الهجمات الإلكترونية سلاح للابتزاز والإرهاب

06:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عصام نعمان
تُصنع الأسلحة وتُستعمل، غالباً، للقتل. لكن عالمنا المعاصر جعل لها وظائف أخرى. فهي تُستعمل للتهديد، والتخويف، والترهيب، والابتزاز و... لكل هذه الأمور وغيرها أقسى منها، بواسطة أجهزة الاستخبارات.
ما حدث أواخر الأسبوع الماضي، ومطلعَ هذا الأسبوع من هجمات إلكترونية مزلزلة شملت أكثر من 200 ألف حاسوب (كمبيوتر) في ما لا يقل عن 150دولة، في شتى أنحاء العالم، هو حدث تاريخي بامتياز. وصْفه بالتاريخي، جاء من قيادة ال«يوروبول» (شرطة الاتحاد الأوروبي). ولعل التوصيف الأصح ما أطلقته عليه صحيفة عربية، وأخرى أوروبية: «11 سبتمبر الأمن المعلوماتي». فقد أصابت الهجمات الإلكترونية الصاعقة الآف المصارف، والمؤسسات الرسمية، والخاصة، مُلحقةً بها أضراراً هائلة، ما زالت تتعاظم.
من فعلها؟ جواب «اليوروبول» كان متحفظاً. قال «ما زال من المبكر معرفة من يقف وراء الهجمات، لكننا نعمل على فك الشيفرة في الملفات التي تضررت». الفنيون الاختصاصيون في أمريكا وروسيا فكّوا شيفرة الهجمات، وكشفوها للملأ.
شركة «مايكروسوفت» العملاقة، أعلنت بدورها أنها كشفت السرّ. وقالت إنها أرسلت «رقعة أمنية» لسد ثغرة في نظامها المعروف باسم «ويندوز إكس بي». المهاجمون ادّعوا لاحقاً أنهم اكتشفوها ونفذوا منها. للواقع رواية أخرى: إن أول من اكتشف الثغرة ليس «مايكروسوفت»، ولا المهاجمون بل وكالة الأمن القومي الأمريكي. غير أنها «نامت عليها»، كي تستعملها لاحقاً كسلاح شبكي تخترق به الحواسيب التي تعمل وفق نظام «ويندوز إكس بي» المستعمل على نطاق واسع في شتى أنحاء العالم.
قيام «مايكروسوفت»، متأخرة، بسد الثغرة في نظامها الإلكتروني، ربما أتاح الفرصة لمهاجمين متربصين أذكياء من محترفي القرصنة الإلكترونية ل«اكتشافها»، ومباشرة استعمالها للابتزاز لقاء فدية مالية. الغريب أن هؤلاء القراصنة من مجموعة «شادو برودكاست»، زعموا أنهم استحصلوا على «سر» الثغرة، ليس من «مايكروسوفت»، بل من مركز وسائط القرصنة التابع لوكالة الأمن القومي الأمريكي.
هل سرّبت وكالة الأمن القومي «السرّ» عمداً، أو خطأً إلى القراصنة المحترفين؟ هل الحدث برمته جزء من برنامج إلكتروني خبيث تبتغي الوكالة المذكورة بواسطته تحقيق غايات محددة، ضد عصابات القرصنة الإلكترونية أو، ربما، حيال أجهزة استخبارات روسية، أو صينية منافسة؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتهم الولايات المتحدة بنشر «فيروس الفدية» المسؤول عن الهجمات الإلكترونية في شتى أنحاء العالم. وقال «إن الجن الذي أخرجته أجهزة الأمن الأمريكية من قمقمه قد يسبب الأضرار لصانعيه أنفسهم، ما يستوجب مناقشة هذا الأمر على المستوى السياسي».

ليس ما يشير إلى أن حرباً إلكترونية اندلعت، أو توشك على الاندلاع بين الدول الكبرى. الأرجح أن حرباً كهذه لن تقع لأن الجميع سيكونون متضررين من مفاعيلها، وتداعياتها. غير أن مجرد وقوع «الحدث التاريخي» سيضطر الدول الكبرى، كما المجتمع الأممي، إلى مناقشته والتحوّط من مفاعيله ومخاطره على الأمن الوطني، والأمن المالي والاقتصادي لجميع الدول، كما للمؤسسات الاقتصادية، والمصارف، في كل أنحاء العالم.

لكن، ماذا لو ثبت أن جهازاً استخبارياً ما، في الولايات المتحدة، أو في غيرها يقوم باختراق الأمن المعلوماتي للدول والمؤسسات المالية والاقتصادية كي يستعمله ضد دول معادية، أو منافسة؟ ألم تقم دول متعددة باستعمال بعض التنظيمات الإرهابية لغايات سياسية؟ أليس من الممكن أن تقوم أجهزة استخبارات في دولة، أو اكثر، باستعمال كل أنواع القرصنة المعلوماتية لأغراض سياسية، أو أمنية؟ في هذه الحال، ألا يستوجب الاحتمال المقلق تعميق وعي المسؤولين والمواطنين في كل أنحاء العالم، وتعبئتهم للضغط المنهجي المتواصل من أجل أن تضطلع الأمم المتحدة بمهمة مواجهة هذا الخطر المحدق بالبشرية بكل الوسائل المتاحة؟ ألم تضع الأمم المتحدة يدها على مسألتي الأسلحة النووية، والأسلحة الكيميائية، فأنشأت وكالتين متخصصتين، وضوابط صارمة، وأجهزة دقيقة لمراقبة صنعها للحؤول تالياً دون استعمالها؟
لقد بات للإرهاب، والقرصنة الإلكترونية المخترقة للأمن المعلوماتي، والمخدرات، أخطار شديدة محدقة بالجنس البشري، ومهددة لوجوده وبقائه. ذلك كله يجعل الشعوب مسؤولة، وبالتالي مطالَبة بأن تهبّ بلا إبطاء، وبلا هوادة، من أجل حمل الأمم المتحدة بكل أعضائها الكبار والصغار، على وضع الأسس اللازمة والرادعة لحماية وكفالة حق البشرية في الحياة، والبقاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"