القور.. وديان من الجمال بين أحضان الجبال

يقصدها الآلاف للاستمتاع بأجوائها الباردة
00:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
رأس الخيمة حصة سيف:

وادي القور، ورافاق، والنصلة، وفشغة، مناطق لم تكن متداولة مسبقاً، واشتهرت وأصبحت الوجهة الأولى بعد تساقط البرد عليها بكثرة، واكتست جبالها ووديانها باللون الأبيض لمدة يومين متواصلين، ما جعلها مقصداً للسياحة الداخلية والعائلات للظفر بالأجواء الباردة، وسط الجبال.
ولم يكن البَرَد، هو مقصد الأهالي الوحيد، إنما المناظر الخلابة التي تبرز ألوانها خصوصاً بعد سقوط المطر، من اجتماع الخضرة بالنباتات والمزارع مع اللون البني وتدرجاته في لون الجبال والوديان، ومع بحيرات ووديان وأخاديد المياه الممتلئة.
تزامن سقوط الثلوج مع إجازة آخر الأسبوع، فانبسطت أسارير الأهالي مع استضافة البَرَد المكثف الذي غطى جبالهم ومزارعهم، رغم أضراره بها، إلا أن فائدته حسب شياب المنطقة على المدى الطويل كبيرة، في زيادة مخزون الأرض بالمياه العذبة، وانقشاع خطر الجفاف عن نخيلهم الذي أبادها خلال السنين الماضية.
واختص الأهالي المناطق الجنوبية في رأس الخيمة، بالرحلات البرية التي تُعرف محلياً باسم «الكشتات»، بدءاً من «شوكة» مروراً بالمنيعي ووادي القور إلى الحويلات وفشغة والنصلة وانتهاءً برافاق، إذ يفترش الأهالي البر ويتناولون وجباتهم، بينما يمضي عدد منهم، خصوصاً من يأتون من مناطق بعيدة كأبوظبي ودبي، ليومين متتاليين متنقلين من مكان إلى آخر في الهواء الطلق، ويفترشون الأرض ويتمتعون بالأجواء الساحرة والهواء ونسماته الباردة بخاصة في الليل.
مصبح بن نايع الدهماني، من أهالي وادي القور (48 عاماً)، يقول إن المنطقة تتكون من عدة وديان رئيسية، أكبرها وادي القور وأبو فراي، وأخرى فرعية ومنها لخبيب ولوشيل ووادي ملاح والهوة، ووادي السرا الذي تقع إلى جانبه عين السرا، أما الجبال فأعلى جبل يطلق عليه جبل «أبو فراي»، وعادة على مدى السنوات الماضية يتركز عليه سقوط البرد.
ويوضح الدهماني أن المنطقة زراعية، تكثر فيها مزارع النخيل، وأقدم الأصناف فيها الخنيزي وساهون وأنوان والجبري وأبو معان وعين البقر ومصوخة.
«تساقط البرد على المنطقة أنعش الأرواح العطشى للأجواء الباردة»، هكذا يبدأ علي سعيد محمد مصبح المزروعي (42عاماً)، من أهالي منطقة الفشغة في رأس الخيمة، حديثه معنا. ويضيف: «حصد الأهالي حبات البرد وجمعوها في أكياس وأوانٍ لاستخدامها في الشرب، والعلاج، إذ كنا نتكحل فيها لفائدتها لأمراض العيون، وتستفيد منها المياه الجوفية بعد أن تذوب وتبتلعها الأرض».
محمد بن فهم، من أهالي وادي القور، يقول إن البرد يسقط بشكل دوري في المنطقة بين عدة عقود، إذ سقط بكميات أكبر في عام 1985، وغالباً ما يسقط ويتركز على جبل يسمى «أبو فراي» ويحاذيه وادٍ عميق ذو أخاديد عميقة تتجمع فيها المياه، لتشكل لوحات جميلة تستقطب السياح وأهالي المنطقة.

حدود وادي القور تمتد غرباً إلى حدود سلطنة عمان في منطقة الروضة، وشرقاً إلى حدود سلطنة عمان في منطقة أسود، ليصب الوادي في خليج عمان، أما في حدوده الشمالية فتقع شوكة ووادي العجيلي ومن الجنوب منطقة حتا التابعة لدبي، بينما تقع المنيعي شمال شرق الوادي، بحسب ما يوضح سعيد بن فاضل (52 عاماً) من أهالي المنطقة.

