عودة مغربية إلى إفريقيا بطموح إقليمي

04:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول
قبل ثلاثة عقود قرر العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني الانسحاب من «منظمة الوحدة الإفريقية» التي شاركت بلاده في تأسيسها عام 1963. كان مبرر الانسحاب الوحيد قبول عضوية «البوليساريو» في هذه المنظمة بما يشبه الإجماع، وبالتالي ما كان بوسع الرباط أن تحافظ على عضويتها في منظمة تشجع على تقسيم أراضيها الوطنية، ذلك أن المملكة تعد الصحراء الغربية أرضاً وطنية مغربية، وأن «جبهة البوليساريو» حركة انفصالية وليست حركة تحرر «للشعب الصحراوي» كما تنص وثيقة الاعتراف بها.
يعود المغرب مجدداً وبعد 32 عاماً من القطيعة إلى المنظمة التي صارت تسمى ب «الاتحاد الإفريقي» معتبراً أن العمل من الداخل أفضل من البقاء خارجها. ويبرر هذه الأفضلية في بيان العودة بالقول «إن زمن الأيديولوجيات قد ولى، وباتت شعوبنا بحاجة إلى العمل الملموس». ويضيف «الجغرافيا لا تتغير، ولا يمكن التنصل من ثقل التاريخ».
ما من شك في أن زمن الأيديولوجيات إلى تراجع. لقد انسحب المغرب من «منظمة الوحدة الإفريقية» خلال الحرب الباردة، في وقت كانت المنظمة أقرب إلى السياسة السوفييتية منها إلى الغرب الليبرالي، وبالتالي كان في «موقع أقلوي» للغاية لا يتيح له الدفاع عن وجوب الاعتراف ب «مغربية الصحراء»، أو بمنح «البوليساريو» حكماً ذاتياً واسع الصلاحيات بدلاً من الانفصال. كان البقاء في المنظمة حينذاك يعني استعراضاً دورياً في اجتماعاتها، بين أكثرية ساحقة من الأعضاء تؤيد استقلال «البوليساريو» ودولة لا تريد هذا الاستقلال، ويمكن أن توصف ب «المغتصبة» بلغة تلك المرحلة وأيديولوجياتها.
غير أن الانسحاب كان يعني أيضاً حرمان المغرب من الدائرة الإفريقية، أي من عمقه الأمني والاستراتيجي، ودفعه للاندماج في هيئات إقليمية أخرى، وقد جرب المغرب حينذاك الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون جدوى، ما يعني أنه كان مخيراً بين عزلة داخل الاتحاد، لا تساعده في الدفاع عن سياسته الصحراوية، وعزلة خارج الاتحاد قد تتيح له هامشاً أكبر للمناورة، فكان أن فضل الانسحاب على البقاء.
لم يغرب عصر الأيديولوجيات فحسب، بل تغيرت موازين القوى في إفريقيا وفي العالم العربي، حيث التداخل العربي الإفريقي قوي للغاية. والتغيير الطارئ يصب في صالح المغرب وأصدقائه، فقد غاب الزعيم الليبي معمر القذافي الذي نجح في جعل الاتحاد الإفريقي فرس الرهان في سياسته الخارجية بعد احتلال العراق، وبذل أموالاً طائلة في تجميع الأقطاب الأفارقة حول سياسته، علماً أن القذافي ما كان يوماً يناهض الجزائر بحكم الجغرافيا والأيديولوجيات أيضاً. وانتقل النظام السوداني مع انهيار الأيديولوجيات إلى موقع أقرب إلى المغرب، في حين أدت العشرية السوداء في الجزائر إلى إضعاف هذا البلد المنافس الأساسي للمغرب، والمدافع بقوة عن استراتيجية «حق تقرير المصير للشعب الصحراوي». وتراجع أيضاً نفوذ الجزائر بعد ما سمي ب «الربيع العربي»، حيث انهارت ليبيا وصارت تشكل عبئاً على الجزائر، وصارت تونس هدفاً للإرهاب والاضطرابات السياسية وهي أيضاً الأكثر تأثراً بالجزائر، وغرقت سوريا في حرب إقليمية ودولية لم تتم فصولها بعد، ناهيك عن وفاة قائد «البوليساريو» التاريخي محمد بن عبد العزيز، وانتخاب إبراهيم غالي خلفاً له، وهو الذي يؤمن بالكفاح المسلح، وقد سبق له أن عمل وزيراً للدفاع في الحكومة الصحراوية.
ويعود المغرب إلى «الاتحاد الإفريقي» وسط تغيرات تنظيمية محتملة في إدارته، من بينها احتمال تولي الجزائر أمانته العامة في العام المقبل 2017 وهي التي دعت لمقاطعة المواد والسلع التي تنتج في الأراضي الصحراوية الموالية للمغرب، الأمر الذي يمكن أن يطرح مشاكل صعبة في الاقتصاد الصحراوي الذي يربط أبناء المنطقة بأرضهم وفضائهم الطبيعي.
إن التطورات الإفريقية والعربية التي تزامنت مع تغييرات إقليمية ودولية، ومع تزايد قوة المغرب الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، ونجاحه في رعاية التعددية السياسية في الحكومة المغربية، ذلك كله أدى إلى التخلي عن سياسة المقعد الشاغر في الاتحاد الإفريقي، وبالتالي العودة إلى هذا الإطار من أجل بلوغ الأهداف التالية:
1- تعطيل الإجماع في القرارات المتعلقة بالمغرب والصحراء الغربية، لا سيما قرارات المقاطعة العقابية المتصلة بالأراضي الصحراوية.
2- الإفادة من كتلة الدول الأعضاء ال (28 دولة) من أجل حملها على العمل على طرد «الجمهورية الصحراوية»
3- العمل على جعل الجزائر «طرفاً أقلوياً» في المنظمة الإفريقية وحرمانها من التأثير على قرارات الأفارقة في أكثر من اتجاه وعلى غير صعيد.
4- اعتماد سياسة هجومية في إفريقيا في مجالات التعاون التنموي والثقافي.
5- التحول إلى قطب إقليمي بالإفادة من ميزان القوى الجديد في العالم العربي، ومن العلاقات القوية مع أوروبا والولايات المتحدة، ومن تغير ميزان القوى في العالم العربي لصالح المغرب، ناهيك عن العلاقات المغربية الخليجية الوثيقة التي ترجمت على الأرض خلال العام الفائت في حرب اليمن.
أكبر الظن أن المغرب لا يعود إلى الاتحاد الإفريقي، لكي يلعب أدواراً تكتيكية دفاعية، بل اعتماداً على استراتيجية جديدة تشي بطموح إقليمي، يتيح نهاية مغربية لقضية الصحراء، وربما لما بعد بعد هذه القضية.
لم يغرب عصر الأيديولوجيات فحسب، بل تغيرت موازين القوى في إفريقيا وفي العالم العربي، حيث التداخل العربي الإفريقي قوي للغاية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"