغلى ما نملك هي المصداقية». ولعل أصدق وأسرع وسيلة لمعرفة مدى مصداقيتنا، هي أن نرفع مرآة ونسلطها على الحاضر، وسنرى صورتنا كما يراها الآخرون، وعندما يرى الغير حاضر الإمارات كمستقبل لهم، عندها نتأكد من أن مصداقية دولة الإمارات مبنية على إنجازاتها التي يراها العالم. 
أمريكا منقسمة بين حزبيها، وهذا شأنهم، وشعار «أمريكا أولاً»، لا يعنى بالضرورة خسارة شركائهم وحلفائهم، وفي النهاية المصالح تتصالح، أي أن الحليف حريص على مصلحة حليفه، وإذا اختلت هذه المعادلة، لن تكون هناك استدامة. 
المصالح الوطنية منها طويل الأمد ومنها قصير الأمد، أي أن هناك فرصاً متاحة اليوم، وتسمى «ثمار دانية القطاف» Low hanging fruits، والعلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة ستنمو وتزدهر، وسيرتفع التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدول العربية التي زارها ترامب، فهل يصبح شعار المرحلة «إذا هبت رياحك فاغتنمها».

عن الكاتب

سفير الإمارات في ألمانيا وفرنسا والمندوب الدائم لدى منظمة اليونيسكو سابقاً، يشغل حالياً منصب الوكيل المساعد للسياسات في وزارة الدفاع
* حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"