عام زايد والحديث عن التعليم الجامعي

04:32 صباحا
قراءة 4 دقائق
بقلم: عبد الغفار حسين

قرر مجلس أمناء جائزة العويس في الأسبوع الماضي، منح جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي للدورة الخامسة عشرة 2016 - 2017، لجامعة الإمارات، وبهذه المناسبة نتذكر الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله وطيّب ثراه، فقد كان رجل دولة قديراً، يعرف سياسة إدارة الممالك، معرفة لا تقل عن رجالات الدولة في التاريخ المعاصر.
ومن يتتبع مسيرة هذا الرجل المتميز، خلال إدارته للمناطق التي تولى أمرها في واحات العين وما جاورها، وما اعترضه من صعوبات ومشكلات داخلية وخارجية، وكيفية تغلّبه عليها طوال عقدين من الزمن (1946-1966)، ثم بعد ذلك إدارته حاكماً لأبوظبي، ورئيساً لدولة الإمارات، منذ إنشائها عام 1971، ومن يتتبع التاريخ، يدرك صدق ما نذهب إليه من قول عن تاريخ هذه الشخصية الفذة.
والحديث المختصر الذي نحن بصدده في هذا المقال، لا يتسع لتناول كل مؤسسات الدولة الحديثة التي كان وراءها الشيخ زايد، رحمه الله، مهيئاً ومنفذاً، ولكن حديثنا ينصب على مرفق مهم، هو بيت القصيد في بنيان أية دولة حديثة وأي مجتمع حديث، ألا وهو التعليم الجامعي العالي، الذي يُعدّ المجتمع ويخلق الإنسان المدبّر والمدير والمربّي، ويضع أساس هذا التدبير والإدارة والتربية للأبناء والأحفاد، ومن يليهم من الجيل.
وقد كان هذا المرفق، على رأس الأولويات التي استجاب لفكرتها الشيخ زايد، وأمر بتنفيذها في بدايات تأسيس الدولة الفتية، وقامت على أقدامها شامخة، بعد أربعة أعوام من إنشاء الدولة؛ وهنا، عندما نمر على ذكرى هذه المرحلة، مرحلة إنشاء دور العلم ودور التكوين التربوي العلمي للفرد الإماراتي، فإن من الواجب أن نترحم على المؤسس القائد الشيخ زايد، ونستعيد في الوقت نفسه ذكرى أشخاص كانت لهم إسهاماتهم التي لا تنسى في مشاركتهم في بناء هذه المنشآت التعليمية الحضارية، ويبرز بين هؤلاء أبو التعليم الجامعي المرحوم الدكتور عبدالله عمران تريم، الذي تولى وزارة التربية والتعليم، في التشكيل الثاني للحكومة عام 1973، حيث كان على رأس فريق العمل الذي أُوكل إليه تنفيذ مشروع جامعة الإمارات في مدينة العين، واستكمال آلياتها وأجهزتها المختلفة. وبالمناسبة فإن ذكرى رحيل هذه الشخصية، عبدالله عمران، قد أزف في هذا الشهر يناير، ونرجو الله أن يضع مآثر هذا الرجل الخيّر الكثيرة، في ميزان حسناته.
وكما أشرنا، فإن جامعة الإمارات التي أُسست وافتُتحت عام 1976، كانت الحصيلة النفعية الأولى في سلك الخدمات الكبيرة التي أوجدها الاتحاد، بالدعم المادي والمعنوي من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، وخطت خطوات ثابتة ومركزة نحو النمو الأكاديمي، والسير الحثيث لتتبوأ المكانة الأولى بين الجامعات العربية؛ بل لتصبح إحدى المنارات العلمية في المنطقة يشار إليها بالبنان.
وقد حدثت تغييرات وزارية في عام 1979، وتتالت من يومها، على شؤون الجامعة إدارات خاضعة لذهنية غير متفتحة، أدت إلى التباطؤ والمشي الوئيد، في سير هذا الصرح التعليمي العالي، وتحولت مناهج التعليم من الليبرالية والانفتاحية إلى الأدلجة السياسية والدينية والانغلاق الفكري، نتيجة تسخير التعليم لاتجاهات أيديولوجية معينة، لا تقبل بأي نهج مغاير تتطلبه روح العصر والحداثة وتواكبها. ومن البديهي العلم بأن سيطرة الفكر الأيديولوجي، مهما حاول أصحابه تلميعه للناس، فإنه يظل في دائرة مغلقة ويظل المنادون أو المتمسكون به منغلقين، وتظل معلوماتهم العمومية أيضاً، مفاهيم سطحية، بغضّ النظر عن الألقاب والأوسمة الأكاديمية التي تلتصق بأسمائهم. وكان لا بدّ من التدخل لإيقاف التراجع الذي أصاب التعليم بصفة عامة في الإمارات، والحيلولة دون الانتكاس الذي أوشك على الحدوث لا محالة.
وعلى الرغم من توالي وزارات عدة على شؤون التعليم العام، فإن المشكلة باتت سائدة لغياب الكفاءة والقدرة على التحكم في المشكلة والقضاء عليها، إلى أن جاء الرجل القدير والمثقف الواعي، وصاحب الذهنية المنفتحة، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، الذي أوكل إليه أمر الاهتمام بالتعليم العالي ورئاسة جامعة الإمارات، وأدرك الناس منذ البداية أن يداً قوية تتصدى لانتشال التعليم العالي من الوحل، وإعادة وضعه على المسار الصحيح. وكانت هذه اليد البناءة، يد الشيخ نهيان الذي كان لها كفؤاً، وكان الشخص المناسب في المكان المناسب.
ولم يقتصر عمل الشيخ نهيان، على إنقاذ التعليم العالي في جامعة الإمارات من التردي، بل يرجع إليه الفضل في إنشاء مؤسسات تعليمية عالية أخرى، ككليات التقنية التي أصبحت متميزة في الشرق الأوسط بأكمله، وكذلك جامعة زايد وما يتبعها من الكليات ذات الطابع العلمي، الذي لا يُضاهى في المنطقة العربية، وأصبحت جامعة زايد رمزاً لتقدم التعليم في المنطقة الخليجية والعربية، ووفد إليها الطلبة من كل أنحاء الخليج، فضلاً عن الألوف من طلبة وطالبات الإمارات، مما حدا بكثير من المهتمين بالتعليم، للتبرع، وتخصيص كراسيّ علمية في هذه الجامعة التي كرس لها الشيخ نهيان جهوداً نافعة، يسجلها له تاريخ التعليم العالي في هذه البلاد بكل فخر.
والإشارة الأخيرة في هذا الحديث، هي السؤال الذي يشغل بال الواعين، ممن يدركون أهمية التعليم في مراحله المختلفة، وهو: هل التعليم الجامعي ظل في مستواه العالي عندما كان تحت إدارة الأشخاص من المؤسسين الأوائل، كالشيخ نهيان وعبدالله عمران ومن في مستوى هاتين الشخصيتين اللتين تركتا صنيعاً حسناً لا تمحوه الأيام؟ وهل التعليم العالي سيستمر عالياً في غياب المشار إليهما؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"