فئة (لا)

04:25 صباحا
قراءة دقيقتين
في كل مجتمع إنساني تتباين الآراء وتختلف وجهات النظر، وفي المجتمعات الأكثر تعلماً ومعرفةً تعتبر مثل هذه الظاهرة مؤشراً صحياً وسليماً، لأنه دليل على حراك فكري ومعرفي يطول كافة مفاصل وزوايا المجتمع .
والتجربة الإنسانية أثبتت منذ حقب زمنية غابرة وحتى اليوم أن الإنسان كلما شعر بالمشاركة وأنه يتعاطى مع قضاياه وهمومه، كلما كان هناك ارتفاع أكبر في الوعي وفي التطبيق وهو ما يرتد إيجابياً على سلامة المجتمع ككل . إذن لا بد من المشاركة في الرأي بل والتعبير عن هذا الرأي، باحترام وحفظ حقوق الآخرين الذين يشاركونك نفس المساحة الجغرافية التي تسمى الوطن، بل والنظر في هموم فئات وشرائح، قد تتبنى رأياً وتنحاز له لأنه السبيل لخروجها من دوامة تعيشها تسبب لها معضلة معيشية أو نفسية أو اقتصادية .
مع الأسف الذي يحدث اليوم في عدة بقاع من عالمنا العربي هو أشبه بمعركة كلامية حادة تلقى فيها الشتائم والتهم والتخوين والتكفير وغيرها الكثير من المفردات التي تمتلئ بها مواقع التواصل الاجتماعي ك(الفيس بوك) و(تويتر) فضلاً عن التعليقات التي يتم نشرها على عدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية .
المعضلة الحقيقية ليست حتى في الحدة والقسوة الكلامية رغم أثرها، بل تجاوزتها لتصل لدرجة الرفض لكل موضوع ووضع العراقيل أمامه فقط لأن الجهة التي تبنته أو طرحته هي في خصام معها، وهو ما يعني طغيان الجوانب الشخصية الذاتية وليست القضايا الوطنية العميقة التي تفيد المجتمع ككل، هؤلاء فئة قليلة في كثير من المجتمعات العربية صوتها جهوري خاصة على شبكة الإنترنت وهذا بسبب شدة تنظيم أفرادها ومهارتهم في التنسيق بينهم، فيخيل إليك أن المجتمع برمته يرفض هذه القضية أو تلك، والحقيقة أنهم عبارة عن مجموعات قليلة لا تشكل هاجساً أو ثقلاً في تلك المجتمعات التي يتجاوز عدد سكانها الخمسين مليوناً على سبيل المثال . .
هذه هي "فئة لا" التي تصرخ في وجه كل محاولة للتطوير وترفع "لا" أمام كل صوت يحاول العمل والإصلاح دون مبرر أو سبب منطقي . غني عن القول إنني أعتبر أن فئة "لا" من حقها أن تعبر عن آرائها وتوضح وجهات نظرها وفق ما كفلها لها النظام العام في تلك البلاد، لكن ليس من حقها رفع شعارات الدين الإسلامي والزج بهذا الدين الذي تتشارك مكونات تلك المجتمعات فيه، فتقوم فئة قليلة محدودة بمصادرته واحتكاره .

شيماء المرزوقي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"