الحمامات الشعبية أناقة تاريخية

16 حماماً أثرياً تستعيد مجدها في القاهرة
12:50 مساء
قراءة 6 دقائق

بين الرغبة في الاستحمام والعلاج من بعض الأمراض، والبحث عن التخسيس والتجميل، تستعيد الحمامات الشعبية في مصر شهرتها القديمة وتبقى لتقاوم زمن الجيم والمراكز والاندية الصحية والجاكوزي والساونا والبخار وغيرها من مخرجات الصحة العصرية.

ورغم أن أجيال هذا الزمان لا تعرف الكثير عن تلك الحمامات الشعبية، إلى أن قصصها وحكاياتها لم تغفلها كتب التاريخ ولا أفلام السينما القديمة فحسب، ومنها فيلم حمام الملاطيلي لمخرج الروائع صلاح أبو سيف، وهو ما أكسبها شهرة كبيرة جعلتها ملجأ لكثيرين هذه الأيام، يرون فيها مميزات لا تتمتع بها مراكز التجميل الحديثة.

البعض أرجع تاريخ إنشاء الحمامات الشعبية العامة في مصر إلى بداية العصر الإسلامي الأول وإلى عمرو بن العاص الذي نسب إليه إنشاء أول حمام عام بني بالفسطاط بمصر القديمة حاليا، بينما تذكر كتب التاريخ ومنها خطط المقريزي، أن الخليفة العزيز بالله هو أول من بنى الحمامات في العصر الفاطمي، أما فترة ازدهار الحمامات الشعبية بمصر فكانت في العصر العثماني.

سيد عبدالفتاح عاشور أحد الباحثين المهتمين بالتاريخ قال: الحمامات الشعبية كانت من أهم معالم العمارة الإسلامية في العصر العثماني. وكان عدد الحمامات الشعبية في مصر ،137 انخفضت إلى 57 حماما عام ،1888 وتقلص عددها إلى 16 حماما أثريا داخل القاهرة. وكان أشهر الحمامات الشعبية في ذلك الوقت حمام بشتك الذي بني عام 1431 بأمر من الأمير بشتك أما حمام مارجوش فيعود إنشاؤه إلى عام 1780 وحمام السلطان دانيال أنشىء عام 1456.

وأشهر الحمامات التي لا تزال باقية حتى الآن حمامات الملاطيلي وقلاوون وباب البحر، وخضع بعضها للترميم بينما بقيت حمامات أخرى على هيئتها التي أنشئت عليها قبل 5 قرون.

لم يكن هذا الزمان يعرف كاميرات التصوير ولا المراقبة ولم يسمع عن كاميرات الهاتف المحمول التي تختلس صور البنات عراة أو غير عراة، ومع ذلك كان للرقابة دورها على تلك الحمامات التي خضعت بحسب الروائية الدكتورة ريم بسيوني الباحثة المصرية المقيمة في أمريكا، لرقابة شديدة من المحتسب، أو صاحب الشرطة أو الولي شخصياً، إذ كانت حملات تفتيشية تمر للاطمئنان على نظافة الحمامات ومنع المصابين من الأمراض المعدية من ارتيادها حرصا على الصحة العامة، فضلا عن تخفى رجال الشرطة في زي العامة والدخول إلى هذه الحمامات كزبائن لمراقبة مدى الالتزام بالأخلاق العامة والآداب ومواجهة الانحرافات الأخلاقية داخلها.

الحاج زينهم أحمد صاحب حمام مرجوش أو أمير الجيوش بحي باب الشعرية في القاهرة يقول: الحمام قطعة فنية رائعة الجمال، وتعود فكرة إنشائه للرومان في القرن الثاني قبل الميلاد، إذ اعتمدت نظافة ذلك الزمان على أحواض صغيرة مملوءة بالماء الساخن أو البارد بالإضافة إلى وجود دهانات زيوت لازمة لعمل المساج والتدليك.

ويصف زينهم حمّامه قائلا: له بوابة خارجية متصلة بمدخل ينتهي بساحة كبيرة لاستقبال الزائرين وحفظ أماناتهم ومتعلقاتهم، ومجموعة من الغرف الداخلية التي تتكون كل منها من فسقية يجلس إليها الزائر ليتم تكييسه، وغرفة بها دش قديم وأخرى للمغطس تكاد لا تظهر من كثافة البخار وسقف أثري.

