الأدب الساخر

03:16 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

السخرية هي سلاح الجماهير والمجتمعات في مواجهة الأزمات، فهي وسيلتهم في التنفيس عن حياتهم وأوضاعهم الصعبة خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة التي تنعكس على حياتهم، فقد كانوا يقابلونها بالنكتة المحملة بالرفض، وقد استلهم الأدب أداة السخرية من المجتمعات ليصبح عند بعض الكتاب أسلوب يعبر عن التمرد، كما أنها تستخدم عندهم كنوع من الكوميديا الفاجعة التي تصور أوضاع المجتمعات التي ترزح تحت الفقر والقهر، فهؤلاء الكتاب يواجهون تلك الظروف الصعبة بابتسامة، لكنها مريرة تحتفي وراءها المآسي والأحزان.

وكثير من الأجناس الأدبية اتجهت في أسلوبيتها نحو السخرية مثل الشعر والرواية والقصة، وكذلك المسرح والمقال الصحفي، وبرز كثير من الكتاب في شتى أنحاء العالم ممن عرفوا بهذا الأسلوب من الكتابة، بل إن هنالك تيارات ومدارس أدبية كاملة قد تبنت السخرية كمنهج في نظرتها للأشياء وموقفها من الوجود، فمسرح العبث ينهض بصورة أساسية على المفارقة والسخرية من الواقع ويرسم له صورة كاريكاتورية، حيث إن مسرح اللامعقول قد نشأ في ظل أوضاع استثنائية ساد فيها القمع والبطش، وتحولت حياة البشر إلى جحيم لا يطاق فكانت السخرية هي المواجهة المفضلة ضد تلك العوالم غير المنطقية، ولعل مسرحية «في انتظار جودو»، لصمويل بكيت، تعتبر أيقونة المسرح الساخر والعبثي، وكذلك فعل الشعر، ثم دخلت الرواية والقصة القصيرة بصورة أكثر تعبيراً في هذا المجال، فالسرد هو أكثر الأجناس الأدبية تعبيراً عن الواقع الاجتماعي.

ومن أشهر الكتاب الذين برعوا في مجال الأدب الساخر نجد الروسي أنطون تشيخوف، الذي اعتبرت كتاباته الساخرة في أعماله القصصية والروائية، مقدمة للثورة ضد الأوضاع في روسيا القيصرية، وبالفعل فقد شهدت تلك البلاد العديد من الثورات قبيل الثورة البلشفية في عام 1917، وهنالك الأيرلندي برنارد شو، حيث كانت نصوصه الساخرة موجهة في الانتصار للفقراء وهجاء الطبقات المخملية المرفهة، وهنالك الكاتب الألماني «لوريو»، الذي تخصص في انتقاد بعض السمات عند الشعب الألماني مثل الجمود والجدية الشديدة، وفي العالم العربي هنالك العديد من المبدعين الذين اشتهروا بالأسلوب الساخر مثل محمود السعدني، وأحمد رجب، وأحمد بهجت، وجلال عمار، والشعراء من أمثال: بيرم التونسي، وصلاح جاهين وغيرهم. وقد وجد الأدب الساخر قبولاً كبيراً في العالم العربي.

إن إقبال الناس على أعمال الأدب الساخر يدل على مكانته الكبيرة، وعلى مدى نجاحه في التعبير عن قضايا الناس، فالكتابة الساخرة تعبر عن حاجات البشر وهمومهم من خلال مضامين فكرية وفلسفية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"