خيول إلى البيت الأبيض

05:45 صباحا
قراءة 4 دقائق

هذا الأسبوع هناك، وفي ناديهم بأمريكا وعالم الغرب، كما هو عندنا في دنيا العرب، وفي كل مجلس من مجالس الليل وحلقات السمر في عالم الشرق، ستطغى أصوات حوافر الخيول لسباق أوباما وماكين نحو البيت الأبيض، على بقية الأصوات والضجيج، ليحسم الديمقراطيون والجمهوريون معركتهم الانتخابية، فينشغل العالم برمته في التحليل والتخمين والتنجيم لمن يدخل البيت الأبيض يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني: (أهو الأشقر الأصيل أم الأسمر الدخيل؟ أهو الأمريكي التقليدي ببنى الصلب والحديد، أم هو الإفريقي الجديد بكسر الجليد؟).

ومن دون تأثير من آخر تداعيات الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا الناتجة عن توقيع واشنطن ووارسو يوم الأربعاء على إقامة منظومة درع صاروخية أمريكية في بولندا، وأصل الأسمر (باراك أوباما) سباقه الانتخابي والذي سيبلغ الذروة في ولايات كفيرجينيا وفلوريدا بنتائج حاسمة للديمقراطيين بمؤتمرهم المتوقع هذا الأسبوع في دنفر (كولورادو) بين 25 و28 أغسطس/ آب، ويلحقه الأشقر (جون ماكين) بعد أسبوع بخيوله تجر الجمهوريين نحو مؤتمرهم في مطلع سبتمبر/ أيلول بولاية مينيابوليس (مينيسوتا) ليواجها مناظرات رئاسية ختامية في 26 سبتمبر و7 و15 اكتوبر/ تشرين الأول.

لقد اقتربنا من ستار يرفع أمام الكاميرات على دوي صوت يهزّ العالم: ها هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فإن كان هو أوباما فقد جمع حتى شهر يوليو أكثر من 51 مليون دولار وبات يملك 8،65 مليون لحملته الانتخابية، إلى جانب 75 مليوناً من تبرعات حزبه. وإن كان جون ماكين فقد جمع حتى يوليو/ تموز 27 مليون دولار وتقلص إلى 21 مليوناً في أغسطس، لكن أوباما خالفه في أسلوب التجميع، فلم يقبل تمويلاً حكومياً، وبالتالي حرر نفسه من قيود سقف الإنفاق الانتخابي.

الفارسان معاً نحو البيت الأبيض وبفارق ضئيل، وكما شوهدا معاً في كاليفورنيا في كنيسة سادلباك يتصافحان طويلاً، ويتبادلان التحية بابتسامات عريضة، ويجيبان لمدة ساعة كاملة عن أسئلة متشابهة عن الإيمان والفقر والشذوذ والإجهاض، فاعتبر أحدهما الإجهاض حقاً مشروعاً، واعتبره الآخر غير مشروع بينما زواج المثليين هو المشروع في نظره لمن يريد الجنس متجنباً الحمل والإنجاب فيستغني عن الإجهاض مجاناً. ولكنهما اتفقا على وضع محاربة الإرهاب في رأس قائمتيهما، من دون أن يحددا نوع (الإرهاب) وهويته الغامضة والمبهمة عن قصد كما يبدو منذ 11 سبتمبر، فيا ترى هل سيبقى القاموس الأمريكي يترجم كلمة الإرهابي على أنه هو العربي، والعربي هو الإرهابي؟

الشعب الأمريكي شعب عظيم، لكن عجيب أمر دنياه، فيما يشغله رؤساؤه السابقون واللاحقون. أمريكا ليست صغيرة بحجم أدمغة أوباما وماكين ولم تكن بأصغر منها بحجم دماغي بوش الأب والابن، لتشغله بقضايا الإجهاض والشذوذ والإرهاب المفتعل والمؤدي إلى غزوات المغول والتتار على الشعوب والبلدان الصديقة. نحب أن ننظر إلى الولايات المتحدة بعظمتها التاريخية ونرفعها إلى حجم مستواها العالمي الحقيقي. أمريكا لم تكن قرية صغيرة متعصبة ومنطوية على حجم اسطبلات خيول هوليوود ومن يخرج منها متقاعداً يعود إليها حاكماً يرأس 57 ولاية. فكيف نعيد العقل الأمريكي إلى حجمه العملاق لعباقرتها وعلمائها الذين لهم فضل الإبداعات والابتكارات والإنجازات في كل الحقول والميادين؟

افتراضية أن كل مشاكلنا تأتي من أمريكا كانت أكذوبة كبيرة. مشاكلنا كانت من تشنجاتنا الداخلية، ومن صناعاتنا المحلية، وغير مستوردة من أمريكا ولا من غير أمريكا، ففي حين أوباما وماكين كانا يصافحان بحفاوة رغم اختلاف وجهات نظرهما كمعارض قوي للطرف الآخر، ويقفان وجها لوجه بابتسام واحترام للعلم الأمريكي، كان عالمنا العربي والإسلامي قد أنجب مواليد جدداً، يتباهون ويتفاخرون بآخر تفجيراتهم في الجزائر.

