عادي

أوروبا بين مطرقة واشنطن ومصالحها مع الصين

00:46 صباحا
قراءة 4 دقائق
قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل(رويترز)

كتب - المحرر السياسي:

في الوقت الذي تحاول فيه القارة الأوروبية المحافظة على مستوى نفوذها الذي يبدو أنه يشهد تراجعاً ملحوظاً في العالم؛ وذلك في ظل صعود قوى عالمية أخرى مثل الصين، فإن الكتلة بدأت في رسم استراتيجية جديدة تحاول من خلالها ترسيخ استقلاليتها والنأي بنفسها عن الصراع الخفي الدائر بين قطبي الشرق والغرب، فتارة من خلال عقد التحالفات التجارية مع أحد الطرفين، وتارة بالتصريح علانية بحيادها في ظل ما يبدو أنها ضغوط أمريكية تدعو الأوروبيين للوقوف إلى جانبها في صراعها المحتدم مع التنين الصيني.

كانت جولة الرئيس بايدن الأخيرة إلى أوروبا أكثر تركيزاً على الصين مما كانت تسمح به جغرافيا القمم الأمريكية الأوروبية في الماضي. فقد طورت الولايات المتحدة في عهد بايدن موقفاً أكثر عدوانية تجاه بكين، وتم الإعلان عن ضرورة توحيد جهود مجموعة السبع ككتلة موحدة من أجل «مواجهة الصين»، وسط مخاوف متزايدة حول الأمن السيبراني والمحافظة على القيم الديمقراطية.

ولم يقتصر الأمر على مجموعة السبع؛ بل إن بريطانيا دعت بعض دول «المحيطين الهندي والهادئ» (الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا) لحضور اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع، ليس فقط كإشارة إلى تحول سياسي يُنذر مسبقاً بتشكيل مجموعة العشر لدعم الديمقراطيات، ولكن أيضاً لإفساح المجال لأمريكا لمناقشة موقفها من الصين مع الدول ذات التفكير المماثل.

ومع ذلك، وبدلاً من الانحياز صراحة إلى الولايات المتحدة، شدد القادة الأوروبيون على «الحكم الذاتي الاستراتيجي». وصدر البيان الختامي للقمة، ليكشف درجة التحفظ حيال تصعيد الخطاب الأوروبي مع الصين التي لم يرد اسمها في البيان المكون من 72 صفحة سوى 3 مرات، بينما ذكرت إفريقيا 15 مرة؛ حيث تطرق البيان إلى قضايا عامة معروفة مثل هونج كونج، وإقليم شينجيانغ وبحر الصين الجنوبي وتايوان - دون فرض عقوبات جديدة على الصين، أو التذكير بالعقوبات القائمة بالفعل.

الحياد الأوروبي

ويتعلق التغيير الملحوظ بذكر «انتهاكات حقوق الإنسان»، في حين أشار الاتحاد الأوروبي إلى العنصر الملزم في الاتفاقية بشأن معاهدة الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين.

وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رغبته في أن يتبنى الاتحاد الأوروبي موقفاً أكثر حيادية مع الصين، في حين حذر أرمين لاشيت، المرشح الأول لمنصب المستشار الألماني القادم، من مخاطر نشوب حرب باردة جديدة ضد الصين، واتفق مع أنجيلا ميركل على أن بكين كانت شريكاً بقدر ما كانت تعد منافساً منهجياً.

وأعلنت إيطاليا على لسان وزير خارجيتها، عن رغبة روما في تعميق التعاون مع «مبادرة الحزام والطريق» في مجالات الطاقة والصناعة، وهو ما فاجأ الكثير من القادة الأوروبيين الذي رأوا أن الموقف الإيطالي منحاز بشكل صريح للجانب الصيني، من دون الأخذ في الاعتبار التحفظات الأوروبية التي تنظم علاقاتها مع التنين، ولاقى حماس إيطاليا لتلك المبادرة انتقادات واسعة، لكن يبدو أن روما أصبحت أكثر استقلالية في الآونة الأخيرة مما كانت عليه قبل سنوات، واجهت فيها خطر الإفلاس؛ إذ تحركها، في المقام الأول، مصالحها الاقتصادية، إلى جانب أن استعداءها للصين أو تعاملها معها بطريقة متحفظة كما تفعل أوروبا، سيؤدي إلى فتور كبير في علاقتها الثنائية مع الصين.

