قصة انقلابين في موريتانيا

02:50 صباحا
قراءة 4 دقائق

شهدت موريتانيا، خلال ثلاث سنوات ونيف، انقلابين عسكريين. جاء الانقلاب الأول في الثالث من أغسطس/ آب من سنة ،2005 وجاء الثاني في السادس من نفس الشهر من سنة 2008.

وعلى الرغم من أن عددا من الضباط الذين يتصدرون الحركة الانقلابية الثانية سبق لهم أن شاركوا في الحركة الأولى، فإن مسافة شاسعة تفصل بين الحركتين، ويصل الأمر أحياناً إلى حد التناقض الصارخ:

لقد أسقط الانقلاب الأول الرئيس معاوية ولد سيدي الطايع. وعلى الرغم من أن هذا الأخير كان يستند إلى صناديق الانتخاب. فإنه لم يحتكم إلى أصوات الناخبين إلا بعد حوالي ثماني سنوات من الحكم الذي استولى عليه بواسطة الانقلاب العسكري في خريف سنة ،1984 ولم يعرض نفسه على الاقتراع العام إلا بعد أن أحكم سيطرته على البلاد، وأسس من موقع السيطرة حزباً يستخدم هيبة السلطة وموارد وأدوات الدولة في سبيل إحلال صورة الرئيس المنتخب بديلاً لصورة العقيد الانقلابي. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان سجل الرئيس ولد الطايع المتعلق بمواطنيه الزنوج سيئاً. وإذا كان قد حاول تحسين صورته الخارجية عن طريق التطبيع مع إسرائيل، فإن شعبيته تضررت من وراء ذلك، وازدادت علاقاته بمعارضيه توتراً.

وبالنظر إلى ما سبق، فإن الاعتراضات الدولية على انقلاب 2005 سرعان ما تبخرت، بل حل محلها التأييد والتشجيع والدعم، عندما نجح المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية في كسب تأييد مختلف القوى السياسية في البلاد،من خلال توسيع الحريات العامة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، واحتضان المغتربين، ومن خلال البرنامج الإصلاحي الطموح الذي التزم بتنفيذه بتشاور مع مختلف فاعليات البلاد، وهو برنامج تضمن إعداد دستور جديد، وقوانين لتنظيم التعددية الحزبية، وتنظيم الانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية.

ولم يكتف المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بتحريم مشاركة أعضائه في المنافسات الإنتخابية، وبتنظيم انتخابات شهد العالم على نزاهتها، بل أوفى بعهده، وسلم المسؤولية إلى المؤسسات المنتخبة، وفي مقدمتها مؤسسة رئاسة الجمهورية، وعاد أعضاؤه إلى مهامهم العسكرية.

وربحت موريتانيا الكثير بفضل التجربة التي قادها العقيد ولد محمد فال، رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية. فقد حظيت بتنويه عالمي واسع عبرت عنه الدول الكبرى والمنظمات غير الحكومية. ونظر إلى هذه التجربة باعتبارها تجربة رائدة تبعث على الأمل في انتشار الديمقراطية خارج مواطنها الأولى.

أما انقلاب السادس من الشهر المنصرم فقد أسقط رئيساً مدنياً وصل إلى الرئاسة عبر انتخابات نزيهة، شهد على نزاهتها خصومه قبل أنصاره، وعرفت دورتين كان التنافس خلالهما واضحاً والتحالفات صريحة. واعتبر فوز سيدي ولد الشيخ عبدالله في تلك الانتخابات تتويجاً للتجربة الرائدة التي قادها العقيد علي ولد محمد فال. وانطلاقاً من ذلك، ورغم المشكلات السياسية التي عرفتها موريتانيا خلال الأشهر القليلة التي سبقت الانقلاب، والتي كان للانقلابيين الدور الأكبر في خلقها والنفخ فيها، فإن التجرؤ على إسقاط الرئيس المنتخب كان عسيراً على الهضم من قبل المراقبين، ومن قبل العديد من الفاعليات السياسية المحلية، ومن قبل المجتمع الدولي.

