المريجة . . أرض الروحانيات والأساطير

تمتد جذورها إلى القرن 17 الميلادي
06:52 صباحا
قراءة 5 دقائق
تعد منطقة المريجة الأكثر شهرة في الشارقة بحكم أنها الأقدم عمرانياً، ويرجع تاريخها إلى القرن السابع عشر الميلادي، ومنها خرج العديد من رجال الإعلام والفكر، وارتبطت بها أحداث كثيرة، وهي مهد الخرافات التي كانت ترددها الجدات والأمهات، وما زالت تتردد خصوصاً في المناسبات والمهرجانات التراثية .
وتميزت بيوتها بالشكل العمراني الذي يعبر عن الثقافة الإسلامية، ما جعلها مختلفة عن بيوت أحياء الشارقة، واشتهرت بأشجار اللوز والليمون، والسدر .
وتقع المريجة في جهة الشمال على خور الشارقة مباشرة، ويحدها من الجنوب شارع العروبة، وتحدها من الغرب الجبيل، في حين تقع منطقة العرصة في الجهة الشرقية لها، إضافة إلى منطقة الشيوخ .
يشير عبدالعزيز المسلم مدير إدارة التراث بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة إلى أن المريجة من المناطق المهمة في الشارقة لذلك تلقى اهتماماً كبيراً، خصوصاً أنها تضم منطقة الفنون والشارقة القديمة التي يقام فيها مهرجان التراث سنوياً، المعالم التي توليها إمارة الشارقة اهتماماً خاصاً، لافتاً إلى أن المريجة تقع ضمن نطاق يسمى الغرب، وهي الأكثر شهرة، لأن كل الدلائل تشير إلى أنها الأقدم عمرانياً، وكثير من العائلات في الشارقة ورجال الإعلام والفكر خرجوا منها، وكثير من الأحداث ارتبطت بها وبعائلاتها .
وأوضح أن الكثير من الخرافات، ابتدعت في المريجة، ومنها جني المريجة، السكيك، خاصة أن كل سكة فيها لها حكاية يرويها الناس حتى اليوم، ومنهم من شاهد خرافات خطاف رفاي الذي كان يخرج في سكيك المريجة، وأبو الصناقل الذي كان يخرج ويسجن في خرابة بجانب المسجد، مشيراً إلى أن المريجة كانت منبعاً لكثير من الحكايات، والأحاديث التي كانت تدور في المجالس، خاصة الخرافات لدرجة أن المصائب والحوادث التي كانت تقع في الماضي، دائماً ما كانت تعزى إلى تلك الخرافات بسبب الحديث فيها بين الناس، لذلك أدرجت ضمن أقسام الأدب الشعبي تحت باب الحكايات الخرافية .
يقول المسلم: احتضن فريج المريجة عديداً من الأسر والعائلات التي اشتهرت بها المنطقة الغربية من إمارة الشارقة، مثل قبائل العبادلة، والمنانعة، والمزاريع، واشتهروا بتعدد أنشطتهم التجارية، ورحلاتهم عبر البحار والمحيطات، موضحاً أن أسباب انتشار الخرافات في منطقة المريجة ترجع إلى أن مجتمع الإمارات في الماضي كان يعيش في عزلة بحتة وانفتاح اقتصادي، وعلى الرغم من أن الحياة كانت بسيطة كبساطة الناس وطيبتهم النادرة، إلا أنهم كانوا كثيري الحذر والحيطة، عند الاتصال بالآخر، ما أدى إلى بروز حالة من الانعزال، الذي كان بيئة لتلك الخرافات، لذلك وجدت جني المريجة التي ارتبطت بتلك المنطقة على مستوى الدولة، وكان الناس يصفونها بأنها تتجسد على هيئة إنسان، وقالوا إن حجمها صغير وتشبه الطفل، ودائماً تظهر عارية، ولها شعر كثيف جداً، ودائماً عيناها طوليتان وليستا عرضيتين، وساد اعتقاد بوجودها بصورة دائمة في كل مكان بالمريحة ولا تؤذي أهلها، لكنها تتعمد إسقاط أذاها على الناس من خارجها، ولا تسمح بدخول الغرباء .
ويشير علي عبيد إلى أنه نشأ في منطقة الشويهين المتاخمة للمريجة، التي كان يحبها، لكثرة صداقاته فيها، فكان يلعب في أزقتها وحاراتها، ويسمع الحكايات التي أسهمت في تكوينه الفني والفكري، وانطلق من رحابها إلى تحقيق نجاحات كبيرة في مجال التجارة التي يعمل فيها، مشيراً إلى أن المنطقة لم تكن تختلف عن منطقة الشويهين إلا في مضمون الخرافات، ففي مقابل جني المريجة، كانت هناك أسطورة بابا دريا في الشويهين، وهو عفريت البحر العملاق الذي كان يشاع أنه يخيف الأطفال والكبار في وقت الليل عندما يقتربون من البحر، وهي حكاية كانت جدته تحكيها لهم في غرفتها بصحبة أولاد الأسرة .
