مقاطعة الانتخابات الرئاسية الجزائرية عجز أم احتجاج؟

02:05 صباحا
قراءة 4 دقائق

تستعد الجزائر لتنظيم الانتخابات الرئاسية الرابعة التي تجري في إطار التعددية الحزبية والسياسية التي انتقلت إليها البلاد بعد انتفاضة اكتوبر/تشرين الأول - من سنة 1998.

وكانت الانتخابات الأولى قد جرت سنة 2006 وفاز فيها الجنرال اليمين زروال، في حين جرت الثانية والثالثة في سنتي 1999 و،2004 وفاز فيهما عبد العزيز بوتفليقة.

وتتميز الانتخابات الرئاسية الرابعة التي ستجري في ابريل/نيسان المقبل عن سابقاتها الثلاث كونها ستستند إلى الدستور الذي عرف تعديلين مهمين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يتعلق الأول بتدعيم صلاحيات رئيس الجمهورية على حساب رئيس الحكومة الذي تحول إلى وزير أول تتحدد مسؤولياته في تنفيذ برنامج الرئيس وتنسيق العمل الحكومي.

ويتعلق الثاني بإلغاء قيد الولايتين الرئاسيتين وإفساح المجال أمام رئيس الجمهورية المنتهية ولايته الثانية ليترشح مرات أخرى إلى الانتخابات الرئاسية.

وعلى الرغم من أن تعديل الدستور الجزائري قد سلك الطرق القانونية، وحظي بتأييد واسع من المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة اللذين عقدا جلسة مشتركة للبت في الأمر، فإن أصواتا معارضة كثيرة لشخصيات وأحزاب قد ارتفعت منددة ومنتقدة.

ورأى بعضها في التعديل المذكور دسترة لرئاسة بوتفليقة مدى الحياة، وتكريسا للاستبداد، وإغلاقا لطريق التناوب على الحكم. ويلاحظ المراقبون، قبيل انطلاق عملية الترشح إلى السباق الرئاسي، وجود حالة واسعة من الاستنكاف عن الترشح.

حيث لم يصدر عن الشخصيات الجزائرية التي اعتادت على المشاركة في السباق الرئاسي ما يفيد عزمها على إعادة التجربة.

وأعلنت شخصيات أخرى راج الحديث عن إمكانية ترشحها، مثل الرئيس السابق اليمين زروال، عن عدم استعدادها للترشح. وبالإضافة إلى ذلك أكد كل من التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية مقاطعتهما للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأعلن حزب النهضة، من جانبه، مقاطعة الانتخابات المذكورة بسبب ما سماه الأجواء السياسية غير المشجعة على المشاركة في تلك الانتخابات.

أما حركة الإصلاح الوطني، المنقسمة على نفسها وشبه المشلولة فلا طاقة لها على المشاركة الفعلية أو المقاطعة الفعلية. وقد وصل الأمر بيومية لوموند الفرنسية إلى الحديث عن إضراب عن الترشح إلى الانتخابات الرئاسية في الجزائر. وكعادتها في الترويج للاتجاهات التغريبية، نوهت بموقف المقاطعة الذي تم اتخاذه من قبل جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المحسوبين على منطقة القبائل.

واعتبرت لوموند في عددها السابع والعشرين من يناير/كانون الثاني المنصرم أن مقاطعة التجمع تحرم الحكم من عنصر مهم في الديكور الانتخابي.

ويبدو أن حصيلة السباق الرئاسي في سنة 2004 لا تزال حاضرة في أذهان الجميع، فقد حصد بوتفليقة 85% من أصوات الناخبين، ولم يحصل أهم منافسيه يومئذ على أكثر من 7،5% من الأصوات.

أما بقية المنافسين، فقد تقاسموا نسبة هزيلة من الأصوات . وكانت الكثير من المؤشرات توحي بأن علي بنفليس، المنافس الرئيسي لبوتفليقة في تلك الانتخابات، سيحقق نتيجة مهمة استنادا إلى سجله الشخصي النظيف، وكفاءته المشهود بها على رأس الحكومة الجزائرية، وعلى رأس حزب جبهة التحرير الوطني، واستنادا كذلك إلى الدعم الذي قيل إنه كان يحظى به لدى بعض مكونات المؤسسة العسكرية. ولكن هزيمة بنفليس جاءت مدوية، وأجبرته على مغادرة صدارة المشهد السياسي الجزائري . وإذا كان بوتفليقة قد حصد نصراً ساحقاً استناداً إلى حصيلة ولايته الرئاسية الأولى.. فمن غير المستبعد أن يحقق نصرا مماثلا استنادا إلى حصيلة ولايته الثانية الأكثر أهمية وخاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ولكن اللافت في مواقف وردود أفعال عدد من الشخصيات والأحزاب السياسية الجزائرية، شأنها في ذلك شأن نظيراتها في عدد من البلاد العربية، هو تحويل العجز الذاتي إلى منصة لإطلاق الصواريخ على الآخرين، واعتبار الفشل في المشاركة الانتخابية الفعالة سلاحاً ضد الحكم يحرمه من استكمال الأثاث الانتخابي. وقد دفع هذا المنطق غير السليم شخصيات نكن لها الكثير من الاحترام إلى متاهات كانت بعيدة عنها كثيرا.

وهكذا رأينا الرئيس الجزائري السابق الجنرال اليمين زروال يعيد صياغة أسباب استقالته قبل إكمال الولاية الرئيسية التي انتخب من أجلها سنة ،1996 ويقول إنه فعل ذلك لتدعيم ثقافة التناوب على الحكم.

فمتى كان التقاعس عن إكمال ولاية رئاسية وحيدة يمثل دعماً للتناوب على الحكم؟

ويراهن العديد من الداعين إلى المقاطعة للتستر عن عجزهم، على عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات. وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 قد انخفضت إلى ما دون 35% من المسجلين في القوائم الانتخابية. وعلى الرغم من أن الانتخابات الرئاسية لسنة 2004 قد عرفت نسبة مشاركة عالية، فمن غير المستبعد أن تعرف الانتخابات الرئاسية المقبلة تدنيا في نسبة المشاركة. وعندها ستتعالى صيحات النصر في صفوف دعاة المقاطعة زاعمين أن معظم غير المشاركين في التصويت استجابوا لدعوتهم وأيدوا موقفهم. ولكن دعاة المقاطعة هؤلاء يتناسون أنهم عندما يشاركون في المنافسات الانتخابية لا يكسبون إلا القليل من الأصوات، ويتناسون ما هو أهم وهو السبب الحقيقي لتدني نسبة المشاركة. ولقد بينت التجربة الجزائرية أن نسبة عالية من المواطنين تتوجه إلى صناديق الاقتراع عندما يكون الأمر جديا، ويتعلق بمصير البلاد.

فقد تحدى الجزائريون تهديدات الجماعات المسلحة بالقتل والتفجير، وشاركوا بكثافة في الانتخابات الرئاسية لسنة 1996 التي نظمت في ظرفية حالكة. وعرفت الانتخابات المحلية والتشريعية تراجعا متواصلا في نسبة المشاركة يعود إلى نظرة المواطنين لدور المجالس المنتخبة وإلى الدور الفعلي المحدود لهذه المجالس. وإذا استمر الإضراب على الترشح، فإن المشاركة في الانتخابات الرئاسية قد تتراجع ليس تجاوباً مع دعوة المقاطعة، ولكن اطمئناناً إلى فوز بوتفليقة الذي لن يواجه منافسين حقيقيين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"