وبالإضافة إلى استهداف الانقلاب الأخير لرئيس مدني وصل إلى المسؤولية الرئاسية عبر انتخابات عامة نزيهة، وتخريبه لتجربة رائدة في إرساء قواعد الديمقراطية، فقد ظهرت الفوارق قوية وصارخة أحياناً بينه وبين انقلاب صيف ،2005 وتبدأ هذه الفوارق من الاسم. فقد اعتمد العقيد ولد فال ورفاقه اسم المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية أما الجنرال عبدالعزيز قائد الانقلاب الأخير الذي سمى جماعته المجلس الأعلى للدولة فقد طمس الوجه العسكري لهذه الهيئة، وبرأها من كافة الأهداف النبيلة المتعلقة بالتصحيح أو الإنقاذ أو التنمية أو العدالة أو الديمقراطية، ولم يبرز فيها غير السلطة وصفاتها المرتبطة بالدولة وبالعلو المطلق.

وإذا كان انقلابيو 2005 قد سارعوا إلى تحديد دورهم الانتقالي المحدد في الزمن وفي المهام التأسيسية للحكم الديمقراطي، وبادروا بعرض ما يقترحونه من تعديلات دستورية وقانونية تحصر تولي رئاسة الجمهورية في ولايتين لا ثالثة لهما، وتمنع أعضاء المجلس العسكري من الترشح إلى الانتخابات، فإن انقلابيي الشهر الماضي تهربوا من أي تحديد زمني لعهدهم، وتهربوا كذلك من تقديم أي توضيح لما يحملونه من سياسات، واختفوا وراء الأهداف العامة الهلامية.

وإذا كان المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية قد دشن عهده بالإفراج عن المعتقلين السياسيين واستقبال المغتربين، وتوسيع مجال الحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير وحرية التنظيم... فإن المجلس الاعلى للدولة بدأ عهده بالاعتقال وفرض الإقامة الجبرية ضد معارضيه، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية والوزير الأول وعدد من الوزراء وكبار الموظفين. ولم يتورع المجلس المذكور عن منع التظاهرات والتجمعات المناوئة له. ولم يتردد في استخدام الوسائل العمومية وفي التدخل المباشر لتنظيم المسيرات والمهرجانات المؤيدة له. وبالاضافة إلى هذا وذاك حول هذا المجلس وسائل الإعلام العمومية إلى بوق يردد خطابات التأييد، وإلى شيطان أخرس يتجاهل مواقف الاعتراض والشجب والإدانة المحلية والإقليمية والدولية.

ولقد وقفت كافة القوى السياسية الموريتانية بما فيها بعض القوى التي كانت تتحرك خارج القانون المعمول به، إلى جانب المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية ولاسيما بعد اتضاح دوره والمهام التي التزم بانجازها.أما المجلس الأعلى للدولة فقد توزعت الساحة السياسية في شأنه إلى ثلاثة اتجاهات، الأول مؤيد ومناصر للانقلابيين، والثاني مرتبك وواهم والثالث معارض ومتمسك بالشرعية الدستورية.

ولم يكن غريباً في ضوء ما يميز انقلاب 2005 عن انقلاب ،2008 أن يتخذ المجتمع الدولي موقفا قويا ضد الانقلاب الأخير. وباستثناء موقف جامعة الدول العربية الذي كان متردداً، فقد سارع الاتحاد الإفريقي إلى تعليق عضوية موريتانيا فيه. ودان مجلس الأمن الدولي الحركة الانقلابية، ولم يكتف الاتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة بالإدانة بل هددوا بفرض عقوبات على موريتانيا وانقلابييها ومساعديهم، واعتبروا الحكومة التي شكلها هؤلاء الانقلابيون غير شرعية.

وبالنظر إلى ما سلف ذكره عن الحركة الانقلابية الأخيرة في موريتانيا، وبالنظر كذلك إلى افتقار موريتانيا لإمكانات مواجهة الضغوط الدولية، ولمتطلبات الاستغناء عن المساعدات الخارجية، فإن إرادة الجنرال عبدالعزيز لن تكون هي الحاسمة وسيجد نفسه في القريب العاجل، مضطراً إلى المراجعة، والتنازل عن عدد من طموحاته غير المشروعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"