ومصدر المياه والبخار في الحمام بيت الحرارة، الذي يحوي مغطساً وحوضاً ممتلئا بالمياه الساخنة التي تصل إليه عبر بئر للمياه أسفل الحمام، ويتم تسخين المياه بالمستوقد الذي يوجد بجوار الحمام، الذي يكون غارقاً في سحب البخار المنبعثة من المياه الساخنة. الأدوات المستخدمة في برنامج الحمام بدائية وتقليدية، وفي مقدمتها الحجر الأحمر، الذي يستخدم في حك القدمين واليدين ليعطي النعومة المطلوبة للجلد، مع كشط وإزالة الجلد الميت من الجسم خاصة القدمين واليدين، والصابون المصنع من زيت الزيتون الطبيعي، وليفة مصنعة من قطع القماش الخشن لتدليك الجسم وإزالة الجلد والخلايا الميتة، إضافة لوابور الجاز التقليدي وأواني تسخين المياه.

ويضيف: كانت الحمامات عنصراً رئيسياً في تقاليد ومناسبات بعينها مثل الزواج والختان، وهكذا كان الحمام يستقبل الكثير من الزائرين من دون أن يميز بين فقير أو غني وبمرور الوقت تغيرت الحمامات الشعبية بعد أن آلت تبعيتها بالكامل لوزارة السياحة وهيئة الآثار، كما كانت الحمامات الشعبية مزارا دائما لبشوات عصر ثورة 1952 الذي انتعشت فيه الحمامات، وكانت مكانا للسمر وتبادل ألوان الحديث في الحياة الاجتماعية والسياسية.

وعن المترددين على الحمام اليوم، قال إنهم من سائر الوظائف ومن جميع الطبقات، اليوم أصبح الحمام يجذب بعض الشباب الراغب في استكشاف شيء جديد إلى جانب بعض السياح الأجانب والعرب.

بخار طبيعي

يسرا تمام هي واحدة من المترددات على الحمام تقول: لم أكن اعرفه وتوجهت إليه مع والدتي بدافع الفضول وحب الاستطلاع، ولكني وجدته، على عكس الشائع، مكاناً مريحاً وهادئاً ونظيفاً، بل ان بخار الماء الطبيعي خلصني من آلام ظهري إلى غير رجعة، فأصبحت زبونة دائمة أنا وبعض صديقاتي وزميلاتي من الجامعة.

ماجدة أكدت أنها سمعت عن الحمامات الشعبية كثيراً وبحثت عنها، وعرفت أن للرجال أوقاتاً وللنساء أوقاتاً أخرى وأقبلت عليها خلال فترة وجودها بمصر للراحة والاستجمام وشعرت بارتياح خاصة في غرفة البخار الطبيعي عكس البخار الكهربائي الذي استنشقته في أحد المراكز الصحية وكادت تصاب بالاختناق.

محمد عمر، رياضي وأحد المترددين على الحمامات القديمة، قال: في البداية كانت الحمامات مزدحمة يأتي إليها الناس من كل مكان بمصر ليس للنظافة فقط بل لعلاج الكثير من الأمراض الروماتيزمية والجلدية خلافا لجلسات العلاج الطبيعي والاسترخاء التي توفرها، وعرفت الحمامات حينها بالطبيب الصامت نظراً لأنها تعالج المترددين عليها في صمت.

وفي حمام السيدات قالت مديرته أم رأفت: لم تعد النساء يقبلن على الحمام مثل زمان، كذلك العرائس أعدادهن قليلة جدا، لكن هناك بعض الفتيات من البسطاء يقبلن على الحمام لرسومه القليلة التي تكون في متناول أيديهن، وفي الماضي كان العريس وعروسه يأتيان إلى الحمام يوم زفافهما، فكانت العروس تأتي منذ الصباح لإعدادها إعدادا كاملا، ويأتي العريس كذلك للاستحمام والحلاقة، وبعدها تخرج الزفة من أمام باب الحمام وحتى منزل الزوجية وسط دقات الطبول وفرحة الأهل.