ويحكي سالم علي محمد من الشويهين قائلاً: كان يرى الناس أثناء لعبه في المريجة مع رفقاء طفولته يحكون عن البحر وعلاقتهم به، وعن أحلامهم التي كانت تذهب إلى أبعد مما يتصور الإنسان، خصوصاً أنها كانت تمتد إلى ما وراء البحر من الجهة الأخرى، لافتاً إلى أن علاقات هؤلاء الناس ببعضهم كانت تسودها الحميمية والحب والاحترام، وهو ما كان يظهر في الأفراح والأحزان .
وأشار إلى أنه رغم صعوبة الحياة خلال تلك الفترة، إلا أن الروحانيات كانت من أهم مكونات المعيشة .
علي بن سيف عبيد الذي يزيد عمره على 80 سنة يذهب إلى بعيد متذكراً لعبه ولهوه في الفريج خصوصاً بعد صلاة العصر، والذي كان يمتد إلى ما بعد صلاة العشاء في المسجد لا ينسى لعبه ومرحه في فريج المريجة، لأنه لم يكن مسموحاً للصغار قبل ذلك بالخروج إلا مع أهلهم، لمعرفتهم بأن الجن تملأ كل أرجاء الفريج، موضحاً أن الحياة كانت تقوم على الغوص وما كان يجود به البحر على الناس، ورغم صعوبة الحياة وقتئذ إلا أن الروحانيات كانت من أهم مكونات الأشياء في البيوت كلها .
ويتحدث عبدالعزيز المسلم من جديد عن العمران، موضحاً أنه كان من أهم مميزات المريجة، وكان يتضمن الزخرفة الإسلامية التي كانت في قليل من البيوت خصوصاً التي يعمل أصحابها في التجارة، فيما بقية البيوت من سعف النخيل، ما يشير إلى أن العمارة كانت تقليدية، وموهبة الإماراتي في الإبداع هي التي أظهرت الزخارف من خلال تعامله مع المواد الأولية كالخشب، التي حولها إلى فن، لا يخلو من روعة التصميم العمراني، وتركت بصمتها حتى الآن على أبواب وشبابيك البيوت القديمة التي لا تزال باقية تتحدى الزمن، وتحظى بإعجاب الناس من الزوار، مؤكداً أن المباني التي شيدها تجار اللؤلؤ في العديد من المناطق، ومنها المريجة مثل بيت النابودة الذي تحول حالياً إلى متحف للتراث، ومجلس إبراهيم المدفع ومسجد النابودة، استخدم فيها الحجر الأحمر الجيري، وشيدت من طابقين ويتوسطها فناء داخلي، وبها حجرات منفصلة للرجال والنساء، ونوافذ عالية وجدران تحفظ خصوصية العائلة .
ويتذكر عبيد بن حسن، وعمره 70 سنة، أنه ولد وتربى في المريجة، الأشكال العمرانية للبيوت، وطلاءها في الأعياد والمناسبات خاصة في الأفراح والأعياد والعودة من الحج، ما كان يوفر جواً من الفرح والبهجة، لدى الصغار لأنهم كانوا يلتهمون الحلويات وقتها، موضحاً أن العمارة القديمة كانت تعكس بساطة أهل المريجة لأن اختيارات التصميم لم تكن إلا من نصيب قلة من الناس، فيما بقيتهم ينتمون إلى الطبقة العاملة، وهي الطبقة التي كانت تعتمد على المواد الأولية التي كانت متوافرة بكثرة .
ولفت إلى أنه ترك المريجة إلى منطقة أخرى لكنه ما زال يذهب إليها يومياً يلتقي الأصدقاء القدامى في المقهى، يتذكر معهم لعبهم الذي كان لا يهدأ إلا عندما كانوا يخلدون إلى النوم، ويستيقظون على أصوات العصافير في الصباح الباكر، الذي كانوا يقطعون فيه المسافات بين البيوت الجديدة المشيدة بالجص والحجر الجيري وكانت متاخمة للبحر الذي كان يمثل لهم كل حياتهم، وبها محال تتاجر في اللؤلؤ والقماش والذهب والطعام، وكلها كان يتم جلبها عن طريق البحر، مشيراً إلى أن مبنى الجوازات والجمارك كان في قلب المريجة في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، ومازال المكان الذي كان مخصصاً لهما قائماً، لكنه متهدم، مشيراً إلى أن مسجد النابودة، كان من ضمن العلامات التي تتميز بها المنطقة، ومازال قائماً حتى الآن .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"