دون شك أن مخترعاتنا البشرية، منذ الأزل، وحتى عصرنا الحديث، هي نتاج للأفكار، وتحديداً نتيجة للحاجة البشرية التي قادت نحو عمليات من التأمل والتفكير، لسد تلك الحاجات، ومعالجة القصور والعجز. ويمكن الوقوف على عدة شواهد في هذا المجال، لنكتشف أن معظم مبتكراتنا ومخترعاتنا كانت وليدة للحاجة، ولكن لم يكن لها أن تتحقق دون جهد من التفكير، والتجريب، والتطوير، حتى وصلنا للمرحلة التي نعيشها في هذا العصر من ثورة في مجالات عدة منها المعلومات والاتصالات والتقنيات الحديثة من البرمجة والذكاء الاصطناعي ونحوها.
في ما مضى من عصور سحيقة، كان الإنسان مشغولاً بمعالجة مشكلة الأمن، حيث كانت المفترسات من الحيوانات تهدد وجوده، فتوصل لعدة حلول منها استخدام النار، وصناعة الأدوات الحادة من الحجارة، ثم السهام والرماح والسكاكين، وغيرها. وبهذه تفوق الإنسان، وتمكن من بناء الحواضر والمدن.
لقد كانت الأفكار التي هي وليدة الحاجة، المحرك والدافع نحو التطور، لكننا اليوم، وفي هذا العصر المتوهج بالتقدم التقني وتطور الآلة، نحتاج لدافع أقوى يقودنا نحو توليد الأفكار، ولتكون هي منهج وطريقة حياة، خاصة ونحن نعلم أثرها المدوي والعظيم على مجمل الأعمال، وبالتالي تمكنها من قيادة التميز والسبق، ليس في مجال الخدمات والتنمية وحسب، بل في مجالات الربح والكسب والتجارة والنمو الاقتصادي. ومن معضلات الإيمان بتوليد الأفكار وأثرها، محدودية فهم أثرها، وعدم التصديق بقوتها، وأيضاً دخول العواطف والآراء الشخصية والميول الذاتية في التأثير على جوهر الفكرة نفسها، أو حتى في رفضها وعدم قبولها.
تقول ناديا شنتزلر، في كتابها الذي حمل عنوان «ماكينة الأفكار: كيف يمكن إنتاج الأفكار صناعياً»: «الأفكار مسألة عاطفية للغاية، ترتبط بالمشاعر الإيجابية والسلبية. وللأسف، تنتاب كل شخص مشاعر مختلفة تجاه كل فكرة؛ فالفكرة التي أجدها شخصياً رائعة حقاً قد يراها زميلي غاية في السوء. ونظراً لأن الانفعالات والعواطف غير قابلة للتفاوض، فسوف تثبت الآراء والمواقف سريعاً جداً، وهذا يجعل اختيار الأفكار أمراً بالغ الصعوبة. إن الأفكار ببساطة شيء سريع التغير؛ ففي البداية قد يفكر شخص قائلاً: يا للروعة! هذا رائع. وفي المرة الثانية حين يكون في حالة مزاجية مختلفة يفكر قائلاً: ما المفترض أن يكون جيداً بشأن ذلك؟!».
نحتاج لتجاوز هذا المطب، إن صحت الكلمة، وأيضاً نحتاج لوعي بالغ بحيوية وأهمية الأفكار، وتأسيس وعي عام بها، بل وتشجيع على التعبير عن الفكرة، وعدم اختزالها أو قتلها بالصمت.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
https://tinyurl.com/233k42au