أحمد آل الشيخ مبارك .. سيرة عطرة في العلم والقضاء

00:40 صباحا
قراءة 5 دقائق
يترك علماء المسلمين من بين آثارهم علماً ينفع من جاء بعدهم، ويفيد من يحرص على الاستزادة، ولعل التاريخ يزخر بالأسماء التي قدمت للدين خدمات جليلة، أهّها نقل العلم من جيل إلى آخر وتوفير المراجع للمتعطشين إلى المعرفة من الأجيال الجديدة.

ومن بين هؤلاء كما يقول الباحث التراثي د.راشد محمد عبيد رشود «العالم الجليل والقاضي الذي بذل جهده لنصرة الإسلام الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن حمد بن عبد اللطيف آل الشيخ مبارك الذي وُلد في الأحساء عام 1326ه /‏‏عام 1910م، لأسرة عُرفت بتوارث أبنائها علوم الدين والقضاء. مالكي المذهب، تميمي النسب، تتلمذ على يد والده الذي ربطته علاقة قوية بالمغفور له الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان، المعروف بزايد الأول، وكان أحد رجال القضاء المعروفين في المنطقة». ليكمل عقد سلسلة مشرقة في تاريخ القضاء في إمارة أبوظبي. ويضيف د.رشود: «بعد تلقيه العلم في مختلف المواد في صغره، اتجه إلى مهنة التعليم مبكراً، واستمر فيها، إضافة إلى ممارسته مهنة القضاء، إلى أن عيّنه المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله رئيساً لدائرة القضاء الشرعي في أبوظبي عام 1969، كما أسهم في بناء مجمع المحاكم الشرعية التابعة لها. ثم عيّن بعد قيام الاتحاد مستشاراً شرعياً في الدولة، وأسهم خلال مدة عمله في هذا المجال، في ترسيخ أهمية العلم والدين في الإمارات».
ويؤكد د.راشد رشود أهمية ما قدمه الشيخ المبارك من خدمات دينية وشرعية، حيث مثّل أبوظبي في العديد من المؤتمرات العالمية ذات الطابع العلمي والديني، من أهمها مؤتمر الحوار بين الأديان، كما كان عضواً في عدد من المجمعات البحثية العالمية، منها ما كان متعلقاً بالحضارة الإسلامية، وظل الشيخ أحمد بن عبد العزيز المبارك مستمراً في عطائه إلى أن توفي في عام 1988، تاركاً وراءه سيرة عطرة لشخصية قدّمت صورة متزنة وحقيقية عن روح الإسلام التي تدعو إلى السلام والتسامح».

