الاسلام دين الاعتدال والوسطية

01:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

الوسطية في اللغة من وسط الشيء أي ما بين طرفيه، وغالباً ما يكون الوسط بين طرفين مذمومين، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير أو يأخذ أكثر من حقه فيطغى على الطرف الآخر ويحيف عليه، فالوسط يعني العدل والخيرية والاستقامة، وهي تفيد معنى الاعتدال والكمال في تطبيق نصوص وأحكام هذا الدين بلا إفراط ولا تفريط .

فالوسطية إذاً تمثل الاعتدال والتوازن والبعد عن التشدد والتهاون، وهذا منهج حياة ينبع من فهم الإسلام الذي بعث به سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة ورسول الإنسانية، الإسلام الحقيقي النقيّ قبل أن تشوبه الشوائب وتلحق به الزوائد والمبتدعات، وتُكدِّر صفاءه الخلافات المفرِّقة للأمة، وتلتصق به الأفكار الدخيلة عليه والثقافات الغريبة عنه .

الوسطية صفة هذه الأمة وشعارها وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة 143) . وهي من ثمار التوازن بين الإفراط والتفريط . وُصف المسلمون بها لتوسّطهم في الدّين وبعدهم عن الغلو والتقصير فيه، لذا كانوا خير الأمم، قال تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران 110)، ولا تزالُ الأُمَّةُ بخَيْرٍ ما حافَظَتْ على هذه الخَاصيَّةِ التي تتميَّزُ بها، فإِذا خرَجتْ عن الوسَطِ إلى أحَدِ جانِبَيْه ففرّطَتْ أو أَفْرَطَتْ فقد هلَكت، فالَّذِي يتطَّرف متزمت يُوجِبُ على الناس ما لَيْس بواجب، ويُحَرِّم عليهم ما لَيْسَ بمحرَّم، وربما يكفِّر المسلمينَ ويُفَسِّق الصَّالحين، فيسْتَحِلُّ دِماءَهم وأمْوالَهم، ويضاف إلى ذلك أن الإفْرَاطَ والتَّفريطَ مذمُومانِ وقد نهىَ اللهُ عنهما وذمَّ أهلَهما، قال تعالى فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا (هود 112) .

وقال صلى الله عليه وسلم إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ بالْغُلُوُّ فِي الدِّين (رواه الحاكم في المستدرك)، وضربَ لنا صلى الله عليه وسلم لذلكَ مثلاً محسُوساً، فقد خَطَّ خَطّاً وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الأَوْسَطِ فَقَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ تَلاَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام 153)، فمتى ابتعدَ الإنسانُ عن الإفْراطِ والتَّفريط فقد اعتدلَ على أوْسَطَ الطريق، فالوسَطِيَّةُ تعني اتِّباعَ الصِّراطِ المُسْتَقيم والثَّباتَ عليه والحَذَرَ من المَيْلِ إلى أَحَدِ جانِبَيْه .

ويرتبط بالوسطية مفهوم التسامح، وهو من السماحة، وتطلق في اللغة على سهولة التعامل فيما اعتاد الناس فيه المشادّة، فأصلها يرجع إلى التيسير والاعتدال، وهي من سمات الإسلام، فكثيراً ما يوصف بأنه العقيدة السمحة والدين السمح .

والوسطية يقابلها التطرّف، وهو مجاوزة حد الاعتدال والبعد عن التوسط، وهو مشتق من الطرَف أي الناحية، أو منتهى الشيء . وغالباً ما يستخدم ليعبر به عن التشدد وتجاوز الحد في الدين . ويرتبط بالتطرف مفهوم الغلوّ، ويعني الزيادة والارتفاع ومجاوزة الحد في القول والعمل والاعتقاد . والغلوّ في الأمر أو الدين أمر مذموم، قال تعالى قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل (المائدة 77) .

فالحق إذاً أن تفعل ما أراد الله على قدر الطاقة والإمكان، وتترك ما نهى عنه على وجه الإجمال، وهذه هي الوسطية والاعتدال بين الإفراط والتفريط .

والتوجيه القرآني كان دوماً يحث على الاعتدال، قال تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا . . . رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِه (البقرة 286)، ويؤكد مبدأ التيسير، قال تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (الشرح 5-6) .

وقد جاء الفقه الإسلامي ليؤكد ضرورة تمثل روح التيسير والسماحة، ونلمس ذلك من القواعد الفقهية التي أصَّلها العلماء، فمنها مثلاً: المشقة تجلب التيسير، لا ضرر ولا ضرار، الضرورات تبيح المحظورات . حتى التكاليف الشرعية ذاتها تقوم على اليسر ورفع الحرج عن الناس، بدليل الرخص التي شرعها الله سبحانه وتعالى لتخفيف المشقة عنهم أثناء قيامهم بالعزائم التي شرعها الله سبحانه، كرخصة التيمم، ورخصة الجمع والقصر في الصلاة، وإباحة الفطر في رمضان للمرض أو السفر، وغيرها .

قاضي قضاة فلسطين سابقاً

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"