السيجي موطن الخضرة والمحبة

أهلها يتوارثون الكرم والتعاضد
13:00 مساء
قراءة 6 دقائق

بالقرب من وادي السيجي، أحد الوديان المشهورة في الفجيرة، تقع منطقة السيجي التي يقطنها عدد من الأهالي الذين ماتزال منازلهم القديمة قائمة في حين شيد الحديث منها بجانبها، ويزرعون أصنافاً كثيرة من النباتات والمحاصيل والأشجار في المزارع المتاخمة للجبال .

لم يتنازل أهالي السيجي عن معيشتهم القديمة، فما يزال العديد منهم يعمرون منازلهم في أودية ومزارع القرية رغم استقرارهم في منازل شعبية حديثة . وعلى مسافة 40 كليومتراً غرب مدينة الفجيرة، تقع منطقة السيجي، على الطريق المار ما بين مسافي والذيد من الجهة اليسرى .

وعند زيارة هذه البقعة تشعرك بأنك جزء منها وأنهم أهل لك لأنها مزيج من الأصالة والحداثة وتجمع بين الحديث والقديم في تناغم محبب . وتتكون قرية السيجي من أكثر من 50 بيتاً بعضها بني حديثاً على الطراز العصري وبعضها بني مع قيام الاتحاد . ولاتزال حركة التعمير قائمة في هذه المنطقة وإن كانت أخذت شكل الفلل ذات الطراز الجديد في التصميم وأسلوب البناء .

وتشتهر منطقة السيجي بكثرة وجود المزارع المتنوعة لأشجار النخيل والمحاصيل الزراعية الأخرى، كما تشتهر بواديها الكبير المعروف باسم وادي السيجي الذي تتجمع فيه مياه الأمطار سنوياً بشكل كبير ويلتحم معه أودية صغيرة كأودية شوين والاعشواني والرميث والأحفر وغيرها من الأودية الصغيرة التي تتجمع مع وادي السيجي، وتتميز المنطقة بوجود سد للمياه تتجمع فيه مياه الأمطار على مدار أيام السنة ويستخدمه الأهالي في ري المزروعات .

ويسكن هذه المنطقة عدد من القبائل العربية الأصيلة مثل الزحمي والقايدي والطنيجي والحفيتي واليماحي والكتبي وجميعها لاتزال محافظة على العادات والتقاليد العربية الأصيلة .

وصلنا القرية عبر محيط بالجبال المسكونة بحكايات مدهشة تروي قصص وتاريخ الأجداد والآباء في الماضي . وعند وصولنا المنطقة شاهدنا المنازل القديمة المبنية من الطين المطعم بالحصى والمزارع الخضراء وبرك الماء وطرقاً مرصوفة بالحصى إضافة لعدد من الأغنام والإبل بجانب حظائرها .

الحاج مصبح سعيد محمد الزحمي (07 عاماً) يقول: عاش أهالي السيجي في الماضي حياة قاسية إلا أنها كانت قائمة على المحبة والتعاون والبساطة لدى الجميع . واعتمد أهالي القرية في الماضي على زراعة أشجار النخيل وبعض الخضراوات والفواكه إضافة لزراعة المحاصيل الصيفية مثل البندورة والخيار والبطيخ والغليون وغيرها، كما اعتمد الأهالي أيضاً على تربية الحيوانات مثل الأغنام والإبل والأبقار، وجمع العسل من سفوح وكهوف الجبال المجاورة للقرية .

وأضاف أن عدد بيوت القرية قديماً لم يتجاوز 15 بيتاً منها الشتوي المبني من الحجارة والطين المطعم بالحصى الصغيرة، ومنها البيوت الصيفية المبنية من جريد وسعف النخيل، ولايزال الأهالي يصرون على اقامتها في المزارع وعلى سفوح الجبال المحاطة بالقرية وذلك بهدف السهر والسمر .

وحول تسمية المنطقة بهذا الاسم يقول الزحمي: السبب أنها مسيجة بالجبال من جميع النواحي، ولأن روائح وعبق الماضي الجميل مسيجة بين جدرانها .

الحاج راشد بن علي اليماحي (73 عاماً) يقول: حياتنا كانت صعبة حتى قيام الاتحاد، فبعده بسنة واحدة بنيت المساكن الشعبية الحديثة القادرة على حمايتنا من الظروف الجوية المتقلبة التي كانت تصيب أهالي المنطقة قديماً بالفزع نظراً لوقوعها بالقرب من الأودية أسفل سفوح الجبال العالية .

وأضاف اليماحي أن سكان المنطقة اعتمدوا قديماً بشكل أساسي على مصدرين لضمان استمرار الحياة هما زراعة محاصيل الحب والخضروات والفواكه وتربية الهوش والبوش، وجمع العسل البري من الكهوف الجبلية التي تغص بها ربوع القرية .

حميد راشد اليماحي (53 عاماً) يقول: عشنا حياة بسيطة في الماضي عاشها من قبلنا الآباء والأجداد الذين تشربنا منهم شيم الرجال وقدسية العمل وأهميته استمرار الحياة وضرورة التواصل الاجتماعي والمحافظة على العادات والتقاليد ونقلها كما هي دونما تشويه للأجيال القادمة جيلاً بعد آخر حتى يشبوا متماسكين ومترابطين فيما بينهم .