وعن تعليمه يقول د.رشود: «بدأت دراسته التعليمية في الأحساء، وتلقى علومه الدينية في بداية حياته في المدارس الأهلية (الكتاتيب)، التي كانت منتشرة في ذلك الوقت في منطقة الأحساء، حيث درس القرآن الكريم على يد والده العالم الجليل الشيخ عبد العزيز بن حمد، رحمه الله. ثم درس بعد ذلك الفقه والحديث على يد العلامة الشيخ عبد العزيز بن صالح العلجي رحمه الله.
بدأ الشيخ أحمد تعلمه في سن السابعة حينما بدأ بدراسة القرآن الكريم ومن ثم انتقل إلى دبي التي كان والده كثير التردد عليها، لنشر العلم، فتعلم الكتابة على الشيخ عبدالله بن موسى، ولما أتقنها، أعاده والده إلى منطقة الأحساء، حيث لازم الشيخ عبدالله بن سلطان القحطاني الذي أتمّ على يده حفظ القرآن الكريم، ومن هنا انتقل مرة ثانية إلى دبي، ليلتحق بالمدرسة الأحمدية، التي أنشأها بعض الفضلاء لوالده، ليتخذ منها معهداً يدرس فيه العلوم العربية والدراسات الإسلامية. وانتقل بعد ذلك إلى الأحساء، ليتابع تحصيله العلمي على يد والده وعمّه الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف، وغيرهما من العلماء، وفي عام 1352ه،اختاره من الملك عبد العزيز في لجنه لتثمين الأموال العامة في الأحساء، وفي عام 1355ه، تولى الإمامة في مسجد الديرية بالرفعة».
ويضيف د.رشود: «تمكن خلال ذلك من حفظ عزية الزنجاني الخاصة بعلم المعاني وألفية بن مالك، وتدريب المسالك لأقرب المسالك، من تأليف والده، وغيرها من المتون في الحلقات الدراسية، والتي تخرج فيها الكثير من أعلام منطقة الخليج العربي، ومنهم الشيخ محمد بن أحمد الخزرجي وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وكذلك الشيخ القاضي قاسم بن مهزع من البحرين، والعالم الفلكي الشيخ عبدالله بن إبراهيم الأنصاري، صاحب التقويم القطري الذي كان يعمل مدير مركز إحياء التراث الإسلامي في دولة قطر، وتوفي عام 1985م. وتنقل برفقة والده في الدول المجاورة للتعليم والوعظ والإرشاد، مثل الكويت والبحرين ودبي والعراق التي اكتسب منها الشيء الكثير، وساعدته في التبحّر في علوم الدين».
وعن حياته القضائية يقول د.رشود: «بدأها الشيخ أحمد عام 1372 ه، عندما عيّنه الأمير سعود بن جلوي مساعد قاض لابن عمه الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن راشد آل مبارك، رحمه الله، رئيس محكمة القطيف، وفي الوقت نفسه، كان يسكن بالظهران ويقوم بالإمامة والوعظ بالجامع الثاني فيها. وكان خلال هذه الفترة مثالاً للنزاهة والعدل والحكمة، لبعد نظره في الكثير من الأمور الدينية والشرعية. وفي عام 1380ه، عُيّن رئيساً للمحكمة المستعجلة بالقطيف. وفي عام 1386ه نقلت رئاسة المحاكم من الظهران إلى الدمام، ونقل الشيخ أحمد قاضياً في الظهران وإماماً وخطيباً للجامع الكبير (الغربي) حتى عام 1389ه، حيث عاد إلى الإمارات.
ويشير د. رشود إلى أنه في عام 1389ه، تمت الموافقة على إعارته من الملك فيصل رحمه الله المتوفى عام 1395ه إلى الإمارات، بناء على طلب من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، الذي كانت تربطه علاقة قديمة معه، حيث كان يأتي مع والده للتدريس في المدرسة الأحمدية في دبي، وظل معاراً إلى أن تقاعد من القضاء السعودي، لبلوغه السن القانونية وذلك في عام 1400ه.

وعيّن رئيساً لدائرة القضاء الشرعي في أبوظبي، والمستشار الديني لرئيس الدولة، إلى جانب عمله إماماً لمسجد الإمام مالك بن أنس القريب من بيته في أبوظبي في (منطقة الروضة)، وكان يخطب لصلاة الجمعة في جامع زايد الأول في أبوظبي، وكانت خطبه تنقل عبر الإذاعة والتلفزي§§ون، وكان يؤم الناس في صلاة العيدين التي تنقل عبر الإذاعة والتلفزيون أيضاً، أسّس القضاء الشرعي في أبوظبي، وسعى في بناء مجمع المحاكم الشرعية الجديد بها.

كان رحمه الله يتميّز بالكرم وسعة الصدر وسؤاله عن أحوال الصغير والكبير. كانت حياته حافلة بالمواقف والتضحيات والمراسلات والتوجيهات والنصائح والعظات، وكان يقرأ في مجلسه في أبوظبي عصرَ كل يوم صحيحي البخاري ومسلم، وكان لا يحب الجدال يعطي رأيه ويسكت، لا يغضب، بشوشاً، يمازح الصغير والكبير، عطوفاً على الفقراء، يوصي أهله ألا يردّوا سائلاً، وكانت له أياد بيض يشهد لها بالصدق والأمانة والإخلاص في توثيق الصلة بين حكومتي الإمارات والسعودية، وكان خلال إقامته في أبوظبي يزور الأحساء باستمرار في الصيف، جرياً على عادة والده الذي كان كثير التنقل خارج البلاد للوعظ والإرشاد، وكان يجلس في مزرعته بعد صلاة العصر يزوره المشايخ وأبناء عمومته وكبار الشخصيات من أهالي الأحساء والمنطقة.
كانت صلته بالعلماء كبيرة ومحببة إلى قلبه،وكان متابعاً لهموم المسلمين في العالم العربي والإسلامي.
ويؤكد د.رشود أن الشيخ أحمد كان كثير التنقل بين دول الخليج من أجل الوعظ والإرشاد.
من مآثره مشروع زايد لتحفيظ القرآن الكريم الذي يُعدّ خطوة عظيمة ومشروعاً رائداً أقامه على أرض الإمارات، حيث وضع خطة هذا المشروع ورفعه إلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، فوافق عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"