ويشير إلى أن الوادي يمر على عدة مناطق، منها النصلة ورافاق وفشغة والحويلات، وتضم المنطقة كثيراً من التحف القديمة التي وجدت مطمورة تحت الأرض، ومنها أواني الطبخ التي صنعت من حصى الجبل، ومنها الينوز، وهي بناء يخزن فيه الحب والأعلاف، وكذلك توجد فيها أفلاج شيدت بالجص، وهو التراب الأحمر المحروق.
ويضيف بن فاضل: «المنطقة تحتوي على عدة وديان، منها (المغرقة) في وادي أبو فراي، وهي مثل الشق الأخدودي تتشكل فيه بحيرة مياه من سقوط الأمطار ولا تجف، وعمقها نحو 6 أمتار، وسميت كذلك للغرقى الذين سقطوا فيها، فأسفلها توجد كهوف وأغوار عميقة لا يستطيع أحد الخروج منها حين يسقط، وكذلك توجد غبة الرميلة في وادي القور إلا أنها تنضب من المياه طول العام».
سعيد عمر البريكي (37 عاماً)، حضر مع عائلته من أبوظبي إلى المنطقة التي سقط فيها البرد بكميات كبيرة، يقول: «قضينا ليلتين في وادي القور نتنقل من مكان إلى آخر، حيث قصدنا المنطقة للتمتع بالأجواء الباردة، والاستمتاع بمنظر البرد وهو يغطي الجبال والسهول والوديان، وأكثر ما يميز المنطقة هي جبالها والمزارع التي تحتويها في كل مكان».
أحمد صالح (34 عاماً)، مواطن من أبوظبي، زار منطقة وادي القور مع عائلته، يقول: «سقوط البرد على المنطقة شجع السياحة الداخلية بين الإمارات، فالرحلات البرية للجبال والوديان تغير من مزاج ونفسية الإنسان، كما توثق العلاقات الاجتماعية بين الأسر التي تقصدها بشكل جماعي».
ويشير حجي محيل الدرسي الكعبي (75 عاماً)، من أهالي منطقة وادي القور، إلى سقوط البرد على المنطقة بشكل دوري في عقود مختلفة، إذ سقط في الخمسينات والستينات والثمانينات من القرن الماضي، وانقطع منذ تلك الفترة حتى هذا العام. ويضيف: «المنطقة سميت بوادي القور، نسبة إلى معركة كبيرة وقعت منذ عصور سحيقة قبل الإسلام، قتل خلالها عدد كبير من البشر ودُفنوا في قبور جماعية، وسمي الوادي بوادي القبور إلى أن تحول الاسم إلى وادي القور، وكانت منطقة حيوية لوقوعها على طريق التواصل بين سلطنة عمان والإمارات».
ويرى الكعبي أن أكبر فائدة للبرد هي تغذية المياه الجوفية للمزارع، وتنعش المنطقة بشكل عام، رغم أضرارها المادية إذا صاحبها أمطار غزيرة.
أحمد الكعبي (43 عاماً)، من أهالي وادي القور، يؤكد أن منطقتهم أصبحت الوجهة الرئيسية للسياح المواطنين والأجانب، واكتظت شوارعها بالمركبات بعد سقوط البرد والمطر، وساعد أهالي المنطقة السياح بتعريفهم إلى المناطق المميزة لزيارتها، خصوصاً التي تحاذيها مزارع وبحيرات المياه المتجمعة من الأمطار.
ويقول مطر راشد المهيري (50 عاماً)، من أهالي دبي: «جئت لوادي القور مع عائلتي لقضاء الإجازة بين ربوع الجبال والخضرة وبحيرات المياه المتجمعة من الأمطار، جئنا لنكسر الروتين فبعد أن حبانا الله تعالى بسقوط الأمطار والثلوج في تلك المنطقة، قررنا الحضور والارتواء من المناظر الطبيعية واستنشاق عبير الحياة البكر في مناطق الوادي الجبلية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"