عادي
العلاقات بين «بلاد الشمس المشرقة» والعرب.. من التجارة إلى الحوار السياسي

السياسة الخارجية اليابانية تجاه المنطقة العربية مستقلة

04:32 صباحا
قراءة 7 دقائق

صحيح أن العلاقات العربية اليابانية حديثة نسبياً، وكانت في بدايتها تجارية بحتة، ولم تكن طوكيو تشعر بحاجة إلى تطوير علاقات سياسية مع الدول العربية، ما دامت تحصل على النفط الذي تحتاج إليه من الشركات الكبرى التي كانت تتحكم في بترول الشرق الأوسط، لكن التطورات السياسية والحروب في المنطقة في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، دفعت اليابان إلى الخروج من حالة اللامبالاة، أو الانسياق الأعمى وراء السياسة والموقف الأمريكيين حيال المنطقة، إلى أن يكون لبلاد الشمس المشرقة سياسة خاصة متوازنة تعبر عن المصالح اليابانية الحقيقية.
كانت اليابان عملاقا اقتصاديا عالميا ولكنها كانت من غير دور سياسي يتلاءم مع عملقتها الاقتصادية، وادركت بعد حرب 1973 وحظر النفط، انها بحاجة حقيقية إلى أن تنتقل من خانة المصالح التجارية والاقتصادية البحتة في التعامل مع العالم العربي إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع السياسية في المنطقة ودولها.
وحدث تحول مهم في توجهات السياسة الخارجية اليابانية تواكب الخروج من مرحلة العزلة الدولية والإقليمية، والانفتاح نحو المجتمع الدولي بصفتها دولة كبرى اقتصاديا وتكنولوجيا، ولذلك شعرت اليابان انها بحاجة ماسة إلى الاقتراب من العالم العربي، والإسلامي لاحقا، والتعرف عن قرب إلى قضاياه، وتبني موقف معتدل ومستقل يعبر عن هذا التوجه الجديد.
اذا كانت الدول الكبرى تحمي مصالحها الاقتصادية بالقوة العسكرية، الا أن اليابان المنزوعة السلاح بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن أمامها الا العلاقات السياسية والدبلوماسية والتجارية والإنسانية للاسهام بقوة في عالم ما بعد الحرب الباردة، والتعبير عن موقف مستقل ومغاير لسلوك الامبراطوريات الاستعمارية والرأسمالية المتوحشة.
وقد كان الطريق مفتوحا أمام اليابان لنسج علاقات قوية ومتفاعلة مع العالم العربي، باعتبار ان اليابان اتبعت خطا سياسيا جديدا مغايرا للسائد في مفهوم العلاقات الدولية، ولأنه لم تكن هناك احن أو مشاحنات أو حروب بين اليابان والعالم العربي، كما ان المنافع المتبادلة بين الطرفين اقتصاديا وتجاريا وتكنولوجيا كانت مطلوبة ومرغوبة وفي حاجة لحمايتها وتقويتها.
كان تعرض اليابان للضائقة النفطية الأولى عقب حرب أكتوبر 1973 قد جعلها تعيد النظر جذريا في كثير من سياستها تجاه الشرق الأوسط وبصفة خاصة مع الدول العربية المصدرة للنفط، ومن ثم بدأت في تطوير دبلوماسية جديدة أساسها التعامل المباشر مع مشكلات العالم العربي.
لقد طرأ على الموقف الياباني السياسي تغيرات جديدة لصالح البلدان العربية وذلك بعد حرب أكتوبر 1973 بعدة سنوات مثال: القضية الفلسطينية وزيارة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إلى طوكيو سنة 1981 وكذلك حرب الخليج الأولى ( الحرب العراقية-الإيرانية 1980- 1988),وحرب الخليج الثانية(1990 - 1991).
فرض التعاون الاقتصادي الياباني العربي نفسه وتأثيراته على الجانب السياسي، مع أن اليابان كانت تمثل موقف الحياد في المشاكل السياسية الخاصة بالوطن العربي والشرق الأوسط خلال عقدي الخمسينات والستينات.وبات الرأي العام الياباني احد محددات السياسة الخارجية للبلد، أكثر تعاطفا مع القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وهذا ما تبنته السياسة الخارجية اليابانية فيما بعد على الصعيد الدبلوماسي مع العرب.