وفي الدراسة التحليلية التي أجرتها مؤسسة «سوروس» تم التركيز على أن أوروبا لا تريد أن تكون كرة تتقاذفها قوتا الشرق والغرب؛ إذ يقول خبراء: إنه يجب على الاتحاد الأوروبي لعب دور الوسيط المنفتح على الحوار، لأنه يتمتع بعلاقات قوية مع الصين، إلى جانب أن علاقاته مع الولايات المتحدة لا تقوم على التنافس بمعناه الحساس.

ماكرون طرح في السابق فكرة بناء شراكة جديدة مع الولايات المتحدة على أساس «مجتمع القيم»، لكنه سمح في النهاية لأوروبا بالتصرف بشكل مستقل فيما يتعلق باستراتيجيتها الصينية، مشيراً إلى أن أوروبا «تحتاج إلى بناء إطار استقلالها الاستراتيجي اقتصادياً وصناعياً وتكنولوجياً وعسكرياً».

التعامل الحذر

وخضعت هذه الفكرة لمناقشات مستفيضة في قمة الناتو؛ حيث احتلت الصين مكان روسيا في النقاش، خاصة منذ انتخاب بايدن. وبينما دعا الرئيس الأمريكي إلى إدراج «التحدي الأمني ​​الذي تشكله الصين» في الإعلان المتعلق بالأمن السيبراني العالمي، اعترض ماكرون على هذا الإدراج، داعياً إلى عدم الخلط في الأهداف، بدعوى أن الناتو منظمة عسكرية، وأن العلاقة مع الصين ليست عسكرية فقط، والناتو منظمة تهتم بشمال الأطلسي، وليس للصين علاقة تذكر بشمال الأطلسي. إضافة إلى ذلك أصر ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، على أن الحلف لا يرى الصين كعدو.

ولكن تم الخوض في تفاصيل جوهر المشكلة خلال القمة الأوروبية الأمريكية، التي ارتكزت على موضوعات التكنولوجيا والسيادة، وتبين أنه وعلى الرغم من سحب مطالب ترامب المفرطة بشأن ضرائب الطيران، فإن ثقة أوروبا في أمريكا لم تسترد عافيتها بالكامل بعد.

هذا النهج ما بعد الليبرالي على مستوى الدولة، يترك سؤالين دون إجابة، أولهما، هل النهج الأمريكي معني بشركات التقنية الصينية التي تبحث عن شراكات؟ وفي الإجابة عن ذلك، فإن قطاع التقنية الأوروبي لا يجب الاستغناء عنه، وليس من الواضح أن نظراءهم في أمريكا سوف يستغنون عنه أيضاً؛ وذلك في الوقت الذي تعرف كل الأطراف حجم الضغط الأمريكي الهائل على الشركات الأوروبية.

وتبقى العلاقات الأوروبية الأمريكية رهن عاملين لم يُحسما بعد، وهما أن حلف شمال الأطلسي لم يتعاف بالكامل من حالة انعدام الثقة التي كان ترامب السبب فيها. ولا تزال الدول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي تدعم المضي قدماً في مشروع الحكم الذاتي الاستراتيجي، فأوروبا لا تريد أن تكون «حصان طروادة»، وربما يكون هذا هو الدرس الذي يمكن تعلمه من فشل اتفاقية الاستثمار مع الصين، ومن النجاح الفاتر للمقترحات الأمريكية.

ثانياً، بات من الواضح أن الصين دخلت فعلياً في حسابات شمال الأطلسي إضافة إلى روسيا، وهو ما يتطلب استراتيجية عمل مشتركة بين ضفتي الأطلسي للتعامل مع بكين، ولكن هذه الاستراتيجية غير موجودة حتى الآن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"