القدس بين الرحابنة وسعيد عقل

04:52 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

كلنا، وبنسبٍ متفاوتة، ضحايا الأخطاء الشائعة التي نُكرّرها بوصفها بداهة استقرّ عليها الرأي، هذا يصح على أمور كثيرة، على الأخطاء النحوية والإملائية التي نقع فيها في الكتابة، ظناً منا أنها صحيحة، وعلى المعلومات الخاطئة التي نكررها، باعتبارها بديهيات، لرسوخ استقرارها في الأذهان، بينما هي، في الحقيقة، ليست كذلك.
طوال سنوات كتابتي لهذه الزاوية، أقع في هذا الفخ، بين الحين والآخر، والحق أن هذا يحدث في فترات متباعدة، لكنه يحدث، ومن ذلك المعلومة التي أوردتها في مقال نُشر في منتصف مايو/ آيار الماضي بعنوان: «عيوننا إليكِ ترحل كل يوم»، في ذروة الهبّة الشعبية الفلسطينية ضد قرار ترامب نقل سفارة بلاده للقدس المحتلة، ذكرتُ فيه أن كاتب كلمات أغنية فيروز عن القدس التي اخترت شطراً منها عنواناً للمقال، هو سعيد عقل.
وفي يوم نشر المقال حمل لي البريد رسالة إلكترونية من الكاتب والأديب نزار عابدين، الحريص على قراءة مقالي بانتظام، ينبهني إلى أن كلمات الأغنية من وضع الأخوين الرحباني، ولا علاقة لسعيد عقل بها، ولفرط سطوة البداهة على ذهني رددتُ عليه بالقول إني متأكد من أن سعيد عقل هو الكاتب، خاصة أن المعلومة هذه متاحة على أكثر من موقع في «الإنترنت»، لكنه، بيقين العارف، أصرّ على خطأ ذلك.
قمتُ بالمزيد من البحث، لأجد ما قاله الصديق عابدين صحيحاً، وأني خلطت بين كلمات هذه الأغنية، وكلمات قصيدة أخرى عن القدس، غنتها فيروز بألحان الرحابنة، هي أغنية: «سيف فليُشهر» التي كتبها سعيد عقل، وفيها يقول: «سيفٌ فَلْيُشْهَرْ في الدنيا ولتصدعْ أبواقٌ تَصْدَعْ/ الآن الآن وليس غداً أجراس العودة فلْتُقْرَعْ/ أنا لا أنساكِ فلسطينُ ويشدّ يشدّ بِيَ البعدُ/ أنا في أفيائك نسرينُ أنا زهر الشوك أنا الوردُ/ سندكُّ ندكُّ الأسوارَ نستلهم ذاك الغارْ/ ونعيدُ إلى الدارِ الدارَ نمحو بالنارِ النارْ».
أما الأغنية التي تحدثتُ عنها، يومها، أغنية «زهرة المدائن»، فقد كتبها ولحّنها الرحابنة وغنتها فيروز بعد هزيمة 1967، واحتلال «إسرائيل» للضفة الغربية ومدينة القدس، ومن كلمات القصيدة التي تؤكد عودة القدس إلى أهلها: «وسيُهزم وجه القوة، البيت لنا، والقدس لنا، وبأيدينا سنعيد بهاء القدس، بأيدينا للقدس سلام آتٍ آتٍ آتٍ».
الحق أن لفيروز أغاني أخرى عن فلسطين، من أجملها أغنية «القدس العتيقة» التي غنّتها فيروز بعد زيارتها مدينة القدس، برفقة الأخوين رحباني عام 1964، حيث التقت بسيدة فلسطينية في أحد شوارع القدس القديمة وأهدتها مزهريّة، جاءت على ذكرها كلمات الأغنية: «مرّيت بالشوارع، شوارع القدس العتيقة، قُدّام الدكاكين، لبقيت من فلسطين، حكينا سوا الخبرية، عطيوني مزهرية، قالوا لي هيدي هدية، من الناس الناطرين».
في النهاية، وجب اعتذاري للأديب نزار عابدين، ولجميع القراء على خطأ ما أوردته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"