القدس عاصمة للثقافة العربية 2009 (1-2)

مبدعون عرب: يجب استثمار الاحتفالية كأداة للمقاومة
02:46 صباحا
قراءة 7 دقائق

جاء اختيار وزراء الثقافة العرب لمدينة القدس لتكون عاصمة ثقافية للعالم العربي خلال العام ،2009 ليضع تحديا كبيرا ليس على مستوى وزراء الثقافة فقط، ولكن على الدول العربية، في ظل ما تتعرض له القدس من محاولات تهويد واستيطان لتغيير هويتها الفلسطينية والعربية.

وفي استطلاع الخليج لعدد من آراء مفكرين ومثقفين، لا يختلفون على أهمية الاختيار وإن جاء متأخرا إلا أنهم يعتبرونه اختيارا في موضعه، ويفرض على جميع الدول العربية تحديا جديدا في معركة الصراع الثقافي مع إسرائيل، باعتبار القدس قضية عربية، وليست فقط فلسطينية.

الخروج إلى الآخر

لا يجب أن تركز احتفالية القدس على العرب، فنحن لسنا بحاجة إلى أن نقنع بعضنا بعضا، بل علينا بالخروج إلى الآخر، من خلال حضور الأدب الفلسطيني في اللغات الاجنبية، والاشتغال مع مترجمين كبار ومع دور نشر لها سمعة عالمية، من أجل أيصال صوت الثقافة الفلسطينية إلى الخارج، حتى لا يعتقد الغرب ومن والاه أنّ الفلسطينيين شعب من القتلة وما إلى ذلك، ويجب أيضا التفكير في عقد ندوة كبيرة حول القدس في الذاكرة الانسانية ليس مع المثقفين فحسب بل مع الهيئات الدينية العالمية بما فيها المسيحية واليهودية، دفاعا عن الثقافة العميقة.

ويدعو أصحاب الاستطلاع وزارات الثقافة إلى استثمار مناسبة الاختيار لإبراز الهوية العربية لمدينة القدس الشريف، وتجذير الوجود العربي والفلسطيني بها، بعيدا عن الاجتماعات داخل الغرف المغلقة، التي لا يرون أنها تصنع جديدا في ظل الفشل السياسي العربي لتأكيد هوية القدس إزاء الممارسات الإسرائيلية.

ويشدد عدد من عينة الاستطلاع على ضرورة جعل قضية القدس متوهجة ثقافيا، وجعل الاحتفال بها كعاصمة ثقافية للعالم العربي على مدار العام، بحيث تتكامل الاحتفالات والظواهر الثقافية في جميع الدول العربية.

تقول الكاتبة السورية نعمة خالد: نحن في سوريا حتى الآن لم نشكل لجاناً لترتيب الأنشطة اللهم إذا كان اتحاد الكتاب الفلسطينيين في سوريا هو الجهة التي تنظم مثل هذه الفعاليات وحتى في رام الله ليس هناك لجنة لمتابعة الفعاليات الثقافية والحال سيكون على الرغم من أهمية هذه الاحتفالية كما هو في احتفاليات العواصم العربية ولا أتوقع أن يكون هناك خصوصية كخصوصية القدس علما أن خصوصية هذه الاحتفالية بالقدس عاصمة للثقافة العربية تفوق كل الخصوصيات للعواصم العربية فهي تؤكد عروبة القدس وأحقيتنا بها وان تكون هي عاصمة الدولة الفلسطينية. ولعل في إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية تحدياً للاحتلال وما يحاوله من تهديد للقدس سواء عبر التضخم السكاني بالمستوطنات أو عبر إغلاقه للبيوت والمراكز الثقافية الفلسطينية مثل بيت الشرق وغيره، ورغم محاولته بتثبيت البعد الروحي بأن القدس يهودية عبر تخريب وإلغاء معالم الأقصى تحت يافطة البحث عن الهيكل من خلال الحفريات التي ستؤدي لا محالة إلى محو معلم كان أولى القبلتين وثالث الحرمين.

كل هذا يعطي للقدس خصوصيتها ولعل اللجنة السورية لدعم القدس عاصمة للثقافة العربية هي السباقة لتثبيت عروبة القدس وخصوصيتها في الوقت الذي تغيب القدس عن فكر الكثيرين عربيا وإسلاميا ودوليا.

