الإنجاب "غريزة" طبيعية تحقق الاستقرار للرجل والمرأة

الأسرة المسلمة
02:47 صباحا
قراءة 6 دقائق

الأبناء إحدى زينتي الحياة الدنيا، وقد تمنى الذرية جميع الناس حتى الأنبياء . يقول الحق سبحانه وتعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً .

لذلك يسعى كل زوجين إلى الإنجاب وكلما تأخر تضاعف القلق وبدأت رحلة البحث عن السبب، وقد يستمر العلاج والتردد على الأطباء لسنوات ثم لا يجد الزوجان أمامهما سوى الرضا بقضاء الله وقدره أو الانفصال بحثاً عن شريك حياة آخر لتكوين أسرة لا ينقصها الأبناء .

سألنا علماء الشريعة وأساتذة الاجتماع وعلم النفس عن كيفية تصرف أحد الزوجين إذا اكتشف أنه أو شريك حياته لديه ما يمنع أو يحول دون تحقيق تلك الأمنية، وعن مدى أحقية الزوجين في التشاور واتخاذ قرار تأجيل الإنجاب أو تنظيم الأسرة وهل يجوز أن يتخذه أحدهما منفرداً ويجبر عليه الآخر؟

في البداية يوضح الدكتور علي السبكي، أستاذ الثقافة الإسلامية في جامعة الأزهر، أن الشريعة الإسلامية جعلت من أهم مقاصد الزواج التكاثر والتناسل في ظلال من المودة والسكينة والرحمة في قوله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة .

فالتكاثر والتناسل مقصد أساسي به تستقر الحياة الزوجية وتعمق علاقات القربى والألفة، وفي حديث الرسول الكريم: تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة، ومما يدل على أن الإنجاب أحد مقاصد الزواج في شريعة الإسلام أن الإسلام حرم الزنى، ولم يعترف بأي طفل يأتي عن طريق غير شرعي، كما حرم الإجهاض ولم يبحه إلا في ظروف معينة حماية للنفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق .

ويضيف الدكتور السبكي: إن شريعة الإسلام تحرص دائماً على تحقيق مصلحة الإنسان ولذلك فهي تتيح له كل ما يحققها وتحرم عليه كل ما يفسد عليه حياته، لذلك ليس من حق أحد الزوجين أن يفرض على الآخر رغبته في عدم الإنجاب أو تأجيله لفترة طويلة، إلا إذا كان المقصود لفترة مؤقتة لأي سبب من الأسباب بمعنى المباعدة بين فترات الحمل حفاظاً على صحة الأم وحفظاً لها من أضرار كثرة الحمل والولادة المتتالية فذلك جائز شرعاً ولا غبار عليه . أما إذا كان المقصود هو منع الحمل ووقف صلاحية الإنجاب نهائيا فإن ذلك يتنافى مع دعوة الإسلام ومقاصده في المحافظة على النسل حيث يقول الله تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا .

ومن هنا يرى الدكتور السبكي أنه لا يحق لأحد الزوجين تعطيل الإنجاب وتأجيله بعد إنجاب طفل واحد أو اثنين بحجة أن ذلك من أجل مستقبلهم وكي نربيهم بشكل أفضل، وإذا كان الإسلام يعتبر التناسل أمراً طبيعياً ومن أهم مقاصد الزواج، فإنه يرى كذلك التعدد في الأولاد أمراً لابد منه لإكمال عملية التنشئة والتطبيع الاجتماعي، حيث إن عيش الطفل وحيداً يعرضه لمشكلات اجتماعية ونفسية عديدة، وعلينا أن نتأمل قول الحق سبحانه وتعالى: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون .

تنظيم لا تحديد

الدكتورة عبلة الكحلاوي، أستاذة الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، تؤكد أيضاً أن الإنجاب ليس ترفاً اجتماعياً، بل هو ضرورة شرعية، ولأنه حق مشترك بين الزوجين لا يجوز إجبار أحد الطرفين على الاستمرار في حياة زوجية مع طرف عقيم وحرمانه من مشاعر الأبوة أو الأمومة، فالحرمان من الإنجاب ضرر نفسي لا يتحمله الكثير من الرجال والنساء، لذلك فإن الشريعة الإسلامية لا تقر هذا الضرر وتبيح للزوجة طلب الطلاق، كما تبيح للرجل أن يتزوج بأخرى تنجب له الذرية إذا تأكد أن العيب من الزوجة وأنه لا أمل في العلاج .

فإذا كان الزوج عقيما وتأكد عدم قدرته على الإنجاب في الحال أو في المستقبل بمعنى أن يكون قد استنفد كل وسائل العلاج واتفق الأطباء على استحالة علاجه ففي هذه الحالة من حق الزوجة طلب الطلاق، لأن عدم الإنجاب يسبب لها ضرراً نفسياً لا يقدره إلا من يعانيه .

ولقد قسم الله الأرزاق في المال والأولاد وحدد لكل إنسان نصيباً، فقال جل شأنه: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، وقال سبحانه: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير .

وتطالب الدكتورة عبلة الكحلاوي أي زوجة تكتشف عقم زوجها أن تكون وفية له وتضرب المثل في حبه والتمسك به وتعوض مشاعر الأمومة بمشاعر الحب والحنان المتبادل معه، خاصة إذا تأكدت أنه لم يكن يعلم بأنه يعاني ذلك قبل ارتباطه بها ولم يخدعها، وعموماً فإن تشريعات الإسلام تؤكد على ضرورة أن تسود الحياة الزوجية الألفة والرحمة والمودة، والزوجة التي ترفض التضحية بمشاعر الأمومة وهي غريزة طبيعية لا يجوز لأحد أن يجبرها على الاستمرار في الاستمرار مع الزوج العقيم، كما تنصح الزوجة التي تحرم زوجها من حقه في الإنجاب بدعوى المحافظة على جمالها أو عملها أن تتقي الله في زوجها، وأن تعرف جيداً أنها مكلفة بأن تطيع زوجها وتلبي احتياجاته النفسية والاجتماعية وأهمها مشاعر الأبوة .

وعن اتخاذ الزوجين القرار بتنظيم الأسرة، ترى الدكتور عبلة الكحلاوي أنه ينبغي التفرقة بين التنظيم الذي لا ترفضه الشريعة بل تدعو إليه وبين التحديد الذي يرفضه الشرع . . فما نوافق عليه ونؤيده لمصلحة الأسرة أولاً هو تنظيم الأسرة ويعني أن يتخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما الوسائل التي يريانها كفيلة بتباعد فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة، مع اقتناعهما بأن هناك ضرورة تقرها شريعة الإسلام تدعو إلى ذلك وبأن ما قدره الله تعالى لابد أن يكون، وهما إنما يباشران الأسباب فقط، وهذه الأسباب قد تنجح وقد لا تنجح والمقصود من ذلك ما يجعل الأبوين يستطيعان القيام برعاية أولادهما رعاية كاملة من دون عسر أو حرج أو اختلاط في المضاجع بين الذكور والإناث، أو احتياج مذل .

زينة الدنيا . . ولكن

الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع في كلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر، ينصح كل زوجين حرما من نعمة الإنجاب بالرضا بما قسمه الله لهما، لأنهما لا يدريان أين يكمن الخير، ويستطيع الإنسان أن يعوض ذلك برعاية بعض الأطفال اليتامى والفقراء، فالأولاد كما هم نعمة من الله قد يكونون سبباً في شقاء الإنسان ومضاعفة معاناته، ولأن الحياة الزوجية لا يمكن أن تستمر بين طرفين غير راضيين بما قسمه الله لهما يجب على الزوج إذا تضررت زوجته من عقمه وأبدت رغبتها في الانفصال عنه أن يلبي رغبتها، وإذا ما عاند الزوج ورفض الاستجابة لنداء العقل والمنطق والضمير، فينبغي أن ينصفها القضاء ويفرق بينها وبين زوجها وذلك في واقع الأمر أرحم كثيراً بالطرفين .

ويضيف الدكتور السمالوطي: رغم أن الصلة بين الزوج وزوجته من أقدس الصلات وأوثقها، إلا أن مشاعر الأبوة أو الأمومة غريزة فطرية في كل إنسان قد يستطيع البعض التأقلم على الحرمان من إشباع هذه الغريزة خاصة من الرجال، بينما قد يعجز البعض الآخر عن ذلك خاصة المرأة التي تتزوج من أجل أن تحقق حلمها في أن تصبح أماً، هنا يصعب عليها أن تتحمل الألم النفسي للحرمان من إشباع هذه الغريزة ويكون من الأفضل لها ولزوجها الانفصال لأن الحياة ستتحول إلى جحيم خاصة مع عدم وجود أمل في تغيير الحال .

فراق مطلوب

الدكتورة سعيدة أبوسوسو، أستاذة علم النفس في كلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر، تنصح كلا الزوجين بأن يجعلا القرار في أمور حياتهما المصيرية شورى بينهما بعيدا عن أي تدخلات خارجية وهذا الأمر مطلوب في كل ما يتعلق بالزوجين، خاصة أمر الإنجاب وكل ما يتعلق به من ملابسات مثل التأجيل لفترة بمعنى تنظيم النسل والقرار بالانفصال أو الاستمرار في الحياة في حالة العقم، كل هذه الأمور يجب أن تتم بالاتفاق بينهما فلا يجوز أن ينفرد أحدهما بالقرار دون غيره .

وهذا السلوك يتسبب في جرح عميق في مشاعر الطرف الذي يحلم بالإنجاب لأن الأمر ليس هيناً وهذه الغريزة، الأبوة الأمومة، لا يمكن التنازل عنها والتفريط فيها بسهولة ومن دون وجود مبررات قهرية تخفف من الألم النفسي والضرر الواقع على الزوج أو الزوجة .

وتدين الدكتورة سعيدة أبوسوسو تصرف الزوجة التي ترفض الإنجاب حفاظاً على رشاقتها أو جمالها أو منصبها الوظيفي، لأنها ترتكب خطأ فادحاً في حق نفسها وفي حق زوجها، لأن الإحساس بعاطفة الأمومة لا يساويه نجاح في أي مجال آخر، خاصة أن الزوج لن يصفو لزوجته التي تحرمه من إحساس الأبوة والذرية التي يراها امتداداً له من بعده، فتتحول حياتهما إلى جحيم وتكثر المشاحنات والخلافات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"