المغرب العربي بين السياسة والاقتصاد

04:43 صباحا
قراءة 5 دقائق

يصر صندوق النقد الدولي على مواصلة جهوده الرامية إلى إنعاش التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي، على الرغم من استمرارها في التقاعس عن اتخاذ مبادرات شجاعة من أجل إخراج هذا الاتحاد من حالة الشلل التي يوجد عليها . منذ سنة ،1994 وتطوير التعاون الجماعي بين مكوناته .

وفي سياق الجهود المتواصلة لصندوق النقد الدولي، احتضنت العاصمة الليبية طرابلس في السابع عشر والثامن عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ندوة الاندماج المغاربي وإقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة بين المصارف المركزية، بحضور وزراء المال والاقتصاد ومحافظي البنوك المركزية في البلدان المغاربية .

وبادرت إدارة صندوق النقد الدولي منذ سنة 2001 إلى استغلال الاجتماع السنوي للدول الأعضاء في هذا الصندوق لجمع وزراء مال واقتصاد البلدان المغاربية ومحافظي بنوكها المركزية، وحضهم على تطوير التعاون والتكامل الاقتصاديين بين بلدانهم، واستمر هذا الجهد طيلة ولاية المديرين السابقين . ونجح المدير السابق في تكريس انعقاد ندوة سنوية لوزراء المالية والاقتصاد ومحافظي البنوك المركزية، انعقدت الأولى في العاصمة الجزائرية سنة ،2006 والثانية في العاصمة المغربية سنة 2007 وها هو دومنيك ستروس كان يواصل نهج سلفه، وسيسهم في تنظيم الندوة المغاربية الثالثة في العاصمة الليبية . ولم تكن الجهود الدولية الرامية إلى تفعيل التعاون الاقتصادي المغاربي قليلة، إذ ساهم مسؤولو البنك الدولي من جهتهم، في إقناع المغاربيين بالالتفات إلى أهمية هذا التعاون، وصدرت عن بعضهم تصريحات غاضبة على استمرار إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر .

وأطلقت واشنطن في أواخر العقد الماضي مبادرة ازنستات التي حملت اسم كاتب الدولة الأمريكي في الخزينة أثناء حكم كلنتون . وسعت الإدارة الأمريكية من وراء تلك المبادرة إلى تعزيزالتبادل التجاري بين الدول المغاربية الثلاث: تونس الجزائر والمغرب . وعلى الرغم من أن هذه المبادرة أهملت في عهد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، فإن واشنطن واصلت دعوة المغاربيين إلى تحسين التعاون بين بلدانهم . ولم يدخر الأوروبيون، وفي مقدمتهم الفرنسيون، والاسبان الاشتراكيون، جهودهم في تحفيز جيرانهم المغاربيين على وضع حد لإضاعة الفرص، وعلى الإسراع إلى تدارك أمر التعاون بينهم . وفي هذا السياق يبدو أن ما يصدر عن ستروس كان يتجاوز موقع هذا الأخير كمدير لصندوق النقد الدولي، ويأخذ أبعاداً أكثر أهمية باعتبار العلاقات الشخصية التي يقيمها مع المنطقة المغاربية وقياداتها، وباعتبار ما يمثله في مجال التجربة التاريخية الرائدة الفرنسية الألمانية التي أصبحت مثالا يحتذى في كيفية التمييز بين المستويات المختلفة للعلاقات، وفي كيفية المراهنة على التعاون الاقتصادي من أجل تحسين مختلف هذه المستويات في نهاية المطاف .

وبناء على مايتميز به ستروس كان، فإن ما وجهه من إشارات ورسائل إلى المشاركين في ندوة طرابلس، ومن خلالهم إلى القيادات السياسية المغاربية، كان قوياً وبليغاً حين دعا إلى الاستفادة من التجربة الألمانية الفرنسية في تنمية التعاون الاقتصادي وتسوية الخلافات السياسية، من خلال الانكباب على الاندماج الاقتصادي كما لو لم تكن هناك خلافات سياسية، ومن خلال الانخراط في معالجة المشكلات السياسية كما لو لم تكن هناك خلافات اقتصادية . ويبدو أن ندوة طرابلس اغتنت بالعديد من التقارير الاقتصادية المتعلقة بطبيعة ومواصفات المشاريع التي يمكن أن تشكل مجالاً للتعاون بين البلدان المغاربية، واغتنت كذلك بتحديد ميادين هذا التعاون المرتبطة خصوصاً بالأمن الغذائي وأمن الطاقة والأمن المالي، واغتنت أيضا باستعراض مؤهلات الدول الخمس التي يمكن أن تستند إليها الأقطاب الصناعية وسياسات تنويع الإنتاج .