على غرار آخر مناظرات أوباما وماكين، نوجه من هنا رسالة مناظراتية للشعب الأمريكي الطيب وشعوب العالم الأصدقاء نقول فيها أولاً إن هؤلاء التكفيريين والتفجيريين إن كانوا هم الإرهابيين في نظركم، فهم لا يمثلون إسلامنا الحقيقي الذي إن فتح أمامه أبواب المنافسة بالإبداع والابتكار مع عالمكم وعلمائكم، فيأتونكم بالفكر والكتاب والقرطاس والقلم، لا بالخناجر والسكاكين والأحزمة الناسفة، هذا أولاً.

ثانياً لا تخافوا.. فإن العرب لم ينقلوا إليكم بعد ثروتهم الموروثة (النخلة والبعير)، نعمة السماء وسفينة الصحراء، فالنخلة لا تثمر الديناميت، والناقة لا تحلب اليورانيوم، وإنما تطعم الجياع وتسقي العطاشى بالتمر واللبن، من دون التحقق من الهويات والمعتقدات. الغريب قبل الأمير، والضيف قبل المضيف. فإن كانت مناظرات هذا الأسبوع المتزامن بأمريكا لتكشف نوايا وكفاءات المتنافسين على الرئاسة، وبنا بخيم وإفطاريات رمضانية والتي تعني ربط أبناء الشعب بكل طبقاته بإيقاعات الكرم والضيافة والنبل والشهامة الموروثة، ضمن مواقيت وعادات تتكرر سنوياً في شهر رمضان الكريم، ويومياً على مائدتي الفطور والسحور، يتذكر فيها رؤساؤنا شعوبهم، وأمراؤنا بسطاءهم وأغنياؤنا فقراءهم، لتقريب الشعوب والقلوب إلى بعضها.

وهنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى مأدبة حكامها حفظهم الله، السفرة الرمضانية المشتركة يتم طهوها وتحضيرها وتقديمها ضمن عاداتنا وتقاليدنا المتوارثة مع النخلة والناقة، إنها عادة بشرية موغلة تقرب الإنسان من إنسان، فيا حبذا لو أنها طبقت ولو مرة واحدة ولو تجريبياً في إحدى ولاياتكم لتلمسوا الفرق بين المتجمهرين حول صناديق الاقتراع مقابل الدولارات، وبين الساجدين على تراب الأرض والوطن بالولاء والانتماء.

وفي ما يختص مما نحب ونكره، نقولها صراحة: نحن نحب أمريكا كبلد حضاري وشعب راق، ولن نستغني عن عطاءاتها. لا يزال أبناؤنا يدرسون في جامعاتها، وثمة من يتعالجون في مستشفياتها، وآخرهم شاعر القضية محمود درويش الذي كتب حتى آخر رمق من نبضات قلبه الحقيقي، وأبى أن يستمد دقيقة إضافية لحياته بقلب اصطناعي، ونطالب الرئيس الأمريكي القادم أن يدون خلال فترة رئاسته مفهوماً واضحاً وصادقاً لكلمة (الإرهابي) في القاموس الأمريكي الجديد.

قانونكم عندما يضع على الأبواب لافتات منع دخول الملتحين والمصلّين والمتحجّبات، لمجرد أنّ هناك لحية على ذقنه، أو سجادة صلاة تحت ركبتيه، أو قطعة قماش على رأسها، إنما ذلك القانون هو المجنون، وكأني بأرقى دولة عمرانية إنشائية تصدر قانون منع استيراد الإسمنت خشية أن يصنع منه الطابوق فيرفع مجنون ما طابوقاً ما ليكسر به رأس عاقل ما بطابوق صنع من ذلك الاسمنت المستورد! وبذلك نقنن الشلل للاقتصاد والبلاد، متوهمين بمجنون قد يلد ولم يولد بعد، ولكنه قد ولد فعلاً: ألا هو ذلك المجنون الذي يصدر هكذا قرار.

* كاتب إماراتي

[email protected]

http://www.unipex.org

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب إماراتي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"