«الأتيكيفوبيا».. مـــرض الرعـــب من الفشل

06:16 صباحا
قراءة 5 دقائق

يعد الخوف أحد الغرائز الإنسانية الأساسية، والتي تشمل الكثير من الأشياء، فالبعض يخاف من الظلام أو الأماكن المغلقة أو المرتفعات أو الخطر، إلا أن الخوف لدى البعض يتحول إلى ما يعرف بمرض الرهاب أو الفوبيا أو الخوف المرضي.
وتتعدد أنواع الخوف المرضي، ومنها رهاب الإخفاق أو الفشل، أو ما يعرف بالأتيكيفوبيا، ومعظم البشر يخشون الإخفاق في الأمور المهمة، ومنها الاختبارات الدراسية المصيرية، أو مقابلة عمل مهمة.
يؤثر الخوف لدى من يعاني هذا الاضطراب على سلوكياته، ومن الممكن أن يظهر في صورة أعراض جسدية.
ويعرف الباحثون هذا الاضطراب بأنه نوع من الخوف مستمر وغــير طبيعي من الفشل، ويـؤدي إلى أن يعيـش الشـخـص المصاب نمطاً من الحياة يتميز بالضـيق، وبالتالي فإنه يحجـم عن ممــارسة معظم الأنشطة الطبيعية، لأنه يرجح دائماً احتمال الفشل أكثر من النجاح، ويفضل لذلك عدم المجازفة مهما كان الدافع.
وكانت الدراسات والإحصائيات التي تعرضت لرهاب الإخفاق أشارت إلى أن معدل انتشاره عالمياً يعتبر كبيراً، وبلغت معدلاته في اليابان 22%، والتي ارتفعت في تقرير جديد لتصل إلى 54% من إجمالي عدد السكان، وفي الولايات المتحدة فإن نسبة المصابين بلغت 28% من إجمالي السكان.
ونتناول في هذا الموضوع مرض رهاب الفشل بكل جوانبه، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وكذلك أعراضها التي تميزها عن الحالات المتشابهة، ونقدم طرق الوقاية التي ينصح بها الباحثون، وأساليب العلاج المتبعة والحديثة في هذا الشأن.

معقدة ومتشابكة

ترجع الإصابة برهاب الفشل إلى كثير من العوامل والأسباب، والتي تكون في أحيان كثيرة معقدة، كما تتشابك بين العوامل الوراثية وكيمياء الدماغ.
ويمكن أن تتضمن كذلك تجارب الحياة السلبية التي مر بها المصاب، كإساءات الوالدين أو تذكر ما مر به من إحراج وسخرية بسبب أي فشل، حتى ولو كان بسيطاً.
ويعد من أبرز مسببات هذا الاضطراب إيجاد رابط بين ما يمنحه الوالدان من حب لابنهما وما يحققه من أداء جيد، وبالطبع هو أسلوب خاطئ في التربية.
ويستشعر الطفل حينها أن المشاعر الإيجابية التي يجب أن يمنحها ممكن أن يخسرها بسبب الفشل، وبالتالي يحيا تحت ضغط مستمر، وخوف من الفشل لا ينتهي.
وتؤدي مواجهة الطفل في هذه السن المبكرة للفشل من غير أي استعداد أو تجهيز للتعامل مع المشاعر التي تنتج عنه إلى إصابته بهذا الاضطراب.

المجتمعات التنافسية

يزداد معدل الإصابة بفوبيا الفشل في المجتمعات أو المجالات التي تمتاز بالتنافسية، حيث يربط المصاب بين احتمال فشله وزيادة المنافسة، وهو ما يؤدي إلى إحجامه عن الإقدام على أي موضع يجد نفسه فيه في تنافس مع آخرين يبذلون جهدهم لتجنب الفشل.
وتعد طبيعة المجتمع التي نحيا فيها الآن من أسباب الإصابة بالأتيكيفوبيا، والذي يرجع لتعريف الناجح في العرف العام بأنه الشخص الذي ينجح في جميع جوانب حياته، كما أنه لا يعترف بأن الفشل جزء طبيعي من تجربة النجاح.
ويلاحظ هذا الأمر بصورة كبيرة في الصفوف الدراسية، فالطلاب يتنافسون بينهم على عدد من المكافآت محدود، ونتيجة لذلك فإن الطفل ودون قصد منه ولأنه غير متأكد من إمكانية النجاح يحاول تجنب الفشل حتى يحمي شعوره بالكرامة، ويدفعه رهاب الإخفاق إلى أن يتجنب خوض التجربة نفسها مهما كان الدافع.
تأثير اجتماعي
يعاني الشخص المصاب برهاب الفشل عدة أعراض نفسية وجسدية في ذات الوقت، ويظهر عليه بصورة معتادة خوف كبير وغير مبرر من تعرضه للفشل.
ويؤثر هذا الخوف في حياة المصاب سواء الاجتماعية أو العملية، وعلى سبيل المثال فهو يستمر في عمله بالرغم من أنه لا يأخذ حقه المادي المشروع، أو أنه لا يطالب بترقيته المستحقة، لأن خوف الفشل يمنعه من تركه.
ويمكن أن يصل الأمر مع بعض المصابين إلى تجنب أي مشروع أو نشاط لا تكون نهايته إيجابية بشكل مؤكد، ولذلك فهو يطلب توافر شروط مثالية من أجل اشتراكه فيه.

