النزاع الصحراوي بين الشرعية الدولية والواقع السياسي

03:38 صباحا
قراءة 5 دقائق

تجنب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تجديد ولاية مبعوثه الشخصي المكلف بقضية الصحراء الغربية، بيتران السوم. وكانت ولاية هذا الأخير قد انتهت في الحادي والعشرين من شهر أغسطس/ آب المنصرم. واعتبرت جبهة البوليساريو، المطالبة باستقلال الإقليم، عدم التجديد لالسوم انتصاراً لها وكانت قد طالبت خلال الأشهر الأخيرة برحيله بعد أن تجرأ على وصف المطلب الاستقلالي للجبهة المذكورة بغير الواقعي، وأكد ذلك في التقرير الذي عرض على مجلس الأمن الدولي في أبريل/ نيسان الماضي.

وكان المغرب، من جهته، قد اعتبر استقالة المبعوث الشخصي السابق، الأمريكي جيمس بيكر في يونيو/ حزيران من سنة 2004 انتصاراً لدبلوماسيته المثابرة التي رفضت بقوة بعض المبادئ التي تمس بوحدته الترابية وسيادته على كامل ترابه الوطني حسب تعبير وزير خارجية يومئذ.

وجاءت استقالة بيكر بعد أن تبين له أن خطة السلام التي تقدم بها سنة ،2003 وأيدها مجلس الأمن الدولي، في بداية الأمر، أصبحت متجاوزة إثر إصرار المغرب على الاعتراض عليها. وبعد اضطرار مجلس الأمن الدولي إلى أخذ الاعتراض المغربي بعين الاعتبار اعتماداً على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي تجري في إطاره معالجة نزاع الصحراء الغربية دون فرض أو إجبار. وكانت خطة السلام التي تقدم بها بيكر تقوم على منح الإقليم الصحراوي حكماً محلياً يستند إلى هيئتين تنفيذية وتشريعية في إطار السيادة المغربية، يستغرق خمس سنوات وينتهي باستفتاء لتقرير المصير النهائي لهذا الإقليم بالاندماج في المغرب أو بالاستقلال عنه. ولقد رفضت الرباط بقوة الشطر الثاني مما سمي مخطط بيكر المرتبط بالاستفتاء المفتوح على الاستقلال.

وعلى الرغم من أن استقالة بيكر أرضت المغرب، ومن أن عدم التجديد لالسوم مثل استجابة لرغبة قوية لدى جبهة البوليساريو، ومن أن الاستقالة وعدم التجديد أكدا مرة أخرى، المقاربة المعتمدة من طرف مجلس الأمن الدولي القائمة على اعتبار مواقف وآراء الطرفين المتنازعين، على الرغم من ذلك، فإن الرجلين كانا يتحركان على نفس الأرضية، وما وصل إليه السوم كان قد وضع بيكر أسسه الكبرى.

وفي هذا السياق، تبرز مضامين البلاغ الذي أصدرته الخارجية المغربية غداة استقالة بيكر في نهاية ربيع سنة ،2004 ولم تقتصر تلك المضامين على الإشارة إلى ما تعترض عليه الرباط في مخطط بيكر بل حرصت على الإشادة بالجهود الكبيرة التي بذلها المبعوث الشخصي الأسبق للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بقضية الصحراء الغربية، وحرصت، كذلك على التنويه بالتقدم الملموس الذي حققه هذا الأخير في اتجاه إيجاد تسوية لتلك القضية.

وكان بيكر الذي أشرف على تسوية قضية الصحراء الغربية لفترة تجاوزت سبع سنوات، قد قاد جهود الأمم المتحدة من أجل تنفيذ المخطط الأممي القائم على تنظيم استفتاء لتقرير المصير. وعاين من موقعه المباشر، تعقيد العملية، وتضارب وتناقض تصورات الطرفين من أجل انجازها، ولاحظ أن كل طرف يتبنى تصوراً للاستفتاء وللمشاركين فيه يلحق الهزيمة بالطرف الآخر، ويستحيل، تبعا لذلك، إيجاد توافق بين التصورين.

وخلص بيكر، بعد جهود مضنية لتجاوز المشاكل المتعلقة بتحديد هوية من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء، وتذليل العقبات المتعلقة بالإدارة والجيش المغربيين في الإقليم، إلا أن تنظيم الاستفتاء المنصوص على شروطه ومواصفاته في المخطط الأممي أصبح أمراً غير ممكن.

ولم يقف بيكر عند الجانب السلبي لهذه النتيجة التي خلص إليها، بل سعى إلى ابراز جوانبها الإيجابية عندما نبه إلى أن تضارب وتناقض تصوري المغرب وجبهة البوليساريو يؤديان في حال تنفيذ أحدهما إلى خسارة مطلقة لأحد المتنازعين ونصر ساحق للطرف الآخر. واعتبر أن مثل هذا المآل لن يؤدي إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. ومقابل ذلك دعا بيكر كلاً من الطرفين إلى تقديم تنازلات تقربه من الطرف الآخر، وشجعهما على البحث عن صيغة لا غالب ولا مغلوب، بحقق من خلالها كل طرف قسما من مطالبه.