ويبدأ د.عبدالله أبو هيف مستشار وزير الثقافة السوري حديثه بالاشارة إلى فكرة العاصمة الثقافية ويقول: أطلقت جامعة الدول العربية العواصم الثقافية الاحتفالية منذ عام 1996 وكانت أول عاصمة هي القاهرة ثم تونس وتلتها عواصم ثقافية في الإمارات والكويت والمغرب والأردن الخ.. وهذه المنظورات الثقافية في هذه العواصم تؤكد التحديث في الثقافة العربية من جهة والحوار الثقافي العربي من جهة ثانية والدفاع عن الوجود العربي الوطني والقومي في مواجهة العولمة من جهة ثالثة. وعندما تقرر أن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009 تتجلى أبعاد ورؤى الثقافة العربية في المقاومة (الخارجية والداخلية ) وهذا كله تقوم به الأقطار العربية في هذا التواصل من اجل وعي الذات بأهمية الدفاع عن الأوضاع العربية، خاصة ما يحصل في فلسطين من احتلال غاشم إضافة إلى المزيد من القضايا التي تكمن في الضغط على الأمة العربية. وأشير إلى العديد من هذه التحديات في العراق ولبنان والسودان وغيرها. وكل هذه القضايا لا تنقطع أيضاً عن ضرورة الدفاع عن فلسطين خاصة وعن الأمة العربية عامة, وهذه المنظورات والقضايا تبرز في القدس عاصمة الثقافة العربية من خلال هذا التواصل والتشارك الوطني والقومي في احتفاليات القدس عاصمة الثقافة العربية.

القدس والآخر

أعتقد أنّ الصيغة المثلى للاحتفال بالقدس تكمن أولا في وضع خطة لحوار ثقافي ما بين المثقفين الفلسطينيين وبين الآخر سيما مثقفي الغرب ..هكذا يبدأ الكاتب الجزائري د. أمين الزاوي حديثه ويتابع قائلاً: فهذا الحوار كفيل بإشعار الغرب، بما تكابده القدس وما تتعرض له الثقافة الفلسطينية من تهديد وتشريد وقتل أيضا.

والحوار الذي يجب أن يؤسس له في ،2009 ينبغي أن يتفادى أخطاء الحوار السياسي الفلسطيني، بحيث يعتمد مفردات وقوالب وتنميطات ثقافية أخرى، كما أنّه من خلال انفتاح الاحتفالية المذكورة على الغرب، من شأنه التعجيل بتأسيس قافلة الثقافة الفلسطينية وهذا يكون بالتخطيط مع الآخر، في صورة الاتحاد الاوروبي ومد جسور مع أدبائه وسينمائييه ورساميه، واطلاعهم على ما تختزنه الثروة الثقافية الفلسطينية.

وهنا في الجزائر ستسعى المكتبة الوطنية هذه السنة لإطلاق المكتبة الافتراضية الخاصة بالأدب الفلسطيني، بحيث يتم تقديم أهم النصوص الفلسطينية للعالم بكل اللغات، كما أننا في المكتبة الوطنية سنشتغل على برمجة ندوة كبيرة حول الأدب الفلسطيني في اللغات الأخرى، وسنحاول جمع مترجمين وأصحاب دور النشر التي ترجمت هذا الأدب، كذلك نفكر في تنظيم ندوة أخرى تحت مسمى المثقفون الفلسطينيون في الشتات سواء كان في العالم العربي أو في مناطق أخرى عبر العالم.

أما رئيس رابطة الكتاب الاردنيين الاسبق الروائي جمال ناجي فقال: ان اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009 يعد اختباراً لما يمكن فعله لوضع مأساة القدس وتداعياتها على طاولات الاجتماعات وأمام الشعوب والحكومات العربية شريطة ان يكون الاحتفاء بالمدينة على مستوى وزنها التاريخي والثقافي والروحي متجاوزاً حيز المكان الفلسطيني والعربي والإسلامي. فدور المثقف العربي ازاء القدس في هذه المرحلة يتمثل في التصدي بالمفهوم الثقافي والعربي لا الخطابي لمساعي طمس الهوية العربية للقدس ومؤسسة هذا الدور الثقافي وتنظيمه بحيث يمتد إلى سائر أنحاء العالم عبر الوسائل الثقافية والاعلامية والتكنولوجية المتاحة، واعتبار هذا الدور جزءا أساسيا من المهام التي يتوجب أن يضطلع بها المثقفون العرب أكثر من غيرهم.

ويضيف ناجي: حتى الآن لم نلمس اهتماما فلسطينيا كافيا بهذا المشروع الذي يعد محطة رئيسية في الصراع الثقافي العربي الإسرائيلي، ولسنا ندري ما الذي ستفعله اللجنة المكلفة لتنفيذ هذا المشروع من أجل إنجاحه، وما هي الجداول الزمنية والمكانية لفعالياته المنشودة؟ وهل ستتم داخل فلسطين أم خارجها؟ عبر الأثير أم على الأرض؟ وكيف سيتسنى للمثقفين العرب أن يترجموا مشاركاتهم التي نتوقع أن يكون لها أثر عميق في الدفاع عن عروبة هذه المدينة؟ وعربيا، لا أشعر بأن هنالك استعدادات كافية فيما أعلن حتى الآن لإنجاح هذه المناسبة الكبرى، كل ما نسمعه هو تصريحات صحافية واعلامية، وحسب علمي، فإن أحدا لم يباشر ببحث المسألة مع المثقفين العرب ومؤسساتهم بشكل عملي.

