الجريمة الإرهابية وعقوبة الإعدام

04:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إدريس لكريني

تنطوي الجريمة الإرهابية على خطورة بالغة، بالنظر إلى تداعياتها وآثارها المدمّرة بالنسبة للدولة والمجتمع، وقد زاد من حدّة خطورتها؛ ممارستها في إطار شبكات وجماعات منظمة، وعابرة للحدود. وعلى الرغم من الجهود المبذولة على كل المستويات الوطنية والإقليمية والدولية بغية تطويقها، فإن التقارير والإحصاءات المختلفة تشير إلى تمدّد الظاهرة وتصاعدها بشكل مثير ومقلق.
وبغضّ النظر عن العوامل المغذية للإرهاب، والتي يجمع الخبراء على تعدّدها وتعقّدها، فقد ظلّ التعاطي معه مقروناً بالإشكالات، التي حدّت من فاعلية الجهود الوطنية والدولية المبذولة في سبيل محاصرته، بسبب التباين في المقاربات بين من يركّز على الجوانب الأمنية ومن يستحضر السبل القانونية، ومن يفضّل المعالجة التربوية والاجتماعية.. وهو ما جعل حصيلة المكافحة دون التطلعات، ودون التحديات الكبرى التي باتت تطرحها الظاهرة على الصعيدين الوطني والدولي.
ما زالت جريمة الإرهاب تهدّد استقرار الدول، بل والسلم والأمن الدوليين برمتهما، وهو ما يفرض تقييم الجهود المبذولة، والوقوف على مكامن الخلل والعوامل المسؤولة عن تفشي الظاهرة، وبلورة مداخل أكثر نجاعة وفاعلية في هذا السياق.
قبل زهاء سنة ونصف شهدت منطقة «إمليل» الجبلية بضواحي مدينة مراكش المغربية حدثاً إرهابياً خطراً تعرضت خلاله سائحتان أجنبيتان، إحداهما نرويجية والأخرى دنماركية لجريمة مروّعة، صدمت وهزت المجتمع المغربي بكل مكوناته بالنظر إلى فظاعة الأفعال الوحشية المرتكبة.
وقبل أيام أصدرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف المكلفة بالإرهاب والمتواجدة في مدينة سلا المغربية، حكماً يقضي بإعدام المتهمين الثلاثة بتنفيذ هذه الجريمة، وهو الحكم الذي أثار نقاشاً واسعاً داخل الأوساط الحقوقية والقانونية والأكاديمية وفي شبكات التواصل الاجتماعي. ففي الوقت الذي يؤكد فيه الكثير من الباحثين والخبراء أهمية تطبيق عقوبات أكثر صرامة في حق المتورطين في جرائم إرهابية، يمكن أن تصل إلى السجن المؤبد والأعمال الشاقة والإعدام كسبيل لردع هذه الجرائم التي تقوم على هدر الأرواح، ومصادرة الحقّ في الحياة وتهديد الأمن، لا يخفي آخرون تحفظهم على ذلك، معتبرين أن الحلّ الأنجع هو الوقوف على الأسباب الرئيسية المسؤولة عن تفشي الظاهرة، ومؤكدين أن العقاب الزجري لم يكن في يوم من الأيام حاسماً في ردع الجرائم الخطرة.
لا يقتصر هذا الجدل على المغرب فقط، أو على بعض الدول العربية، بل هو نقاش ما زال مطروحاً حتى داخل بعض الدول المتقدمة والديمقراطية بصيغ مختلفة، وبخاصة في ما يتعلق بالمواقف المتضاربة بشأن الموت الرحيم أو الإجهاض.. ولذلك، وفي الوقت الذي ألغت فيه العديد من الدول هذه العقوبة من تشريعاتها، ما زالت دول أخرى تطبّقها، استناداً إلى عوامل ومبررات مختلفة.
وعلى الرغم من الجهود التشريعية التي راكمها المغرب منذ صدور قانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، والتعديلات التي سعت إلى تجريم عدد من الأعمال كالالتحاق بالجماعات الإرهابية والإشادة بالإرهاب، ما زال القانون الجنائي المغربي ينصّ على الإعدام الذي يعد أقسى عقوبة يمكن أن تطال الإنسان، في مواجهة عدد من الجرائم، كما أن القضاء المغربي ما فتئ يصدر من حين لآخر عقوبات في هذا السياق.
وأمام التطورات التي شهدها العالم على مستوى توسيع هامش الحقوق والحريات، تزايدت المطالبة على امتداد مناطق مختلفة من العالم، بإلغاء هذه العقوبة باعتبارها تجسيداً للقسوة والانتقام، ومسّاً بالحق في الحياة، وتغييرها بعقوبات صارمة أخرى. وفي هذه الأجواء، عزّزت العديد من الفعاليات الحقوقية بالمغرب، مطالبها بتعديل القانون الجنائي الذي لم يعد - من وجهة نظرها- مواكباً للتطورات التي شهدها المغرب في مجال حقوق الإنسان باتجاه إلغاء هذه العقوبة، وورد هذا المطلب كذلك ضمن التوصيات التي تمخضت عن عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، فيما دعت العديد من المنظمات الدولية الحقوقية، المغرب وعدداً من دول المنطقة إلى نهج هذا الخيار.
كما أن التحالف العالمي لمناهضة هذه العقوبة الذي عقد أحد لقاءاته في المغرب، سبق أن عبّر عن رغبته في أن يكون المغرب أول بلد عربي إسلامي يلغي هذه العقوبة، وتحت ضغط هذه العوامل وانسجاماً مع التطورات السياسية والحقوقية التي شهدها المغرب، جُمد تنفيذ هذه العقوبة منذ عام 1993 على الرغم من صدور أحكام في هذا الصدد، فيما نص الفصل 20 من دستور 2011 على أن: «الحقّ في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، ويحمي القانون هذا الحق»، وهو ما جعل الكثير من الفقهاء القانونيين يؤكدون أنه أصبح من المفروض مراجعة كافة النصوص القانونية الأخرى لضمان قدسيّة هذا الحق، بما يعنيه ذلك من إلغاء لعقوبة الإعدام.
وفي مقابل هذا الموقف، هناك اتجاه آخر أغلبيته من المحافظين، يعارض «التدخل في شؤون الشريعة الإسلامية بالإلغاء أو التعديل»؛ ويرفض هذا الإلغاء بدعوى أن العقوبة وردت في القرآن الكريم، ولأهميتها وضرورتها في مكافحة الجرائم الخطرة وردع المجرمين، ولدورها - بحسب هذا الرأي- في منع حدوث جرائم أكثر قسوة وشراسة.
إن الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغاءها، يقتضي فتح نقاشات علمية وعمومية جادة بشأنها، تقف على جدوى الخيارين في الحدّ من الإرهاب، والاستئناس بالتجارب الدولية والإقليمية الواردة في هذا الشأن، مع استحضار خصوصية المجتمعات في أبعادها الثقافية والحضارية من جهة، والأخذ بعين الاعتبار للتطورات والتراكمات الحاصلة على مستوى حقوق الإنسان من جهة أخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"