المسرح في يوم الشعر..

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

بين الشعر والمسرح من حيث الاحتفال العالمي بهما أقل من أسبوع «17 آذار أيام الشارقة المسرحية» و«21 آذار يوم الشعر العالمي»، لكن من حيث التاريخ والذاكرة بين الشعر والمسرح ما يشبه الأبوّة والأمومة. بينهما تاريخ وفكر وفلسفة وثقافة، بل، ثقافات.
الشعر قبل المسرح، وحين وُلِدَ المسرح في مدرجات روما وأثينا وُلِدَ شعرياً، وما من مسرح يحمل ثقافة، ويحمل فكراً وفلسفة وحكمة، إلّا وقام على الشعر أو قام على إيقاع الشعر.
يقال، دائماً، إن المسرح هو «أبو الفنون»، غير أن الشعر هو أبو الآداب والفنون معاً، وكل شعر حقيقي إنساني عظيم إنما في قلبه فلسفة، وفي قلبه فكر، وحكمة، ومعرفة، وعلوم.
بدأ المسرح شعرياً، وكجنس أدبي أخذ يستقل عن جماليات ونظم الشعر، لكنه لم يبعد عن روحه، وكل نص مسرحي عظيم يتضمن رؤية شعرية، ويتضمن روحاً شعرية أيضاً.
المسرح فن إلقائي، والشعر كذلك، وأحياناً بل كثيراً يمسرح الشاعر قصيدته حين يلقيها في جمهور، كما وليس جديداً الإشارة إلى الشعر المسرحي، أي شعر المسرح الموزون، أو القائم على نظام وزني موسيقي هو ذاته الوزن الخليلي.
المسرح، أيضاً، فن الدراما والتراجيديا، والشعر أيضاً يحمل صيغه التراجيدية، والقصيدة الدرامية هي قصيدة عذابات البشر منذ هوميروس، وحتى اليوم.
المسرح يلتقي بالناس، والعرض المسرحي لا يقوم على سوية إبداعية إن لم يكن أمام جمهور، والشاعر، أمام الجمهور إنما يقدم عرضاً مسرحياً، وإن كان هذا العرض يؤديه فرد واحد هو الشاعر.
المسرح، الغنائي، المسرح الجمالي، فن المينودراما.. وغيرها من «دماء» مسرحية تأخذ جمالياتها القصوى من الشعر، وحتى العرض الذي يتحكم فيه المخرج لا يحوز ثقة الجمهور إن لم يكن هذا المخرج «شاعراً».
شعرية المخرج تتمثل في قراءته لجسد الممثل، وتدوير أو تحوير الجسد إلى أداء حيوي حر على الخشبة. هذه الحيوية هي «شعر».
أولاً، كان المسرح شعرياً، ثم، استقل شكلاً، ولكن ظلت الروح هي روح الشعر، وثانياً، كان المسرح نصاً، لكن لا روح للنص، ولا بقاء للنص من دون عرض.
العرض المسرحي المينودرامي، والجماعي، والدرامي، الاستعراضي، الغنائي، التاريخي.. كل هذه العروض لا بد لها من شعرية المخرج.
في العرض إضاءة، وموسيقى، وسينوغرافيا، وأبعاد.. بُعد عميق، وبُعد متوسط، وعتبة قريبة من الجمهور.. كل ذلك يتطلب مخرجاً «شاعراً» أو مخرجاً شعرياً.
الكثير من المخرجين شعراء بالفطرة. هؤلاء قاموا بمسرحة الشعر. قاموا بتحويل القصيدة من نص إيقاعي شعري إلى عرض.
بين الشاعر والمسرحي صلة قربى تتصل بأحد أعمدة بناء النص المسرحي وهو الحوار. ثمة حوار في النص المسرحي، ثمة حوار في العرض المسرحي، وثمة حوار في القصيدة.
الحوار في الشعر أحياناً، إضماري، وربما «باطني». إنه مونولوج أو استدراك أو تداعيات، أو انثيالات. إنه الحوار الذي يجعل من القصيدة مادة درامية.
فاوست، الكوميديا الإلهية، الإلياذة، وغيرها من الأعمال الأدبية الخالدة قامت، وأسست خلودها على الشعر، كما الموسيقى أيضاً تحوز استحقاق خلودها من الشعر، وفي الرسم ولوحاته الخالدة أيضاً تنبض عروق الشعر.
..حتى العلم إذا خلا تماماً من ضوء الشعر، فإنه يتحوّل إلى طاقة إجرامية كارثية، في حين كل كيمياء هي شعر، وكل رياضيات فيها أقباسٌ من شعر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"