ليست «أوبك» بل النفط الأمريكي

00:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي*

تعرضت أسعار النفط مؤخراً لتذبذب حاد هوى بسعر خام برنت القياسي قرب مستوى 65 دولاراً للبرميل بعدما تجاوز مستوى 85 دولاراً للبرميل قبل أسابيع، مع تحسب السوق لفرض العقوبات الأمريكية على إيران مطلع نوفمبر/تشرين الثاني. ومع كل تغير واضح في الأسعار تنهال التحليلات والتوقعات والسيناريوهات، وتركز الضوء الإعلامي على العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث كان اجتماع لجنة السوق في «أوبك» في الأسبوع الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني متزامناً مع معرض الطاقة العالمي (أديبك) حيث يتجمع مسؤولو الطاقة ورؤساء كبار الشركات الدولية. وركزت وسائل الإعلام الاقتصادية على توقعات خفض «أوبك» إنتاجها في اجتماعها الدوري في ديسمبر/كانون الأول، وانصب الاهتمام على التساؤل حول إمكانية اتفاق السعودية وروسيا على قرار ضبط الإنتاج لسحب تخمة المعروض من السوق باعتبار السعودية أكبر منتج ومصدر في «أوبك» وروسيا أكبر منتج ومصدر من خارج المنظمة يشارك في جهود ضبط السوق منذ ثلاثة أعوام.
وبالطبع غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منتقدا احتمال خفض إنتاج «أوبك»، وعادت التحليلات والسيناريوهات حتى إن البعض ذهب إلى استنتاج إلغاء «أوبك»، وهو ما نفاه أعضاؤها الرئيسيون خاصة السعودية والإمارات. كل تلك التصريحات والتكهنات والتغريدات أدت إلى التذبذب في الأسعار، لكن في نطاق ضيق يستند إلى ما يسمى في السوق «العامل النفسي»، أما التراجع الأساسي في الأسعار فكان تصحيحا لصعود كبير على أساس نفسي أيضا استند إلى توقعات نقص المعروض نتيجة توقف نفط إيران وفنزويلا لا تبرره أساسيات السوق. وربما كان المساهم الأهم في تراجع أسعار النفط هو تقرير وكالة الطاقة الدولية الذي رسم صورة غير متفائلة لنمو الطلب العالمي على النفط في العامين المقبلين (أقل من مليون ونصف المليون برميل يوميا) بينما كانت توقعات «أوبك» بنمو الطلب بمعدل أعلى بشكل طفيف. وفي ظل المؤشرات على تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتأثير الحرب التجارية التي يقودها ترامب خاصة مع الصين لا يتوقع أن يتعافى الطلب العالمي على الطاقة.
وفي تفاصيل تقرير وكالة الطاقة الدولية نجد أن الطلب على نفط «أوبك» لن ينمو بشكل جيد في العامين المقبلين بل سيكون الطلب أكثر على نفط المنتجين من خارج المنظمة. وحسب أرقام وكالة الطاقة وأكثر من مسح ل«رويترز» وغيرها عاد الفائض في العرض في السوق ليتجاوز مليوني برميل يوميا بينما امتلأت المخزونات التجارية للدول المستهلكة بشكل كبير. كل ذلك يشكل ضغطا على الأسعار نزولا، حتى لو اتفقت «أوبك» مع شركائها - وفي مقدمتهم روسيا - على سحب مليون أو مليون ونصف المليون برميل يوميا من السوق. فسيظل الفائض في العرض أكبر من معدلات الطلب، إلى جانب زيادة الإنتاج من الدول من خارج «أوبك» - وتحديدا من الولايات المتحدة. وهنا، لا يمكن تجاهل حقيقة أن روسيا ربما يهمها نصيبها من السوق أكثر من الأسعار خاصة وأنها ترى نفسها أولى بتعويض حصة إيران المختفية من السوق. لكن كل ذلك لا يتجاوز سوى نصف مليون برميل يوميا.
وربما ما يثير الاستغراب أن الرئيس الأمريكي يكرر دوما انتقاده ل«أوبك» وكأنها تتلاعب بالأسعار مع أن ما يؤثر في الأسعار حقا هو زيادة الإنتاج الأمريكي من النفط والسوائل النفطية. وقدر تقرير حديث ل«آي إتش إس ماركت» أن زيادة الإنتاج الأمريكي عدلت الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة بنحو 250 مليار دولار، إذ انخفض العجز التجاري في قطاع النفط وسوائله بعشرات المليارات على مدى السنوات العشر الأخيرة. وفي الشهر الأخير وصل إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري إلى أكثر من 7 ملايين برميل يوميا، ويتوقع أن تصبح الولايات المتحدة قريبا جدا «مصدراً تماما» للنفط بمعنى زيادة إنتاجها عن استهلاكها للمرة الأولى منذ 1949. تلك الزيادة المطردة في الإنتاج الأمريكي بشكل يتجاوز تلبية الطلب المحلي ستكون العامل الحاسم في معادلة العرض والطلب في سوق النفط العالمي في غضون أشهر.
وتكاد تجمع توقعات المراقبين على أن يزيد الإنتاج الأمريكي في غضون العامين القادمين بنحو 4 ملايين برميل يوميا (أي نحو ضعف الفائض الحالي في العرض في السوق العالمية). وإذا كانت زيادة المعروض بأكثر من مليون برميل أو نحو مليونين هوت بأسعار النفط إلى أقل من النصف في صيف 2014، فما هو المتوقع إذاً في حال تضاعف هذا الفائض نتيجة زيادة الإنتاج الأمريكي؟! وإذا ظلت الزيادة في الطلب متواضعة، أي لا يتجاوز الطلب العالمي حاجز المئة مليون برميل يوميا إلا قليلا، فإن الضغط على الأسعار نزولا سيشتد في حال بقيت ظروف الإنتاج الحالية كما هي ولم تحدث عوائق مفاجئة توقف إنتاج البعض. ومن المستبعد بالطبع أن تقوم «أوبك»، ولا حتى بالاتفاق مع شركاء من خارجها مثل روسيا، بخفض إنتاجها لسحب الفائض المتصاعد. على العكس، ستكون مشكلة المنتجين والمصدرين هي محاولة الموازنة بين الحفاظ على توازن السوق والحيلولة دون انهيار الأسعار.
وأياً كان قرار «أوبك» في اجتماعها قبل نهاية العام، سيظل العامل الأهم في تحديد أسعار النفط هو كمية الفائض - الفارق بين العرض والطلب - وزيادة الإنتاج الأمريكي خاصة من النفط الصخري وسوائل النفط. إذاً ليست «أوبك» التي تدير السوق، وإنما زيادة الإنتاج الأمريكي والضغط على الطلب العالمي نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي بسبب حروب أمريكا التجارية مع الاقتصادات الصاعدة وفي مقدمتها الصين.

*كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"