مخاوف كثيرة

يعاني المصاب بالأتيكيفوبيا من مخاوف كثيرة، كالخوف من الفشل في الاختبارات الدراسية، والعلاقات الاجتماعية ومشاريع العمل، وبصفة عامة فهو يخشى الفشل من أي شيء يعلم أن نسبة نجاحه فيه تقل عن 100%.
ويصاحب هذا الاضطراب معاناة المصاب قلقاً نفسياً، والذي ربما صحبه نوبات هلع، وتشمل أعراضها التعرق وجفاف الفم وصعوبة في التنفس، ويشكو من صداع مستمر لا يعرف له سبب، كما يعاني الغثيان والارتباط والتنفس السريع.
وتشمل الأعراض الفسيولوجية عدم انتظام ضربات القلب، واحمرار الوجه واضطرابات في المعدة وشد عضلي وإعياء وارتعاش.
ويمكن أن يصل الأمر أحياناً إلى انهيار المصاب بصورة كلية، وبشكل عام فإن هذه الأعراض تظهر عندما يتعرض المصاب لإمكانية الفشل.

سيطرة الانتحار

يمكن أن يتعرض المصاب برهاب الإخفاق لكثير من المضاعفات، والتي تصل في بعض الحالات إلى مراحل متقدمة. وتبدأ هذه المضاعفات بالعزلة الاجتماعية، فالخوف من الفشل يجعل المصاب يهرب من التعامل مع الآخرين، وهو ما يشمل أي مناسبة اجتماعية أو عمل أو دراسة. وتؤثر العزلة الاجتماعية التي يفرضها المصاب على ذاته في نفسيته، وهو ما يعرضه للإصابة بالاكتئاب كأثر جانبي للعزلة.
ويلجأ بعض المصابين بالأتيكيوفوبيا إلى تناول المشروبات الكحولية أو تعاطي المخدرات، وذلك للهرب من هذا الاضطراب.
ويصل الأمر في بعض الحالات المتأخرة إلى سيطرة فكرة الانتحار، حيث يشعر المصاب أنه السبيل الوحيد للخروج من أزمته.

سلوكي ودوائي

يمزج الأطباء عند علاج مرض رهاب الفشل بين العلاجات السلوكية المعرفية والعلاج الدوائي، وذلك لأن الدواء وحده لا يمكّن المصاب من التخلص من هذا الاضطراب.
ويعالج امتصاص السيروتونين المانع هذا الاضطراب، من خلال رفع مستويات السيروتونين في الدماغ، وهو الأمر الذي يؤثر في مستوى الشخص لدى المصاب.
ويساعد مستشار الإرشاد المريض على أن يتصالح مع خوفه، وذلك من خلال تطوير أساليب جديدة يواجه بها المواقف العصيبة.
ويتم تعليم المصاب كيفية تطوير أساليب صحية للتغلب على الخوف من الفشل، والتعامل بفاعلية مع إدارة القلق والتحكم به بشكل فعال.

برامج المساعدة الذاتية


يمكن أن يلجأ المعالج في الحالات الشديدة إلى أساليب كالتنويم المغناطيسي والبرمجة اللغـوية العصـبيـة وعـلـم نفـس الطاقة. وتسـاعد برامج المساعدة الذاتية في التغلب على هذا الخوف غير العقلاني، ومن هذه البرامج الحساسية المنهجية، وتشمل مواجهة تدريجية لحالات وظروف تشبه ما يخشاه المصاب.
ويعتبر العلاج بالتعرض أكثر فاعلية، لأن المريض يتعرض من خلاله للمواقف التي يشعر فيها بالخوف، وذلك بشكل متكرر ومستمر، وبالتالي فإن الخوف يتلاشى تدريجياً.
وتكون الخطوة الأولى في علاج رهاب الفشل تقسيم المهام الكبيرة إلى أخرى صغيرة، مما يجعل المصاب يتحكم فيها بسهولة، ويمكن أن يخفف ممارسته لنشاط يخشى من الفشل فيه من آثار القلق.
ويعد القبول التدريجي للفشل جزءاً من عملية التعلم اللازمة للنجاح، لأن فهم وتقدير تجربة الفشل أمر مهم للإنسان.

إعادة صياغة المفهوم

يُوجِّه الباحثون والأخصائيون النفسيون مجموعة من النصائح والأساليب التي تساعد المصاب على التغلب على مرض رهاب الإخفاق.
ومن بين أفضل الأساليب المساعِدة على التخلص من الأتيكيفوبيا، إعادة صياغة مفهوم الفشل وأسلوب التفكير فيه. فلابد من النظر إليه على أنه شيء إيجابي وليس سلبياً، وأنه فرصة للتعلم، وطريق لابد منه للوصول إلى النجاح.
ويجب أن يتذكر الشخص أن طريق النجاح مفروش بكثير من الأخطاء والمطبات، وهي ما يساعد على اكتساب الخبرات.
ويمكن أن تساعد بعض الأسئلة على الوعي بطريقة التفكير، فعندما يقع المرء في خطأ ما، ويشك في نفسه، فإن الأسئلة تساعد على الدخول بعمق في المشاعر، وبالتالي تعديل ما يستوجب التعديل.
وتشمل هذه الأسئلة ماذا تعلمت من هذا الخطأ؟، وما هي الإيجابيات في هذا الموقف؟ وكيف يمكن الوصول إلى شعور أفضل؟ ويقترح الأخصائيون النفسيون تسجيل الملاحظات؛ لأن التعلم من الماضي أسلوب جيد، حتى نغير طريقة التفكير ومواجهة المخاوف مرة أخرى.
وتذكر هذه الملاحظات أن الأمر لم يكن سيئاً لهذه الدرجة، وتساعد أيضاً على التذكر، وأننا يمكننا تخطي الفشل.. وهكذا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"