النفط يعاني

22:33 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

تزيد النرويج انتاجها النفطي، على الرغم من تبنيها الكامل لاتفاق باريس للمناخ لعام 2015، الذي يلزمها بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
لوبيات المناخ في العالم قاطبة، من منظمات غير حكومية، إلى مؤسسات بحثية واستشارية، الى إصدارات إعلامية رصينة، إلى منصات إعلامية الكترونية، إلى آلاف المدونات والمدونين المشتغلين والمتابعين على مدار الساعة للقضايا والأحداث ذات الصلة بموضوع تغير المناخ – هذه اللوبيات أصبحت قوة نافذة ومؤثرة في مسار الأحداث «المناخية» العالمية ذات الصلة بمصادر قطاعي الطاقة الكبيرين الطاقة الأحفورية والطاقة المتجددة.
من ضمن أجنداتها التي باتت تتصدر أولويات اهتماماتها واشتغالاتها، ضمن الإطار العام لما هو متعارف عليه بعد اتفاق باريس للمناخ بمسمى «الطموحات المعززة»، والتي تعني تعظيم الالتزامات المبدئية (المتواضعة في الواقع) التي قدمتها البلدان الأطراف في الاتفاق، «كعربون» ودليل إثبات لحسن نواياها بشأن جدية التزاماتها – من ضمن هذه الأجندات ذات الأولوية - دفع الدول المنتجة للفحم والنفط والغاز (خصوصا منها الدول الغنية الأقل اعتمادا على إيرادات النفط، مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، وبريطانيا، وكندا، والنرويج)، لتقليص إنتاجها من هذه المصادر الثلاثة للوقود الأحفوري كمقاربة لا غنى عنها من أجل الوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية الموصوف في المادة الثانية من اتفاق باريس.
لذلك، فإن تلك اللوبيات تراقب عن كثب سياسات أوبك الإنتاجية وحرب الأسعار بين كبار اللاعبين في سوق البترول الدولية، ومدى تحول انخفاض أسعار النفط إلى مغريات تُجدد الطلب على النفط، وبالتالي ترفع إنتاجه. على سبيل المثال، فقد بدت هذه اللوبيات ممتعضة للغاية من مقال نشرته «نيويورك تايمز» في الآونة الأخيرة، تحت عنوان «سيل من النفط قادم سيعقد جهود مكافحة تغير المناخ». المقال الذي كتبه كليفورد كراوس مراسل شؤون الطاقة للصحيفة في مدينة هيوستن بولاية تكساس النفطية الأمريكية، يتحدث عن أن دولاً منتجة للنفط كانت مغمورة أو أن إنتاجها كان ضعيفاً في السنوات الأخيرة مثل البرازيل وكندا والنرويج وجمهورية غيانا في الكاريبي، ستتسبب في طفرة في إنتاج النفط، سواء احتاجها العالم أم لا، وبمعزل عن تزايد المخاوف بشأن تغير المناخ وتباطؤ الطلب العالمي على النفط. حيث من المتوقع – كما يقول - أن تضيف الدول الأربع معاً ما يقرب من مليون برميل يومياً إلى السوق في عام 2020 المنقضي، وما يقرب من مليون برميل أخرى في عام 2021؛ تضاف إلى إجمالي إنتاج النفط العالمي الحالي البالغ 80 مليون برميل يوميا. وهو ما سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط. واعتبر الكاتب أن هذه الثروات النفطية التي ستدخل السوق، يفترض أن تقوض جهود «أوبك بلس» للتحكم في الأسعار عبر تخفيضات الإنتاج، وتأمين حماية إضافية للمستهلكين. ومثله مثل طفرة النفط الصخري، من شأن تسببه في زيادة المعروض النفطي أن يغير الديناميكيات، فلم تكن غيانا تنتج النفط قبل ذلك، وكان الإنتاج النرويجي والبرازيلي في انخفاض منذ فترة طويلة، أما كندا، فقد أدت المخاوف بشأن تغير المناخ ومقاومة خطوط الأنابيب الجديدة وتكاليف الإنتاج المرتفعة إلى تقليص الاستثمارات في حقول الرمال النفطية لمدة خمس سنوات متتالية. صحيح أن هذا الإنتاج النفطي الجديد يأتي في وقت يتزايد فيه الاعتراف من قبل الحكومات ومستثمري الطاقة بأنه لا يمكن استغلال كل الهيدروكربونات الموجودة في الأرض إذا كان لا بد من السيطرة على تغير المناخ، إلا أن قرارات الاستكشاف التي تم اتخاذها منذ سنوات، لها زخم يصعب إيقافه.
