إرهاب الرياضة ورياضة الإرهاب

02:32 صباحا
قراءة 4 دقائق

لا يملك الإرهابيون، بطبيعة الحال، روحاً رياضية . لو ملكوها لما اختاروا ماراثون بوسطن ليرتكبوا فيه جريمتهم النكراء . من الآن فصاعداً على العالم أن يحترس، فقد أصبحت ملاعب الرياضة مواقع مختارة لممارسة الإرهاب .

غير أن الأخطر من إرهاب الرياضة رياضة الإرهاب، ذلك أن ممارسة الإرهاب أصبحت سهلة حتى لا نقول مريحة، خصوصاً بالنسبة إلى الانتحاريين . فالحياة لديهم رخيصة جداً لدرجة أنهم يتصرفون بها يبددونها براحة إن لم يكن بمتعة .

إلى ذلك، باتت أدوات الإرهاب سهلة ومتاحة . هي سهلة لأن بإمكان الإرهابي تحضيرها في المنزل كأحد ألوان الطعام المفضلة لديه . وهي متاحة لأن مواد تصنيعها متوافرة ورخيصة .

إذ أصبح الإرهاب رياضة، فمن حق الحكومات والشعوب، بل من واجبها، أن تشعر بالخوف والذعر . هذه كانت حال الولايات المتحدة عقب عملية ماراثون بوسطن . زاد من صدمة الناس وخوفهم اعتراف رئيس البلاد: ما لا نعرفه حتى الآن هو مَن نفّذ هذا الاعتداء ولماذا، وإذا ما تمّ التخطيط والتنفيذ من قبل منظمة إرهابية أجنبية أو محلية أو إذا كان عملاً فردياً حاقداً . هذا ما لا نعرفه بعد، نحن في بداية تحقيقنا .

قد لا يطول التحقيق، فيتمكّن المحققون من معرفة الحقيقة، وقد يطول . المهم والخطر في الموضوع أن الولايات المتحدة عادت مسرحاً للإرهاب بعدما بَدَت وكأنها هزمته في الداخل وكادت تدحره في الخارج . أجواؤها بعد تفجيرات بوسطن بدت شبيهة بأجواء اليوم الذي تلا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001: الناس مذهولون، والشعور بعدم الأمان شائع وعميق .

عواصم العالم من حول أمريكا شعرت بالخوف أيضاً ولم تتوانَ حكوماتها عن التعاطف معها، داعيةً إلى رد منسق من المجموعة الدولية . أبرز ردود الفعل ذات المدلول كانت من روسيا وإيران والسعودية .

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دان الجريمة الهمجية وعرض على نده الأمريكي مساعدة بلاده في التحقيق، وعبّر عن قناعته بأن مكافحة الإرهاب تتطلب تنسيقاً نشطاً لجهود كل المجموعة الدولية . لماذا؟ لأن روسيا تعاني عمليات إرهابية تنسبها إلى إسلاميين متطرفين فيها . ثم إن وزير الرياضة الروسي فيتالي موتكوس اعتبر تفجيرات بوسطن تحذيراً جدياً لبلاده التي تنظم أحداثاً رياضية عدة قبل الألعاب الأولمبية المقررة في سوتشي العام المقبل .

ناطق باسم الخارجية الإيرانية دان بشدة الاعتداء على الرياضيين والجمهور في بوسطن بقوله: لا أحد وفي أي ظرف كان، يجب أن يدعم الإرهاب والتطرف سواء كان في الولايات المتحدة أو في الشرق الأوسط . ثمة تلميح ضمني في الإدانة الإيرانية إلى تغاضي الولايات المتحدة عن تدفق مقاتلي جبهة النصرة المتهمين بالإرهاب إلى سوريا .

الملك عبدالله بن عبد العزيز شجب الأعمال الإرهابية المشينة في بوسطن، مشيراً إلى أن من قام بذلك يمثل نفسه، فلا دين أو أخلاق تقبل هذا الأمر . حِرصُ العاهل السعودي على شجب الجريمة النكراء له سببان: معاناة السعودية أعمالاً إرهابية مماثلة، وقيام أجهزة الأمن الأمريكية بالتحقيق مع طالب سعودي شوهد بالقرب من مسرح الجريمة وصفته بأنه محور اهتمام، وإن كانت الشكوك تتراجع بشأنه .

هل لعملية بوسطن انعكاسات وتداعيات؟

لا يستبعد مسؤولو أجهزة التحقيق في أمريكا أن يكون الفاعل أو الفاعلون إرهابيين محليين صنعوا بأنفسهم أدوات التفجير . لعل المسؤولين العرب والمسلمين يتضرعون إلى الله ألا يكون الفاعل (ومن ساعده) مسلماً . إذا ما تبيّن أنه مسلم، فستتجدد، دونما شك، الحملة الظالمة ضد الإسلام والمسلمين داخل أمريكا وخارجها .

غير أن السؤال الأهم هو مدى انعكاس هوية الفاعل أو الفاعلين على الحرب الدائرة في سوريا، ذلك أن الولايات المتحدة وضعت جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية، وأخذت دول أوروبا تحذو حذوها، ولاسيما بلجيكا وفرنسا . وكانت واشنطن قد نشرت مراقبين تابعين لوكالة المخابرات المركزية على منافذ تهريب السلاح إلى سوريا قرب حدودها مع تركيا للتدقيق في هوية الجهات التي يُنقل إليها السلاح . كل ذلك بقصد الحؤول دون وصوله إلى بعض التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي تعتبرها واشنطن إرهابية .

إلى ذلك، ثمة تقييم لوضع المجموعات السورية المعارضة التي تقاتل النظام السوري تقوم به الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، هدفه معرفة مدى قدرتها على الاستقلال عن مجموعات جبهة النصرة من أجل تقدير حجم الدعم العسكري المراد تقديمه لها (أي للمجموعات غير الخاضعة ل جبهة النصرة) ونوعيته . ربما في هذا الإطار أعلن وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ أن بلاده ستمنح المعارضة السورية 34 عربة، بينها خمس عربات مصفحة رباعية الدفع، و20 مجموعة من الدروع الواقية من الرصاص . أضاف هيغ: إن بريطانيا ستسعى إلى إنهاء الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على الأسلحة لسوريا خلال الاجتماع الذي يعقده وزراء الخارجية لدوله الشهر المقبل من أجل إتاحة المجال لتزويد المعارضين في سوريا بالأسلحة .

ليس من شك في أن القرار المنتظر بالغ الأهمية والدلالة . ذلك أن رفع الحظر على الأسلحة للمعارضة السورية يعني أمراً واحداً هو الاستمرار في اعتماد الحل العسكري، وبالتالي استمرار الحرب . فهل ينعكس القرار المنتظر سلباً على مهمة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي إلى سوريا؟

أصدقاء مقربون من الإبراهيمي أكدوا أنه مُحبط بسبب استمرار تدفق الأسلحة على سوريا، ما يعني عدم احترام الدول المانحة لاتفاق جنيف، وبالتالي تقويض مهمته . كما لمّح هؤلاء إلى أن الإبراهيمي سيقدم استقالته في الجلسة التي يعقدها مجلس الأمن الدولي أواخرَ هذا الأسبوع، وأن نائبه مختار لماني، المغربي الجنسية سيخلفه في مهمته البالغة الصعوبة .

هل تُفلح أمريكا وروسيا، للمرة الثالثة، في إقناع الإبراهيمي بعدم الاستقالة أو بتأجيلها على الأقل؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"