لقد كانت سنةُ 2000 سنةً فاصلة في جهود مجلس الأمن الدولي لتسوية نزاع الصحراء الغربية، حيث تم تأكيد عدم قابلية مخطط الاستفتاء للتطبيق، وحيث دعي الطرفان المتنازعان إلى اعتماد صيغة لا غالب ولا مغلوب، والتنازل عن المطالب القصوى المتمثلة على الخصوص في الاستقلال التام للإقليم من جهة والاندماج الكامل له في المملكة المغربية.

وكانت المشكلة الكبيرة التي واجهها بيكر بعد ذلك قد تمثلت في الحلول التي صاغها وحده وحاول إقناع المتنازعين بها. وهكذا، قدم سنة 2001 مقترحاً سماه إطاريا دعا فيه إلى تمتع الإقليم الصحراوي بإدارة ذاتية خلال خمس سنوات تتوج باستفتاء يحدد المصير النهائي للإقليم المذكور، ووافقت الرباط على المقترح بعد تسجيل عدد من التحفظات، وفي المقابل، عبرت جبهة البوليساريو والجزائر عن اعتراضات قوية على المقترح المذكور. وعندما أعاد بيكر النظر في مقترحه، واستجاب لعدد من المطالب التي عبرت عنها جبهة البوليساريو والجزائر، أعلنت الرباط عن رفضها، ووجد مجلس الأمن الدولي المتحرك في إطار الفصل السادس من الميثاق الأممي، نفسه في وضعية حرجة اضطر معها بيكر إلى الاستقالة، واضطر معها المجلس نفسه إلى تجاوز مخطط بيكر.

ومنذ تعيينه مبعوثاً شخصياً للأمين العام للأمم المتحدة مكلفاً بقضية الصحراء الغربية، حرص بيتران السوم على تثبيت ما توصل إليه سلفه في موضوع عدم قابلية المخطط الأممي القائم على الاستفتاء للتنفيذ، وعلى ضرورة البحث عن حل توافقي لا يسفر عن غالب أو مغلوب. ويعني ذلك بالنسبة للعقلاء أن على المغرب أن يتراجع عن مطلب الادماج الكامل للإقليم، وأن على جبهة البوليساريو أن تتراجع عن مطلب الاستقلال التام. ويعني ذلك أيضاً أن ما عبر عنه السوم في الربيع الماضي، حينما اعتبر المطلب الاستقلالي لجبهة البوليساريو مطلباً غير واقعي في المرحلة التاريخية الحالية، لا جديد فيه غير وضوحه الشديد.

والذين يتهمون السوم بتجاوز الشرعية الدولية يقفزون على الدروس التي قدمها إليهم عبر تقارير الأمانة العامة الأممية إلى مجلس الأمن الدولي، وهي دروس تبين لهؤلاء، على الخصوص، أن تقرير المصير لا يتخذ صورة واحدة ووحيدة هي الاستقلال، بل يتخذ أشكالاً عدة منها الاتحاد والاندماج والحكم الذاتي.

ولتمسكه بالشرعية الدولية، فإن السوم رفض رفضاً باتاً أية دعوة من مجلس الأمن لجبهة البوليساريو للتفاوض مع المغرب على قاعدة مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها لتسوية نزاع الصحراء الغربية، وبدل ذلك دعا السوم الطرفين إلى الدخول في مفاوضات من دون شروط مسبقة، وترك لهما حرية اختيار قضايا التفاوض تحت إشراف الأمم المتحدة.

ولم يكتف السوم بتثبيت وتوضيح ما توصل إليه سلفه، بل عمل على تطويره من خلال تجنب صياغة حلول وخطط في غياب الأطراف المعنية، ومطالبة هذه الأطراف نفسها بتقديم الحلول والمقترحات، ومن خلال الجمع بين الطرفين الأساسيين لمعادلة التسوية وهما الشرعية الدولية من جهة والواقع السياسي المعاش والملموس من جهة ثانية.

وبالإضافة إلى هذا وذاك، حاول السوم أن يقف على العوامل التي تعمل على تسويف تسوية نزاع الصحراء الغربية، وعلى إطالة معاناة الصحراويين في مخيمات تندوف، وقال إن انتهاء الحرب الباردة وعدم تهديد النزاع الصحراوي لمصالح الدول الكبرى، يدفع معظم الدول إلى الاستهانة بهذا النزاع، ومراعاة علاقاتها مع كل من المغرب والجزائر، ونزوعها نحو المجاملة والتهرب من المصارحة، والمساهمة، بذلك، في إطالة عمر النزاع، وفي تكريس الأوهام والمطالب غير الواقعية مثل مطلب استقلال الصحراء الغربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"