قضية العرب المركزية:

تغيرت السياسة اليابانية نحو القضية الفلسطينية بعد حرب أكتوبر 1973، لتصبح هذه السياسة متوازنة وغير منحازة للطرف «الاسرائيلي». وتبنت طوكيو سياسة تدعو العرب للاعتراف بـ«إسرائيل» ضمن حدود آمنة معترف بها، وانضمت في الوقت نفسه إلى عشرات الدول المطالبة بضرورة تنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338 وطالبت بوجوب الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ومنها حقه في تقرير مصيره.
ثم سمحت لمنظمة التحرير الفلسطينية بافتتاح مكتب لها في طوكيو(1978)، وفي مطلع عام 1979 بدأت اليابان حوارا مع منظمة التحرير الفلسطينية فأصدرت الحكومة اليابانية بيانا أيدت فيه حقوق شعب فلسطين، واتخذت موقفا إيجابيا أثناء الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة في 30/‏11/‏1979.
واستمرت هذه المسارات حتى صرح رئيس وزراء اليابان «مسابوشي أوهيرا» في مجلس الشيوخ الياباني بأن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني يجب أن تتضمن حقه في إقامة دولة مستقلة، وأنه يتعين الاعتراف بهذه الحقوق، ولاسيما الحق في تقرير المصير، واحترامها وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
وينظر الفلسطينيون والعرب إلى الموقف الياباني من القضية الفلسطينية بعين الرضا. فموقف اليابان جيد، فهي من أكثر الداعمين للمنظمات والوكالات الداعمة للشعب الفلسطيني، كما أنها من أكثر الدول التي قدمت منحا للشعب الفلسطيني منذ قيام السلطة الفلسطينية، ولها العديد من المشاريع التي نفذتها في الأراضي الفلسطينية«. بل ان اليابان المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني، طرحت لحل مشكلة التواصل بين الضفة وغزة خلال مفاوضات أوسلو، تغطية تكاليف نفق يربط بين غزة والضفة في منطقة الظاهرية.

المصالح المتبادلة:

في المؤتمر الوزاري الاول للحوار السياسي الياباني العربي(نوفمبر 2017)بالقاهرة، اكد وزير الخارجية الياباني تارو كونو ان الشرق الأوسط على رأس أولويات اليابان، لأنه يمثل عنصرا هاما لبلاده، كونه احد العوامل التي بسببها تعيش اليابان في رفاهية سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية، لأنه المحرك الاول للاقتصاد الياباني. وشدد الوزير على ان امن الشرق الاوسط من امن اليابان، واكد ان بلاده لا يمكن ان ترى خطرا يهدد المنطقة وتقف دون ان تقدم المساعدة الضرورية لدرئه.
وقد كان المؤتمر فرصة قدم فيها الوزراء العرب رؤيتهم لكيفية ترقية وتطوير العلاقات مع اليابان.فدعوا إلى ان لا تقف هذه العلاقات مع الإقليم ودوله، عند حدود الاقتصاد أو التجارة أو حتى الثقافة والسياحة، بل ترجمة هذه العلاقات إلى تنسيق سياسي جاد ومستمر وتفعيله وتوسيعه ليشمل كافة القضايا التي تهم الجانبين.
يهتم العرب باليابان كقوة اقتصادية وسياسية عالمية لتكون مساندة للقضايا والحقوق العربية وفي مقدمتها قضية العرب المركزية فلسطين، إضافة إلى القضايا المستجدة مثل مكافحة الإرهاب وحفظ السلام والاستقرار في المنطقة خاصة بعد الربيع العربي.
وان كانت اليابان تهتم بالمنطقة العربية كمصدر للمواد الخام خاصة النفط والغاز والمعادن، وكسوق كبير لتصريف المنتجات الصناعية خاصة وأن الأسواق الخليجية تملك القدرة على الدفع، فهي أيضا تبحث عن دور جديد في المشهد الدولي، وتسعى لإصلاح الأمم المتحدة والحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي للمشاركة في صناعة القرارات الدولية تتناسب مع وزن اليابان دوليا، وتتخذ اليابان موقفا مبدئيا صارما حيال قضايا نزع السلاح النووي وهي تريد أن تحظى بالطبع بالدعم العربي في هذه المجالات.
وتميل اليابان لتعظيم دورها الدولي عبر التقارب مع الدول النامية والتزام سياسة الحياد وعدم الانخراط في المشاكل الدولية أو الانقياد الأعمى وراء الولايات المتحدة. وتكثيف المساعدات اليابانية للعالم العربي عبر المؤسسات التنموية والإقراض ونقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات، وتكثيف الدبلوماسية اليابانية لتصبح قادرة على منافسة النفوذ الأمريكي والأوروبي في الوطن العربي.
ويعول العرب والفلسطينيون الآن على مواقف اليابان الداعمة لفلسطين في المحافل الدولية، خاصة الأمم المتحدة، وذلك في إطار حشد التضامن الدولي مع فلسطين التي تنتظر أن يجري اعتراف دولي بها لدى الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية، إضافة إلى رغبة فلسطين في دعم دولي واسع للمطلب الخاص بترسيم الحدود الفلسطينية، الأمر الذي يحافظ على الحق الفلسطيني الثابت في أرضه وحدوده، في ظل الهجمة الاستيطانية الشرسة من قبل دولة الاحتلال.
والعرب من الناحية الأخرى ينظرون إلى اليابان باهتمام للاستفادة من التجربتين اليابانيتين في التنمية الاقتصادية والسياسية. فتجربة التنمية الاقتصادية اليابانية نموذج فريد من نوعه يمكن للعالم العربي احتذاءه والاستفادة منه والخروج من التبعية. كما تقدم اليابان نموذجاً خاصاً في عملية التطور السياسي فقد استطاعت أن تلائم بين التقاليد الحضارية للمجتمع الياباني وبين الأفكار والمبادئ الغربية (تجربة التحديث اليابانية في طليعة التجارب الآسيوية التي تؤكد نجاح النهضة مع الحفاظ على مقولات الخصوصية الثقافية من جهة، والانفتاح على العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة من جهة أخرى.)، فقد استطاعت اليابان أن تحل مشكلة الأصالة والمعاصرة وكيفية التوازن بينهما، وامام العالم العربي فرصة للاستفادة من هذا النموذج في إطار عملية التجديد السياسي والتنمية السياسية. بدلا من التشرذمات العربية.
يمكن القول إن العلاقات بين اليابان والعرب خرجت من الاطار التقليدي المحدود إلى نطاق أوسع.فقد توسعت العلاقات الثنائية والإقليمية من خانة التجارة والاقتصاد إلى دوائر أوسع أخذت طابع المؤسسية في مجالات تعزيز التبادل الثقافي وحوار الحضارات وفهم الإسلام وإعلاء ثقافة الحوار وقبول الآخر ومكافحة التطرف والارهاب.
ومن المأمول في المستقبل ان يتكامل الحوار السياسي مع التعاون في مجالات نقل الخبرات اليابانية الرائدة في مجالات التنمية والتكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية والتدريب المهني.

