هل ستحلّ روسيا محل الولايات المتحدة في العراق؟

03:58 صباحا
قراءة 4 دقائق
هل تعني التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، لبعض وسائل الإعلام التي أعلن فيها قيام العراق بشراء طائرات مقاتلة، من روسيا وبيلاروسيا، وانتقد تلكؤ الولايات المتحدة في بيعه مثل تلك الطائرات، أن روسيا سوف تخلف الولايات المتحدة في هذا البلد؟
إن رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، قال لهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، يوم الخميس، 266 إنه يشتري طائرات مقاتلة مستعملة من الاتحاد الروسي وبيلاروسيا . وقال إنها كانت غلطة كبيرة أن يعتمد على الولايات المتحدة في شراء الأسلحة، لأن خط تزويد الأسلحة الأمريكية في غاية البطء، وأن مقاتلات إف-16 التي تمّ طلبها منذ بعض الوقت، لم تصلْ بعد .
ومن المرجح أنّ المالكي كان يرُدّ أيضاً على محاولة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لَي ذراعه وإرغامَه على ترك منصبه، لمصلحة تشكيل حكومة إنقاذ وطني .
وينصبّ اللوم على المالكي، في الانهيار الذي حدث في الأسابيع القليلة الماضية، والذي خسر فيه ثلث بلاده لمصلحة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) . فقد دفعت طائفية المالكي العنيدة، وعدم قدرته على العمل مع العرب السنة، إلى الحافة .
ولكن رواية المالكي للأحداث مختلفة تماماً . فهو يقول إن قواته في الشمال والغرب، كانت تفتقر إلى الإسناد الجوّي عن قرب بسبب التلكؤ الأمريكي في موضوع الأسلحة التي تم دفع ثمنها بالفعل . ويقول إن الطائرات المقاتلة، يمكن أن تكون في العراق في غضون 3 أيام، وأنه يمكن نشرها في غارات قصف على مواقع "داعش" في الشمال .
كما يُصوّر المالكي فكرة حكومة الوحدة على أنها مناوئة للديمقراطية، لأنها تتجاهل قضايا معينة، مثل قضية الحزب الذي فاز بأغلب المقاعد .
وإذ يُصرّ المالكي على البقاء رئيساً للوزراء أربعَ سنوات أخرى، يسعى إلى تحقيق العديد من الأمور دفعة واحدة . فهو يريد الالتفاف على أوباما، لكي يتجنب الرضوخ للضغط الأمريكي الذي يطالبه بالاستقالة . ويريد أن يؤثر في البرلمانيين العراقيين باتصالاته الخارجية، مع أطراف مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحيث يمكن أن يدعموا بقاءه في منصبه فترةً ثالثة . ويمكن القول من الناحية العملية، إنه يريد تبنّي نموذج الحكومة السورية في التعامل مع "داعش"، أي قصف ذلك التنظيم بصورة مكثفة، من الجوّ وبالمدفعية، حتى مع المجازفة بإلحاق أضرار فادحة بالبيئة المدينية، وقتل كثيرين أو تحويلهم إلى لاجئين . ومن المحتمل أن يكون حديثه عن هذه الاستراتيجية علناً، تهديداً وتوَعداً للتنظيم في الموصل .
إن المالكي غيّر مواقفه الجيوسياسية مرات عدة خلال عقد من الزمن . فقد كان مديرَ مكتب "حزب الدعوة" السّرّي في دمشق في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وكان ممقوتاً من قبل النظام السوري . وعندما أصبح رئيساً للوزراء للمرة الأولى عام 2006 ألقى باللوم في كل التفجيرات والعنف في بغداد، على عاتق الحكومة السورية . وبعد محاولة الثورة في سوريا، ووقوع البلاد في مستنقع الحرب الأهلية، استدار المالكي وبدأ يدعم الحكومة السورية، خوفاً من انسحاب "داعش" من سوريا إلى العراق (وكانت بصيرته في ذلك صائبة) .
وبالنسبة إلى روسيا، كان خلفُها، الاتحاد السوفييتي راعياً لحزب البعث في سبعينات القرن الماضي وما بعدها . وكانت إدارتا كنيدي وجونسون، قد تواطأتا مع حزب البعث . ونظيرَ دعم أمريكا له، قام حزب البعث بسحق الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان يخشاه المسؤولون الأمريكيون بشدّة .
ولكنْ بعد انقلاب البعث الفاشل عام 1963 انتظر الفرصة المواتية، وفي عام 1968 قام بانقلاب حاسم . ومن أوائل سبعينات القرن الماضي، تحالفت حكومة البعث مع السوفييت، بدلاً من الولايات المتحدة (فانضمّت إلى سوريا وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية وغيرها في جبهة الصمود لمواجهة التوسّع "الاسرائيلي") .
واستمرت رعاية السوفييت للعراقيين البعثيين حتى حرب الخليج عام 1990-1991 وحاول الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف التوسط قليلاً، ولكنه أذعن في النهاية لحرب بوش الأب على العراق .
وكما استعاد بوتين الحكومة السورية كطرف متعامل مع روسيا، فإنه يريد أن يستعيد العراق أيضاً فيما يبدو .
وبوتين في وضع مناسب لالتقاط العراق . فهو متماسك، ويكره "داعش" في سوريا بقدر ما يكره "داعش" في العراق، وربما أكثر . ولدى روسيا طائرات مقاتلة وطائرات عمودية ثقيلة مسلحة بقوة نيران كافية لوقف "داعش" عند حدّها . ومن الناحية الجيوسياسية، فإن روسيا قريبة نسبياً من إيران (التي تدعم المالكي منذ 2010)، ومن حليف المالكي بشار الأسد، كذلك .
ورغبة المالكي في تقليد التكتيكات السورية غير موفقة . فالقصف السوري المكثف لمدينة حمص، أحالها إلى أنقاض . وقد قال المالكي لإذاعة "بي بي سي" إنه لم يطلب من سوريا قصف مواقع "داعش" في معبر القائم الحدودي، ولكنه أضاف، أنه يُرحّبُ بقيام دول أجنبية بقصف بلده . وهذا يعيد إلى الأذهان نهج يلتسين إزاء الشيشان .

جوان كول 
* أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا في جامعة ميتشيغان (موقع كومون دريمز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"