وإذا كان حديث المسؤولين والخبراء المغاربيين في ندوة طرابلس عن الاقتصاد بعيداً عن السياسة أتى تصديقاً لدعوة مدير صندوق الدولي المتعلقة بمعالجة مشكلات التعاون الاقتصادي ومشكلات التعاون السياسي باستقلال عن بعضها، فإن ذلك، في حقيقة اللأمر لم يكن إلا سرابا، والدليل أن موضوع التعاون والتكامل الاقتصادي بين المسؤولين والخبراء المغاربيين اقتصر على الخطب، وبقي رهن الأوراق والوثائق . وراكم اتحاد المغرب العربي على مستوى الخبراء والمجالس الوزارية، كمّاً هائلاً من مشاريع التعاون المشترك، وعدداً لا يستهان به من الاتفاقات الجماعية ذات الصلة بالتكامل الاقتصادي والتعاون والتبادل الاجتماعي والثقافي، ولكن كل ذلك ظل حبرا على ورق لأن القمة المغاربية التي تصادق على تلك المشاريع والاتفاقات لم تنعقد منذ ربيع سنة ،1994 ولا يبدو في الأفق ما يبشر بانعقادها القريب .

والواقع أن الأمر لم يقف عند حدود إلقاء الخطب حول التعاون الاقتصادي، وعند الحديث عن الفرص المتاحة والمشاريع الممكنة من جهة، وعند تجاهل الخلافات السياسية من جهة أخرى، وبل تعداه إلى مفاقمة هذه الأخيرة وتوتيرها، وانتهاز كل مناسبة لصب الزيت على نارها، خصوصاً منها الخلافات السياسية المغربية الجزائرية . وهكذا مثلاً، قاطعت الحكومة الجزائرية، بعد أيام قليلة على انتهاء ندوة طرابلس، الدورة الأولى لملتقى ميدايز الذي نظمه معهد أمادوس في مدينة طنجة المغربية في السادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين من الشهر الماضي . وكانت الدورة المذكورة التي انعقدت تحت عنوان من أجل متوسط جديد تميزت بحضور مسؤوولين أوروبيين بارزين مثل وزير خارجية اسبانيا وكاتب الدولة الفرنسي في الخارجية، بالإضافة إلى العديد من الساسة والمفكرين المنتمين إلى دول الاتحاد المتوسطي، وناقشت عدداً من مشكلات جنوب المتوسط ودعت إلى معالجتها لتطوير دورها في الاتحاد المتوسطي، ولتوسيع استفادتها من الفرص التي يتيحها هذا الاتحاد . ودعا الملتقى إلى فتح الحدود البرية بين الجزائر والمغرب وإلى منح دفعة فعلية ومستدامة لاتحاد المغرب العربي، وبالإضافة إلى إبقاء التعاون والتكامل الاقتصادي المغاربي حبرا على ورق، والتهرب من مناقشة ومعالجة المشكلات والخلافات السياسية، وعدم التورع عن توسيعها وتوتيرها، ويجري الحديث عن سباق تسلح قوي يدور بين الجزائر والمغرب، ويهدد بانخراط دول مغاربية أخرى فيه، ويمكن أن تنتهزه اسبانيا من أجل رفع درجة تسلحها لمواصلة احتلال المركز العسكري الأول في أقصى غرب المتوسط .

وكانت رئيسة مكتب نزع التسلح التابع للأمم المتحدة تحدثت، في أواخر الشهر الماضي، عن تصاعد السباق على اقتناء الأسلحة التقليدية في المغرب العربي، ورتبت الجزائر والمغرب في الدرجة العشرين في قائمة الدول الأكثر اقتناء للأسلحة في العالم . وطالبتهما بوقف تسابقهما في هذا المجال . وكانت وسائل الإعلام المغربية، خلال السنوات القليلة الأخيرة، قد أدمنت استخدام موضوع التسلح الجزائري منتقدة إقدام القيادة الجزائرية على ما أسمته تبذيرا لعائدات المحروقات التي تهاطلت عليها . وتحدثت المسؤولة الأممية سالفة الذكر عن انفاق الجزائر لأكثر من عشرة مليارات من الدولارات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وعن استعدادها لإنفاق ستة مليارات أخرى في العام المقبل، على شراء أسلحة تقليدية مختلفة في مقدمتها طائرات سوخوي وميغ . ولم تخف الرباط من جهتها، عزمها على تخصيص ما يفوق ستة مليارات للتسلح خلال السنوات الخمس المقبلة . وأوضح الوزير المغربي المنتدب المكلف بإدارة الدفاع أن برنامج التسلح لمذكور يخصص 39% من قيمته للقوات الجوية و28% للقوات البرية، و22% للقوات البحرية و7% لقوات الدرك . وعلى الرغم من أن التسلح المغربي والجزائري يكاد يكون عاديا، ويندرج في إطار تجديد وتحديث معدات القوات العسكرية التي تقادمت في البلدين، فإن من الصعب فصل هذا التسلح عن أجواء التنافس والصراع المحتدمة بينهما .

ومما لا شك فيه أن توافر عناصر الثقة بين القيادتين الجزائرية والمغربية، وسيادة روح التعاون بينهما، لن يدفعا الجزائر والرباط إلى كل هذا الانفاق في سبيل التسلح . وقبل توافر عناصر الثقة المشار إليها، سيظل اتحاد المغرب يراوح مكانه سواء فصل الاقتصاد عن السياسة أو جمع بينهما .

* كاتب مغربي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"