وقال مقرر المجلس التنفيذي للهيئة العربية للمسرح في الاردن الفنان غنام غنام: ان أهمية اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية يكمن في موقعها على خارطة العواصم العربية، القدس التي تمارس ضدها أبشع محاولات الهدم التاريخي، وعمليات تشبه محاولات تغيير الجنس القهري. فيجب إعادة الثقافة إلى حضن أمها القدس التي منحت البشرية الفكر التوحيدي، والتي وجد فيها الأنبياء، القدس التي ربطت السماء بالأرض، وكانت قبلة الناس على مختلف أديانهم.

وعن دور المثقف في القدس في هذه المرحلة يتابع غنام ان العمل من أجل القدس عاصمة الثقافة (فرض عين على كل مثقف عربي ومواطن) وليس فرض كفاية. أنا شخصياً ومن عشية إعلان القدس عاصمة للثقافة عام 2009 أعلنت بأن بوصلتي طوال 2009 تتجه إلى القدس، فالعمل المسرحي الذي سأ قدمه للأطفال، والعمل الذي سأقدمه للكبار المحترفين، والنص الذي سأكتبه، كله سيكون لخدمة القدس عاصمة الثقافة سواء كان ذلك بجهود فردية تطوعية أو بالعمل ضمن مؤسسات رسمية أو شعبية وأعلن استعدادي للذهاب من أجل المشاركة في أي فعالية من أجل القدس (حتى لو اضطررت للذهاب ماشياً حافياً على قدمي). وأعتقد أن كل تجمع (ثقافي، فني، رياضي، اجتماعي) يجب أن يضع أجندة عمل لا تقبل التهاون، وكذلك كل مثقف.

وازاء ما يمكن تقديمه لانجاح عام القدس الثقافي طالب بإحداث موقع الكتروني محدد للقدس من الجامعة العربية تبرمج عليه كل الفعاليات بمعرفة لجنة تنسيق، وان تعلن جميع المهرجانات المحلية والفعاليات المختلفة والبطولات الرياضية باسم القدس على امتداد العالم العربي، الى جانب اعداد أسبوع عربي على مناطق متاخمة لفلسطين المحتلة في عواصم المحيط القدسي. وان تحمل الصحف والمحطات التلفزيونية والإذاعية العربية كلها شعاراً يعبر عن القدس عاصمة الثقافة.

ويرى الفنان التشكيلي الاردني عصام طنطاوي ان كل الايام واجب تقديمها للقدس وفلسطين، وان يبتعد الاحتفال عن كونه بروتوكولياً، فالقدس عاصمة عربية واسلامية قبل ان تكون فلسطينية، وقال: من لا قدس له لا وطن ولا ذاكرة له، فهي ذاكرة العربية مثلما هي ذاكرة كل ثائر وشاعر وفنان وانسان وهي مركز الصراع، فالقدس وفلسطين متلازمتان لا فصل بينهما، وطالب المثقفين العرب الوقوف بشموخ واعتبار المدينة غير قابلة للمساومة ولا للتهويد، الاولى بالمثقفين العرب ان يكونوا شركاء في لعبة التاريخ لا مجرد مجرد زخرف لغوي أو لوني على هامش القضية، وعلى الشعراء خاصة ان يتقدموا الجماهير بعيداً عن الامسيات المقصورة على النُخب المثقفة. وقال انني لا اعرف عن استعدادات بالمناسبة في الوطن العربي وعندما اتخيلها اجدها كلمات لأصحاب المعالي وشيء من التاريخ ومعرض صور لتمضي المناسبة.

دعوة للمشاركة

إن قرار أن تكون القدس عاصمة للثقافة العربية في عام 2009 هو حدث يؤكد عروبة القدس وأحقية الفلسطيني في هذه الأرض التي ميزها الله في دياناته لذلك فإن الجميع مدعو للمشاركة في هذا الحدث الكبير حتى الفلسطينيين في الشتات فإن الفرص متاحة لهم للمشاركة في احتفالية العاصمة الثقافية (القدس) ولكن في واقع الأمر كما هو الحال في وطننا العربي لن تتعدى هذه المشاركة النشاطات الصحافية وان الدول التي ستستضيف أشهرا في عواصمها هذا الحدث سيكون في إطار مؤسساتها الرسمية وكان من المفترض أن تشكل اللجنة العامة للقدس عاصمة للثقافة العربية من أبناء القدس حصرا ولكن نتيجة لظروف وشروط الاحتلال فإن هذا قد وضع عراقيل أمام مثقفي الداخل وانه حتى الآن لم تشكل لجان فلسطينية تتفاعل مع المؤسسات العربية في الشتات وقد يطغى على هذه الاحتفالية في المنافي الفعل الذاتي أو الفردي الذي سيحاول أن يثبت أن القدس عاصمة للثقافة العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"