تزيد النرويج إنتاجها النفطي، على الرغم من تبنيها الكامل لاتفاق باريس للمناخ لعام 2015، الذي يلزمها بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وعلى الرغم أيضاً من قيام صندوق ثروتها السيادي بتقليص استثماراته في بعض شركات النفط، وتعهد شركة نفطها الوطنية Equinor (Statoil سابقاً بتأكيد توجهها نحو الطاقة المتجددة)، بزيادة استثماراتها في طاقة الرياح، وهي تدافع عن زيادة إنتاجها النفطي، بالقول (كما يظهر على موقع الشركة الإلكتروني)، إن «اتفاق باريس واضح تماماً فيما ذهب إليه من أنه ستظل هناك حاجة للنفط»، وبدأت النرويج زيادة إنتاجها بعد 19 عاماً من التراجع عندما بدأت Equinor الإنتاج في حقل يوهان سفيردروب للمياه العميقة، الذي سينتج حين وصوله إلى طاقته القصوى 440 ألف برميل يومياً، ما سيرفع إنتاج البلاد من 1.3 مليون برميل يوميًا إلى 1.6 مليون هذا العام، و إلى 1.8 مليون في عام 2021.
البرازيل التي زادت بدورها إنتاجها النفطي في 2018 بمقدار 300 ألف برميل، يُتوقع أن تضيف ما يصل إلى 460 ألف برميل إضافي يومياً بحلول نهاية عام 2021. وهناك مزادات كبيرة شارك فيها بعض أكبر شركات النفط للحصول على حقوق الحفر في المناطق البحرية التي تتوفر على احتياطيات تصل إلى 15 مليار برميل. 
لكن التغيير الأكثر لفتاً للانتباه هو في غيانا، الدولة الصغيرة في أمريكا الجنوبية، حيث حققت شركة «إكسون موبيل» سلسلة من الاكتشافات الرئيسية مكنت الدولة من انتاج 100 ألف برميل يومياً في شهر يوليو الماضي، وتخطط لرفعه إلى 750 ألف برميل على الأقل بحلول عام 2025. لكن في الواقع، فإن الشركة تواجه تعقيدات وصعوبات تقنية محبطة، فضلاً عن المخاطر المحيطة بمطالبات فنزويلا بجزء كبير من أراضيها، وهشاشة أوضاعها الداخلية الناتجة عن الانقسامات العرقية. كذلك الحال بالنسبة لخط أنابيب ألبرتا البالغ طوله حوالي 1610 كيلومترات، فهو يواجه معوقات ومصاعب جمة، بعضها بيئية وأخرى تتعلق بحقوق المرور على ولاية مينيسوتا، أخرت بداية تشغيله التي كانت مقررة في 2017، وموضوعه يتعلق باستبدال خط أنابيب قديم عمره زهاء 50 سنة بآخر جديد سيرفع طاقة ضخه من 390,000 برميل يومياً إلى 760,000 برميل يومياً.
الحديث يدور عن زيادة على الإنتاج العالمي قدرها حوالي 1,430,000 برميل يوميا (زيادة انتاج البرازيل بواقع 460,000 برميل، وفارق خط ألبرتا 370,000 برميل، و100,000 برميل لغيانا، و500,000 برميل للنرويج). وهي زيادة تعتبر ضئيلة جداً إذا ما قيست بطفرات إنتاج النفط الصخري الأمريكي الذي قفز بالإنتاج النفطي الأمريكي بواقع 8 ملايين برميل يومياً خلال الفترة من 2010 الى 2018.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"