الحلّ في شطحة جيوسياسيّة

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في شطحة جيوسياسية على طريقة المتنبي؟ سترميني بإثارة المزاح في موضع ذروة الجد. طِبْ نفساً إذا حكمت الأوضاع، فالشاعر الذي شغل العصور عليك أن تُقلّب قوله على الوجوه الممكنة والمتعذرة. تأمل جيداً هذا البيت: «ضربتُ بها التيهَ ضرْبَ القمارِ إمّا لهذا وإمّا لذا».
هذا البيت يعيد القلم دائماً إلى الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، الذي يرى أن «الفلسفة لا تحلّ لك المشكلة، ولكنها تجعلك تراها على نحو أكبر». مبعث هذه المقولة قصّة طريفة، قال: «ذات صباح أخذت درّاجتي قاصداً إحدى القرى، وصلت إلى مفرق دروب عدّة، سألت صاحب دكان: من أين القرية الفلانية؟ أطرق قليلاً ثم قال: القرية الفلانية، القرية الفلانية، لا أدري. لكن، لحظةً، سأسأل أخي، إنه في البيت المجاور، صاح: يا فلان أين القرية الفلانية؟ صمت قليلاً، ثم قال: القرية الفلانية، القرية الفلانية، لا أدري. قال راسل: عندها عرفت الحلّ، ضغطت على الدوّاسة، وانطلقت»، وفي ذهنه بيت أبي الطيب.
أين الشطحة الجيوسياسية؟ الآن، لا يعلم عالم ولا متعالم، كيف ستغدو المنطقة ولا كيف ستمسي. فجأةً طرق باب الخيال خاطر، قال: ماذا لو استغرق الرئيس ترامب في حلمه بجائزة نوبل؟ ألن يكون أحقّ بها من باراك أوباما؟ المنطلق السليم هو أن الشرق الأوسط، طال الزمن أو قصر، يتطلب حلاًّ شاملاً تحظى فيه شعوبه بالتفرغ للتنمية ولعب أدوار إيجابية في العالم. من الأرقام الطريفة التي تزري بحماقات الجشع البشري أن المليارات الثمانية لسكان الكوكب لو جمعوا معاً بلا فواصل، ما احتلّوا مساحةً أكبر من بلجيكا، ثلاثين ألف كم مربع. تخيّل لو أتيحت لمنظومة الشعوب العربية والمكونات الإقليمية، عبقريات الإدارة الفائقة وإمكانات التقانات العالية وحسن استغلال الثروات الجوفية والسطحية وروائع الجغرافيا الطبيعية، لأضحى أبعد أصقاع الخيال العلمي التنموي قزماً ضئيلاً أمام الواقع الباهر.
لا يقولنّ أحد إن الواقع المتخيل واقع حتماً، فقد يكون واقعاً من حالق، سوى أن العيش أضيق من سمّ الخياط، لولا فسحة الأمل. ماذا لو فكّر الإمبراطور في الجائزة التي لو أرادها لغدت جائزةً جاهزةً. عليه أن يقول في نفسه: الآن، لقد ذاق كل أهل الشرق الأوسط بلا استثناء ويلات الحروب والدمار، فلا شك في أن الأوان آن لإغلاق صندوق الشرور، وإني لصاحبه.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفيزيائية: حكمة أينشتاين، «الجنون هو أن تكرر الشيء نفسه وتنتظر نتيجة مختلفة». الشعوب ليست أكياس ملاكمة.

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"