صناعة الخوص والجريد تقنيات البساطة

مصدر لرزق آلاف العائلات
01:19 صباحا
قراءة 4 دقائق
القاهرة - عيد عبدالحليم:
من الصناعات الريفية البسيطة التي كانت تمثل مصدراً للرزق لآلاف العائلات "صناعة الخوص والجريد" حيث تتم الاستفادة من "النخيل" وجذوعها، ولأنها صناعة غير مكلفة من ناحية المادة الخام، فقد انتشرت على مدار الخريطة المصرية حيث تنتشر أشجار النخيل، ومن أشهر المدن التي ظهرت فيها هذه الصناعة سيوة والفرافرة والداخلة والخارجة وأسوان والعريش والفيوم ورشيد .
يقول عبدالوهاب حنيف "رئيس أطلس للفولكلور" سابقاً، تشير آخر الإحصاءات إلى أن في مصر 13 مليون نخلة، وحتى النصف الثاني من القرن العشرين كانت النخلة هي مصدر معظم الحرف اليدوية في معظم المدن وكل القرى التي تنتشر فيها مزارع النخيل، فالمرأة تحترف صناعة الخوص، بينما يحترف الرجال صناعة منتجات الجريد بأشكاله ووظائفه المتعددة .
وتفرغ المرأة طاقاتها الإبداعية في تشكيلات ضفائر الخوص الأبيض لتصنع منه عدداً من أشكال السلال وأواني حفظ الغذاء ونقله، وتبدع في زخارف منتجاتها خاصة تلك التي تدخل في احتفالية زفاف العروس وهي بذلك توثق علامة الجودة لهذه المنتجات المتميزة .
وأكثر المناطق تميزاً في صناع الخوص هي الفيوم، والنوبة، والواحات الداخلية وواحة سيوة بينما تتميز الفيوم والواحات الداخلة بصناعة الجريد . ويضيف حنفي: تنتج النخلة نوعين من السعف، الأول هو الجريد الخارجي ذو اللون الأخض، وعند إجراء عملية التقليم السنوية يتم قطع نحو 15 جريدة من النخلة الواحدة، وتحمل الجريدة الواحدة نحو 80 ورقة وهي التي يطلق عليها الخوص .
والخوص الأخضر اللون يستخدم في ضفائر السلال الخاصة بأدوات العمل الزراعي .
أما النوع الثاني من السعف فهو الجريد الداخلي، ويطلق على الواحد اسم "قلب" لوجوده في قلب رأس النخلة، ولون سعف القلب هو الأبيض الناصع وعند عملية التقليم يخرج من النخلة الواحدة نحو 10 أو 20 جريدة من السعف الأبيض .
ومن الخوص الأبيض تصنع ضفائر السلال والأواني ذات الاستخدام المنزلي وحفظ الخبز والأغذية خاصة الغلال والبلح .
ومن أهم معطيات الخبرة البيئية أن سلال الخوص هي أكبر وسائل المحافظة على ثمار البلح، والدقيق، والخبز، من التلف والتعفن، وهو ما جعلها تفرض نفسها في الاستخدام المحلي في مناطق الواحات المختلفة .
أما الجريد فينقسم إلى ثلاثة أنواع طبقاً لنوع النخلة، النوع الأول هو نخلة "المنتور" وجريده يتسم بالمرونة وانخفاض درجة الصلابة .
النوع الثاني نخل "الصعيدي" وجريدته يتسم بالمرونة وارتفاع درجة الصلابة .
النوع الثالث: هو نخل "التمر" ويتسم جريده بالصلابة الشديدة وقوة التحمل وهو أشبه بخشب الزان لذلك فإن استخدامه يكون دائماً في صناعة أرجل المقاعد وقواعد الأحمال الثقيلة . ويؤكد حنفي أن صناعة الخوص هي صناعة نسوية تقوم بها المرأة فقط في كل خطواتها وتتعدد منتجات الخوص حتى تصل إلى سبعين منتجاً، وتحمل كل منطقة إنتاجية سمات مميزة في أشكال هذه المنتجات .
وتأتي في مقدمة المناطق المتميزة في هذه الصناعة منطقة "الواحات الدخلة" و"الفيوم" و"النوبة"، ولكل منها طابعها الخاص في أسلوب الصناعة، وألوان الزخارف فضلاً عن مسميات المنتجات .
وتنفرد قرية "القصر" في الواحات الداخلة وبعض مناطق النوبة بإنتاج سلال من الخوص المقوى بهيكل داخلي من عراجين البلح مما يكسب المنتج صلابة شديدة .
أما الصناعات القائمة على الجريد فهي متعددة ومجددة ومتطورة، وقد أثبت الحرفيون في مجال صناعة الجريد أنهم يملكون القدرة الإبداعية على إنتاج واستحداث طرز ووظائف جديدة لمنتجات الجريد خاصة في أشكال الديكور وبعض قطاع الأثاث المنزلي . وتنتشر صناعة الجريد في مناطق الفيوم والواحات الداخلة بشكل واسع، بينما تقتصر صناعة الجريد على إنتاج أقفاص الخضر والفاكهة في مناطق البدرشين والفيوم ورشيد .
وترتبط عادات وتقاليد النوبيين بطبق الخوص عند الوفاة حيث يتم إطعام المعزين الغرباء في أطباق كبيرة من الخوص، أما في عادات الزواج فيتم تزيين جناح الديواني بعدد من المشغولات الحرفية أهمها "الخوض" مثل "الأبراض وأطباق الخوص الملونة والمراوح" .
هذا ما يشير إليه البائع محمد الدسوقي قائلاً: لقد دخلت تلك الصناعة في عادات وتقاليد النوبيين، فعلى سبيل المثال يعتقد النوبيون بعين الحسود، فتصنع النوبيات مجموعة من الأطباق الخوص وعدداً من الضفائر المقرونة بالخرز كرموز وقاية من الحسد .
وللمرأة النوبية دور مهم في الحفاظ على المنتجات الحرفية واستمرارها، حيث ادخلت هذه المنتجات الحرفية في حياتها، ولكنها لم تستطع أن تحافظ عليه من الضياع نتيجة تعرضها لهجوم النمل الأبيض الذي كان يقضي على معظمها، ومن هذه المشغولات الحرفية المندثرة طبق يسمى "الوليل" وبعض السلال المعروفة باسم "سلة الكرج" ونوع آخر سمي "جودان كونتي" توضع فيها زجاجات "الشربات"، و"سرونية" وهي سلة تشبه المركب، و"سميح" أي برميل، ويستخدم في حفظ الملابس وغيرها من الأنماط . فالمرأة النوبية هي الحارس الأمين على الحرف التقليدية النوبية لما توارثته من دقة في الصناعة ومهارة في التنفيذ . ويرى الدسوقي أن عملية تهجير النوبيين من أرضهم عند بناء السد العالي كان سبباً في اندثار الكثير من الحرف التقليدية التي تعتمد على خامات نباتية مزدهرة في النوبة القديمة .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"