الشارقة: علاء الدين محمود
رؤى جمالية وفكرية مميزة، قدمها الرسام الفرنسي جاك لوي ديفيد (1748 ـ 1825)، والذي يعد من أبرز فناني المدرسة الكلاسيكية الجديدة، ولد لعائلة باريسية من الطبقة المتوسطة، وبعد أن اغتيل والده، عاش مع أعمامه، وحين بلغ من العمر ستة عشر عاماً، درس الفن في الأكاديمية الملكية، وفي عام 1774 ربح جائزة روما، والمعروف أن الفنان قد سافر إلى إيطاليا؛ حيث تأثر بالفن الكلاسيكي، وبأعمال فنان القرن 17 نيكولا بوسان، ومكث هناك ستة أعوام، واستطاع ديفيد أن يبتكر أسلوباً كلاسيكياً جديداً خاصاً به، وقد أضافت لوحاته ذات المنحى العقلاني للتصوير القصصي التاريخي، في ثمانينيات القرن الثامن عشر، تغييراً في الذوق بعيداً عن عبث الروكوكو.
في وقت لاحق، أصبح ديفيد مؤيداً نشطاً للثورة الفرنسية وصديقاً لماكسميليان روبسبير، وكان عملياً الحاكم المطلق للفنون تحت حكم الجمهورية الفرنسية، وتم سجنه بعد سقوط روبسبير، وبعد إطلاق سراحه انضم لنظام سياسي آخر تابع لنابليون، القنصل الأول لفرنسا، وفي تلك الفترة نمى طرازه الإمبراطوري المميز، باستخدامه ألوان البندقية «فينيسيا» الدافئة، وبعد انحسار سلطة نابليون الإمبراطورية وانتعاش آل بوربون، رحل ديفيد إلى بروكسل، ثم إلى المملكة المتحدة الهولندية؛ حيث بقي حتى وفاته، وكان لديفيد عدد كبير من التلاميذ، الأمر الذي جعله صاحب التأثير الأقوى على الفن الفرنسي في بدايات القرن التاسع عشر، خاصة التصوير الأكاديمي الصالوني.
لوحة «قسم الإخوة هوراس»، أو «قسم القتال»، التي رسمها عام 1784، تعد واحدة من أهم لوحات ديفيد؛ نسبة إلى البراعة الكبيرة التي أظهرها الفنان في ذلك العمل الضخم؛ وكذلك لأن اللوحة غطت مرحلة تاريخية مهمة، وهي تنتمي إلى أسلوب الفنان، وتعبر عن ممارساته الإبداعية على طريقة الكلاسيكية الحديثة، خاصة في ما يتعلق برسم مشاهد الحروب والمعارك، وتوثيق المناسبات الاجتماعية والسياسية الكبيرة، التي لها أثر على أوروبا والعالم أجمع؛ حيث تميز الفنان في توظيف ضربات الفرشاة الخفيفة، من أجل أن يركز المتلقي على الواقعة والمشهد ويفكر في دلالاتها، وقد أصبحت اللوحة، النموذج المثالي للفن الكلاسيكي الجديد، وزادت من شهرة ديفيد؛ ليصبح لديه طلاب يتعلمون على يده.
اللوحة تظهر الإخوة الثلاثة وهم في وضعية الاستعداد للمعركة، وقد ارتدوا الدروع وملابس الحرب، ورفعوا سيوفهم في حماسة تظهر الشجاعة الفائقة أمام والدهم الذي يبدو فخوراً بهم وبإقدامهم وبسالتهم وتضحياتهم من أجل وطنهم، ويعرض ديفيد في الزاوية السفلى اليمنى من اللوحة، امرأة جالسة باكية تدعى «كاميلا»، وهي أخت للإخوة هوراس، وهي في الوقت نفسه خطيبة أحد مقاتلي «ألبا لونجا»، فهي تبكي لإدراكها بأنه مهما آلت إليه الأحداث، فإنها ستفقد شخصاً تحبه من المتحاربين، وذلك هو الشعور نفسه الذي تسرب إلى بقية الإخوة والأم والأطفال في اللوحة، وبالفعل، عند هزيمة «ألبا لونجا»، عاد الأخ الناجي المتبقي إلى المنزل، ليجد أخته تلعن روما، لتسببها بمقتل خطيبها، فقتلها خوفاً من أن تحل اللعنة على روما.
تُبرز اللوحة قيم الفروسية عند هؤلاء الرجال، وهم على أتم الاستعداد ليسلموا حياتهم طوعاً، بدافع الواجب الوطني، فبنظرتهم الحازمة هم بمثابة حصون للوطن، وهم الرمز الأسمى للفضيلة في روما، وتكمن براعة الفنان في إظهار كل تلك المشاعر في العمل، من خلال التباينات اللونية البسيطة والقوية والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، ما يضفي على اللوحة ورسالتها حول نبل التضحية الوطنية، شعوراً فائقاً بالقوة، غير أن العمل يعكس مشهدين متباينين، الأول وهو الخاص بالفرسان ووالدهم، وهو الذي يقوم على الشجاعة والقوة، بينما يبدو المشهد الآخر على النقيض من ذلك تماماً، وهو المتمثل في هؤلاء النساء ذوات القلب الرقيق.
اللوحة تظهر، كما أشار النقاد، نظرة مستقبلية، وهي متأثرة كثيراً بأفكار التنوير؛ حيث ساهم هذا العمل، ضمن أعمال فنية أخرى، في الإطاحة بالملكية، ومع اقتراب الثورة الفرنسية، أشارت اللوحة بشكل متزايد إلى مفهوم الولاء للدولة؛ حيث تعكس اللوحة التي رُسمت قبل خمس سنوات من الثورة، حجم التوترات السياسية في تلك الفترة.
