علم النفس في الإسلام

نفض الغبار
05:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

قدم علماء المسلمين الأوائل الكثير والكثير في مختلف مجالات العلوم والمعرفة، ففي علم النفس قدموا ما لم يقدمه غيرهم في ذلك الوقت حتى إن كتاباتهم قد أثرت بالفعل في معظم علماء الغرب .

فقد بحث ابن سينا في الإدراك الحسي، وأوضح لنا كيف يدرك العقل الكليات، كما عرفنا أن للإدراك مراتب أدناها الإدراك الحسي وعرفه بأنه انتقال صورة الشيء الخارجي إلى الذهن، كما تحدث ابن سينا أيضاً عن الانفعالات الموجودة لدى الإنسان والتي لا توجد لدى الحيوانات، مثل الضحك والبكاء والخجل والتعجب، كما أدرك العرب ومنهم ابن سينا العلاقة بين الأمراض الجسمية وعلاقتها بالناحية النفسية، وهذا ما يعرف اليوم باسم الطب الجسمي النفسي، وهو فرع من فروع علم النفس المعاصر، يهتم بدراسة الأمراض النفسية التي لها أعراض جسمية .

وقد بحث العرب قديماً في الأمراض النفسية وعوامل حدوثها ولذلك اهتموا بالحديث عنها، وفي هذا يقول ابن العباس المجوسي المتوفى 384 ه في كتابه كامل الصناعة الطبية: فأما الأعراض النفسانية فإنه ينبغي ألا يدمن الإنسان على الغم، ولا يستعمل الغضب، ولا يكثر من الهم والفكر ولا يستعمل الحسد، فإن ذلك كله مما يغير مزاج البدن ويعيش على إنهاكه وضعف الحرارة الغريزية، ومن كان مزاجه حاداً فإن هذه الأعراض تولد الحميات الرديئة بمنزلة حمى الدق، وقرحة السل وما يجري هذا المجرى، فلذلك ينبغي أن يتجنب الإنسان الأعراض النفسانية كلها وأن يلهم نفسه الفرح والسرور فإنه يقوي الحرارة الغريزية ويحركها إلى ظاهر البدن ويزيد في النشاط ويقوي النفس . وقد تناول العالم الإسلامي أبونصر الفارابي المتوفى 339 ه في كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة فرع علم النفس الاجتماعي وذلك بتحديده أساساً فطرياً للحياة الاجتماعية لكل من الفرد والمجتمع، كما تناول أيضاً الحديث عن سمات الشخصية التي ينبغي أن يتصف بها زعيم الجماعة، كما تناوله في كتابه الأسس النفسية لتماسك الجماعة، وهذا في الحقيقة جوهر علم النفس الاجتماعي المعاصر . أما ابن خلدون فقد كان من أوائل من تحدثوا عن علم النفس الفارق . واهتم بالمقارنة بين تأثير حياة البداوة والحضارة في سمات الشخصية، ومنها الشجاعة والخير والذكاء، كما كان لابن خلدون المتوفي سنة 803 آراء حول الصلة بين سمات الشخصية وبين احتمالات النجاح أو الفشل في مهنة معينة، وهذا أساس التوجيه المهني، والتوجيه فرع من فروع علم النفس المعاصر .

وإذا ما انتقلنا إلى عالم إسلامي آخر وهو الإمام أبو حامد بن محمد الغزالي المتوفى سنة ،505 فإننا نستطيع القول إن الإمام الغزالي هو الذي صور علم النفس عند المسلمين، فقد تناول العديد من الموضوعات النفسية منها الانفعالات مثل الخوف والغضب وآثارها في السلوك، كما تحدث عن العاطفة بنوعيها الحب والكره وعلاقتها بالسلوك، كذلك تناول الدوافع الأولية والدوافع الثانوية المكتسبة .

أيضاً تحدث عن الذاكرة والحواس والإدراك والخيال وغير ذلك من الموضوعات النفسية، والتي نحن في أمس الحاجة إليها في حياتنا المعاصرة، وبعد العرض الموجز للدراسات الإسلامية في علم النفس نستطيع القول إن الإحساس بالذنب وعدم الرضا النفسي إلى غير ذلك من عوامل نقص الإيمان لدى الفرد قد تجعله يصل إلى درجة المرض، فالأفراد الذين يعانون أعصاباً هم في الحقيقة ضحايا ضمائر مريضة أنهكتها الخطيئة والإثم بسبب ضعف الإيمان بالله تعالى وعدم مراعاة القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، معنى هذا أن المرض النفسي في صورته المرضية هو محصلة عوامل اجتماعية وأخلاقية غير صحيحة، وأن الخلاص من المرض يمكن أن يتم في إطار اجتماعي أخلاقي وديني، فالإنسان المريض الذي كبلته الخطيئة أو الشر خلال سنوات حياته يمكن أن يتخلص منه إذا ما غيّر الإنسان اتجاهه النفسي مصداقاً لقوله تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ومن هنا نشأت الحاجة إلى العلاج النفسي بطرقه ووسائله المختلفة .

هناك نوعان من طرق العلاج: أولاً الطرق الدنيوية لاعتمادها على أساليب ومفاهيم ومبادئ اخترعها البشر . ثانياً: الطرق الدينية لاعتمادها أساساً على المبادئ الدينية والقيم الأخلاقية والروحية السامية، ويقصد بالعلاج النفسي استخدام الطرق النفسية لإعانة من اضطربت شخصياتهم اضطراباً ملحوظاً مما يقتضي إحداث تغييرات أساسية عميقة في عادات المريض وطريقة تفكيره وأسلوب حياته وفكرته عن نفسه ونظرته إلى الناس .

فلنلجأ إلى ذكر الله تعالى لكي تطمئن قلوبنا ونذكّر من حولنا بها حتى نبعد أنفسنا عن الأمراض النفسية التي نراها انتشرت بشكل ملحوظ بسبب البعد عن ذكر الله، مصداقاً لقوله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب الرعد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"