تجهيز العرائس

وتضيف بالنسبة لتجهيز العروس فالحمام يقدم اليوم خدمات تتنوع ما بين نظافة للجسم وحمام وتكييس ومساج وماسكات كماسك المغربي وماسك الترمس وتكلفة ذلك لا تتعدى 200 جنيه، أما العريس فيأخذ حماما بالإضافة إلى تكييس مقابل 50 جنيها فقط.

والتكييس والبخار والماسكات وقد تعمل لدينا دارسات للتمريض وأغلب من يعملن لا يقرأن.

وفي حمام الأربعاء شرح المسؤول عنه محمد إبراهيم، نظام العمل قائلا: ينقسم اليوم في الحمام بين الرجال والنساء، فيبدأ الوقت المخصص للنساء من الساعة 6 صباحاً إلى 4 عصراً يومياً، بينما يكون الوقت المخصص للرجال في الفترة من 6 مساء إلى 6 من صباح اليوم التالي. ويستمر الحمام الصحي لمدة ساعتين، ويبدأ بأخذ حمام ساخن لمدة عشر دقائق، بعدها حمام بخار لفتح مسام الجسم لمدة بين 10- 15 دقيقة، يعقبه حمام بارد للتخلص من الافرازات والعرق الذي يسد مسام الجلد، ثم الجلوس في المغطس المليء بالماء الساخن لبعض الوقت، ثم الاسترخاء على مسطبة من الرخام، ترتفع مترا واحدا عن الأرض، وتجري عليها عملية التدليك، التي يعقبها دش ساخن بالماء والصابون لمدة ربع ساعة.

وأكدت أم عزة المسؤولة عن النساء في حمام الأربعاء، أن أغلب زبائنه من المناطق الشعبية، خاصة عند الاستعداد لليلة الزفاف.

وعن هذه الطقوس تقول: بعد أن تضع العروس طبقات كثيفة من الدهون والعطور والكريمات على جسدها تدخل حمام البخار، لتتشرب بشرتها الخلاصات المرطبة بهذه المكونات، التي تساعد على تفتيح البشرة وفتح المسام وإكساب الجسم نعومة، ثم تستحم بالماء البارد وتخلط جسمها بالأعشاب الطبيعية، التي تكون على شكل عجينة الصلصال، وهي مكونة من قشر البرتقال والليمون المهروس وخشب الصندل، وبعض الفواكه ومسحوق الترمس والذرة الممزوج بزيت الزيتون أو السمسم. وتظل على هذه الحال نصف ساعة، بعدها يتم شطف الجسم بماء الورد الغزير ثم يتعرض للبخور. ومن هنا تصبح العروس مجهزة تماما وبرائحة طيبة لتخرج من عندنا إلى بيتها أو الكوافير لإكمال زينتها.

جبريلا نعوم، عرفت الحمام الشعبي عن طريق والدتها التي تصحبها إلى الحمام بعد ذهابها إلى مراكز التجميل لأكثر من مرة، وفضلت الحمام الشعبي لأن نتائجه، كما تقول أفضل ولأنه يعتمد على البخار الطبيعي وفيه تشعر بالزمن الجميل والطبيعة وعدم التكلف، فالماء يسخن في وعاء على وابور جاز عادي. تقول جبريلا: أدفع بالمراكز الصحية أكثر من 2000 جنيه والنتائج في النهاية غير مرضية، أما في الحمام الشعبي فكل شيء مضمون وبنتائج أفضل وراحة نفسية أكثر وبسعر قد لا يصل إلى 200 جنيه.

أخشى الكاميرات

نهى القصبي، هي إحدى المترددات على الحمامات الشعبية أحبتها لنظافتها ونظامها وتكره التعامل مع المراكز الصحية بعد انتشار حوادث تصوير الفتيات عاريات بكاميرات صغيرة وأحيانا بكاميرا المحمول. وتشير الى انتشار مقاطع فيديو لفنانات مشهورات داخل المراكز الصحية وتداولها الشباب على نطاق واسع، مما جعلني أخشى من المصير نفسه على حد قولها.

وتضيف أن النساء في الحمامات الشعبية أكثر حرية وجرأة يتجمعن في مكان واحد آمن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"