المساعدات اليابانية إلى الدول العربية

في اطار مسؤوليتها التاريخية والدولية والإنسانية، تتبنى اليابان «سياسة المساعدات الانمائية الرسمية» للحد من الفقر في الدول النامية وتحقيق التنمية الاقتصادية القائمة.
وفي هذا المضمار تعتبر اليابان الأولى عالميا في مجال المساهمة في تنمية الدول الفقيرة والأقل نموا والنامية، وتصل جملة المساعدات التي تنفقها في هذا المجال إلى 90 مليار دولار سنويا.
وتقوم سياسة المساعدات اليابانية إلى الدول العربية والفقيرة والأقل نموا على حزمة من الخطط والبرامج المصممة بعد دراسة شاملة لتحقيق الأهداف المنشودة.
وتقوم الوكالة اليابانية للتعاون الدولي(جايكا) بتقديم مساعدات باستراتيجية محددة لتحقيق الهدف من المساعدات. وحاليا تتجه الوكالة إلى الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها في التنمية الصناعية وخلق فرص عمل جديدة والحد من الفقر.

اليابان قوة لحفظ السلام

تملك اليابان خصائص القوة الدولية العظمى بقدرات اقتصادية وتكنولوجية عالية، وهي ترغب في أن تقوم بدور سياسي يتناسب مع هذه المكانة التي استحقتها بجدارة.ومن ذلك محاولة اليابان الانخراط في أنشطة حفظ السلام في العالم وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط التي تعول عليها كثيرا كمورد للنفط وسوق.ولم يكن هذا الدور ليكون متاحا لولا حدوث تغير في الإجماع الوطني الياباني على قضية الأمن القومي ودور اليابان الدولي.

اليابان والمغرب العربي

صممت اليابان خططاً وبرامج مختلفة تناسب دول المغرب العربي:المغرب وتونس والجزائر.
فهدف خطط وبرامج المساعدات اليابانية إلى المغرب تركز على تقليل التفاوت في التنمية الإقليمية والاجتماعية، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
وفي تونس تتوجه خطط المساعدات إلى تحسين التنافسية الصناعية والتنمية الإقليمية.
وفي الجزائر تهتم الخطط بتنوع الصناعات وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمارات.

أكبر المانحين لفلسطين

تعتبر اليابان من أكبر المانحين لفلسطين. فقد أطلقت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي في 2004 «مبادرة ممر السلام والرفاهية»، كمبادرة متوسطة المدى لتعزيز التعايش المشترك والرفاهية بين طرفي الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي». وتنص المبادرة على تعزيز قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وتنمية مستدامة للاقتصاد الفلسطيني، وبناء الثقة بين الفلسطينيين و«الاسرائيليين» عبر التعاون الإقليمي بين الطرفين والأردن وتقوية القاعدة الاقتصادية الاجتماعية الفلسطينية. فضلا عن التعاون التقني لتنمية قطاع الزراعة.

تعاون فني مع مصر

يعود التعاون الفني بين البلدين إلى 1954.وساهمت البان في بناء دار الاوبرا وكبري السلام ومستشفى القاهرة الجامعي التخصصي للأطفال والخط الرابع من مترو القاهرة الكبرى والمتحف المصري.
وبعد زيارتي رئيس الوزراء شينزو ابي إلى القاهرة(2015) والرئيس عبدالفتاح السيسي إلى طوكيو(2016)اكدت اليابان رغبتها في العمل على ترقية الاستقرار الإقليمي والعالمي ودفع التنمية في مصر وتطوير العلاقات الاستراتيجية في مجالات التعليم والكهرباء والصحة والتنمية المستدامة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"