عن عهد عمر (٢.٢)

04:21 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عزالدين الهاشمي


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أصحابه العادلين، وآله الكرام العابدين.
كان عهد عمر بن الخطاب زاخراً بالتسامح والمحبة والمودة والأخلاق الحميدة، مع ما فيه من تناقضات النفوس التي تبغض الحق والنور والإسلام. فالفتح الإسلامي انتشر وذاع صيت الفاروق عمر رضي الله عنه، ووقرت محبته في القلوب، ومن ذلك ما قاله عامل كسرى عنه عدلت فأمنت فنمت.
تذكر الروايات التاريخية أن الهرمزان حينما جاء به جند الفاروق إلى المدينة مأسوراً كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه نائماً في المسجد، حيث كان قد لقي وفداً من الكوفة، وبعد أن انصرف الوفد نام رضي الله عنه قليلاً في المسجد وعلق درته وتسجى ببرده، فلما رآه الهرمزان سأل عن خدمه وحاشيته وحجابه، فأجابه الصحابة رضي الله عنهم أنه لا حاجب له ولا خادم يحرسه، فقال الهرمزان: لا يفعل هذا إلا نبي.
وبعد حيلة قام بها الهرمزان، حيث قال إنه يريد أن يشرب، ولا يستطيع شرب الماء وهو خائف، أمَّنَه عمر رضي الله عنه حتى يشرب، عدلاً من سيدنا عمر ومراعاة لبشرية الهرمزان.
قال الهرمزان: إني أخاف أن أقْتَلَ وأنا أشرب.
فقال عمر: لا بأس عليك، حتى تشربه، فَأَكفأه.
فقال عمر: أعيدوه عليه، ولا تجمعوا عليه القتل والعطش.
فقال الهرمزان: لا حاجة لي في الماء، إنما أردت أن أستأمن به.
فقال له عمر: إني قاتلك. فقال الهرمزان: إنك أمَّنتني.
قال: كذبت. فقال أنس: صدق يا أمير المؤمنين. فقال عمر: وَيْحَكَ يا أنس! أنا أؤَمِّنُ من قتل مجزأة والبراء؟! والله لتأتينَّ بمخرج أو لأعاقبنك. قال: قلت له: لا بأس عليك حتى تخبرني.
وقلت: لا بأس عليك حتى تشربه. وقال له من حوله مثل ذلك.
فأقبل عمر على الهرمزان فقال: خدعتني، والله لا أنخدع إلا لمسلم، فأسلم، ففرض له ألفين، وأنزله المدينة.
والهرمزان من ملوك المجوس الفرس على منطقة الأحواز، وقد أسره المسلمون وعفا عمر عنه بعد نكثه العهد مراراً، وكان الحقد يملأ قلبه، لأنه فقد ملكه، وعندما شعر بالخطر أظهر الإسلام، ولكن الناس كانوا يشكون في إسلامه.
العفو والتسامح الذي شمل الهرمزان لم يُدخل في قلبه المودة لهذا الرجل العظيم عمر بن الخطاب فتآمر على قتله بدلاً من أن يفهم إشارات العدل والخير التي أرسلها الله سبحانه وتعالى له على يد عمر رضي الله عنه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"