رؤى جمالية وفكرية مميزة، قدمها الرسام الفرنسي جاك لوي ديفيد (1748 ـ 1825)، والذي يعد من أبرز فناني المدرسة الكلاسيكية الجديدة، ولد لعائلة باريسية من الطبقة المتوسطة، وبعد أن اغتيل والده، عاش مع أعمامه، وحين بلغ من العمر ستة عشر عاماً، درس الفن في الأكاديمية الملكية، وفي عام 1774 ربح جائزة روما، والمعروف أن الفنان قد سافر إلى إيطاليا؛ حيث تأثر بالفن الكلاسيكي، وبأعمال فنان القرن 17 نيكولا بوسان، ومكث هناك ستة أعوام، واستطاع ديفيد أن يبتكر أسلوباً كلاسيكياً جديداً خاصاً به، وقد أضافت لوحاته ذات المنحى العقلاني للتصوير القصصي التاريخي، في ثمانينيات القرن الثامن عشر، تغييراً في الذوق بعيداً عن عبث الروكوكو.
في وقت لاحق، أصبح ديفيد مؤيداً نشطاً للثورة الفرنسية وصديقاً لماكسميليان روبسبير، وكان عملياً الحاكم المطلق للفنون تحت حكم الجمهورية الفرنسية، وتم سجنه بعد سقوط روبسبير، وبعد إطلاق سراحه انضم لنظام سياسي آخر تابع لنابليون، القنصل الأول لفرنسا، وفي تلك الفترة نمى طرازه الإمبراطوري المميز، باستخدامه ألوان البندقية «فينيسيا» الدافئة، وبعد انحسار سلطة نابليون الإمبراطورية وانتعاش آل بوربون، رحل ديفيد إلى بروكسل، ثم إلى المملكة المتحدة الهولندية؛ حيث بقي حتى وفاته، وكان لديفيد عدد كبير من التلاميذ، الأمر الذي جعله صاحب التأثير الأقوى على الفن الفرنسي في بدايات القرن التاسع عشر، خاصة التصوير الأكاديمي الصالوني.
لوحة «قسم الإخوة هوراس»، أو «قسم القتال»، التي رسمها عام 1784، تعد واحدة من أهم لوحات ديفيد؛ نسبة إلى البراعة الكبيرة التي أظهرها الفنان في ذلك العمل الضخم؛ وكذلك لأن اللوحة غطت مرحلة تاريخية مهمة، وهي تنتمي إلى أسلوب الفنان، وتعبر عن ممارساته الإبداعية على طريقة الكلاسيكية الحديثة، خاصة في ما يتعلق برسم مشاهد الحروب والمعارك، وتوثيق المناسبات الاجتماعية والسياسية الكبيرة، التي لها أثر على أوروبا والعالم أجمع؛ حيث تميز الفنان في توظيف ضربات الفرشاة الخفيفة، من أجل أن يركز المتلقي على الواقعة والمشهد ويفكر في دلالاتها، وقد أصبحت اللوحة، النموذج المثالي للفن الكلاسيكي الجديد، وزادت من شهرة ديفيد؛ ليصبح لديه طلاب يتعلمون على يده.
- حكاية مدينتين
اللوحة تظهر الإخوة الثلاثة وهم في وضعية الاستعداد للمعركة، وقد ارتدوا الدروع وملابس الحرب، ورفعوا سيوفهم في حماسة تظهر الشجاعة الفائقة أمام والدهم الذي يبدو فخوراً بهم وبإقدامهم وبسالتهم وتضحياتهم من أجل وطنهم، ويعرض ديفيد في الزاوية السفلى اليمنى من اللوحة، امرأة جالسة باكية تدعى «كاميلا»، وهي أخت للإخوة هوراس، وهي في الوقت نفسه خطيبة أحد مقاتلي «ألبا لونجا»، فهي تبكي لإدراكها بأنه مهما آلت إليه الأحداث، فإنها ستفقد شخصاً تحبه من المتحاربين، وذلك هو الشعور نفسه الذي تسرب إلى بقية الإخوة والأم والأطفال في اللوحة، وبالفعل، عند هزيمة «ألبا لونجا»، عاد الأخ الناجي المتبقي إلى المنزل، ليجد أخته تلعن روما، لتسببها بمقتل خطيبها، فقتلها خوفاً من أن تحل اللعنة على روما.
تُبرز اللوحة قيم الفروسية عند هؤلاء الرجال، وهم على أتم الاستعداد ليسلموا حياتهم طوعاً، بدافع الواجب الوطني، فبنظرتهم الحازمة هم بمثابة حصون للوطن، وهم الرمز الأسمى للفضيلة في روما، وتكمن براعة الفنان في إظهار كل تلك المشاعر في العمل، من خلال التباينات اللونية البسيطة والقوية والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، ما يضفي على اللوحة ورسالتها حول نبل التضحية الوطنية، شعوراً فائقاً بالقوة، غير أن العمل يعكس مشهدين متباينين، الأول وهو الخاص بالفرسان ووالدهم، وهو الذي يقوم على الشجاعة والقوة، بينما يبدو المشهد الآخر على النقيض من ذلك تماماً، وهو المتمثل في هؤلاء النساء ذوات القلب الرقيق.
- نظرة
اللوحة تظهر، كما أشار النقاد، نظرة مستقبلية، وهي متأثرة كثيراً بأفكار التنوير؛ حيث ساهم هذا العمل، ضمن أعمال فنية أخرى، في الإطاحة بالملكية، ومع اقتراب الثورة الفرنسية، أشارت اللوحة بشكل متزايد إلى مفهوم الولاء للدولة؛ حيث تعكس اللوحة التي رُسمت قبل خمس سنوات من الثورة، حجم التوترات السياسية في تلك الفترة.
- معارض