وأضاف: اعتمدنا في حياتنا الماضية على زراعة العديد من المحاصيل الزراعية وكانت أراضي القرية خصبة جداً وأمطار الخير والبركة تهطل على فترات طويلة من العام، كما أن كثرة وجود آبار وبرك المياه في القرية ساعدت الكثير من الأهالي على امتهان حرفة الزراعة علاوة على جمع عسل النحل البري من الكهوف الجبلية وتربية الحيوانات وبيع هذه الخيرات داخل أسواق دبي أو الشارقة ورأس الخيمة . ويشير اليماحي إلى أن الرحلة إلى مدينة الشارقة أو دبي كانت تستغرق ثمانية إلى تسعة أيام في حين كانت تستغرق إلى مدينة رأس الخيمة خمسة إلى ستة أيام وكل ذلك عبر طرقات جبلية شديدة الوعورة وبواسطة الخيول أو الإبل أو الحمير .

ويؤكد سعيد مصبح الزحمي متانة الروابط الاجتماعية التي تجمع بين سكان السيجي على الرغم من تعدد القبائل فيها، مؤكداً أن الجميع مترابطون في السراء والضراء .

ويوضح أن السبب الرئيس في متانة هذه الروابط واستمرارها بين الأجيال المتعاقبة صلات النسب والقرابة التي وضع قواعدها الآباء والأجداد .

ويقول سالم غانم إن أهالي السيجي كغيرهم من باقي المناطق المجاورة، اشتهروا وبرعوا بمهنة القنص إذ كان رب الأسرة يحرص على اصطحاب أبنائه خلال رحلاته داخل الجبال لاصطياد الظباء والثعالب والذئاب وغيرها من الحيوانات والطيور البرية . وتشتهر المنطقة منذ القدم بتربية الصقور لأغراض الصيد .

ويشير إلى أن السيجي لاتزال منطقة زراعية، لأن الأجداد كانوا مزارعين قسموا أراضيها إلى قطع مختلفة الأحجام، موضحاً أن طريقة الري قديماً كانت تسمى (المسيلة) وهي عبارة عن تحويل مجاري الوديان الناتجة عن الأمطار إلى الوعوب الجبلية وذلك لتمتلئ بالماء ثم تحولها إلى المحاصيل الزراعية .

حميد علي القايدي (53 عاماً) يقول: الحياة في الماضي كانت صعبة حيث لم نكن نزرع إلا على مياه الأمطار، لذا كانت أكثر زراعتنا مقتصرة على الحب واليح الذي يحتاج إلى قدر بسيط من المياه بمجرد توفره تظهر الثمار .

وأوضح أن المرأة في الماضي كانت تعمل إلى جانب الرجل عبر جلب الماء من الآبار المتواجدة في المنطقة ومن الوادي وقت هطول الأمطار كما كانت تجلب المحاصيل الزراعية التمور من أشجار النخيل وكانت أيضاً ترعى الأغنام والأبقار، إضافة إلى أنها تقوم على تربية أبنائها .

راشد سعيد الطنيجي (55 عاماً) يحدثنا عن التعليم في الماضي فيقول: لم أتلق تعليماً ولكن اعتمدت على حضور جلسات المطوعين في مدينة الفجيرة حيث أخذت عنهم الكثير من العلوم في القرآن والحديث والفقه وكنت متميزاً في ذلك أنا والعديد من أبناء السيجي وذلك لأننا كنا نتعلم القرآن والصلاة من آبائنا وكما كان البعض يذهب إلى المطوع سلطان بن مطر الذي كان يسكن في بيت من (العريش) في منطقة خت برأس الخيمة وذلك ليحفظهم القرآن والحروف .

وأضاف: كان لنا في الماضي معيشتنا الخاصة التي نعتز ونفتخر بعاداتها وتقاليدها، إذ كان الكل يقدم العون لمن يحتاج من داخل منطق السيجي وخارجها وكان الأهالي ولايزالون يحرصون على الالتزام بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة القائمة على التعاون والإخلاص والتراحم .

ويشير خلفان سعيد إلى تميز أهالي السيجي بالتراحم كما أن جميعهم كرماء يحتفون بالغريب ويحترمونه كما يتميزون بالجرأة والشجاعة والكرم والطيبة المتوارثة . ويؤكد أنه على الرغم من تعدد القبائل الموجودة بمنطقة السيجي، فإن ما يميز أهاليها الترابط في كل الأوقات، وأنهم يعيشون كأسرة واحدة .

راشد مصبح الزحمي يقول: تتميز المنطقة عن غيرها بالهدوء الشديد وبمناطقها الساحرة ووجودها بين أحضان الجبال العالية، كما تتميز باعتدال مناخها على مدار السنة وانعدام الرطوبة بها ما يسمح بتعدد المحاصيل الزراعية .

حمود سيف اليماحي (49 عاماً) يقول: اتحسر على الحياة في الماضي، فرغم أنهاكانت قاسية، فإنها كانت جميلة . ومع قلة الموارد، كان الكل يعمل في أعمال محدودة وبسيطة مثل الزراعة ورعي الحيوانات وجمع العسل والحطب من رؤوس الجبال . ومع قيام الاتحاد، تبدلت كل أحوال المنطقة إلى الأفضل .

علي خليفة الحفيتي يضيف إلى مميزات السيجي بأنها منطقة سهلية ومنبسطة في حضن الجبال العالية، كما أنها حيوية وشديدة الهدوء والخضرة الدائمة . ويرجع ذلك لاهتمام الأهالي بالزراعة بكل ما يخدم المنطقة التي يتوافر لها كل ما تحتاجه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"