بيدي لا بيد عمرو

نبضات
01:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

بيدي لا بيد عمْرو هذا مَثَلٌ قالته العرب وسار بين أشهر أمثالها، وقصته تتلخص في قضية ثأر مركّب، وقائلة المثل هي نائلة الزباء، بنت أحد ملوك العرب ممن هاجمهم جذيمة الأبرش ملك العراق، فقتله وفرق جماعته، وأسرّت ابنته التي ملكت بعده الثأر في نفسها، وتقربت من جذيمة وأغرته بالزواج منها وضم ملكها إلى ملكه، فصدقها حتى أدخلته بلادها وبطشت به، فعزم ابن أخته عمرو بن عدي اللخمي على الثأر لخاله بخطة ذكية نفذها له (قصير) وزير خاله جذيمة من قبل، وعندما تمكن عمرو من الزباء وهي هاربة فمنعها من إتمام فرارها، مصّت سما كانت قد خزنته في فص خاتمها تحسباً لمثل هذا اليوم، وقالت: بيدي لا بيد عمرو. تريد أن موتها سيكون انتحارا بيدها، لا ثأراً بيد عمرو، لكيلا تنيله فخر قتلها، ولا تشفي غليله بالنيل منها بيده، لكن عَمْرا عندما فهم ما فعلته عاجلها بالسيف فقتلها قبل سريان مفعول السم في جسمها.

هذا المثل إذن يتحدث عن الثأر، ويقال في مواقف الهزيمة عندما يقرر المرء أن يهزم عدوه في لحظة انتصاره بألا يمكنه من نفسه أو ملكه أو ما شابه، فيتخلص منهم بيده قبل أن يفعل العدو، وهو مشاهَد معروف خاصة في هزائم الدول وتخريب أهلها لبيوتهم وممتلكاتهم قبل أن يصلهم العدو لكيلا يستفيد منها.

ويستعمل المثل في مواقف شبيهة يفضل فيها المرء أن يفعل الشيء بنفسه قبل أن يقوم به الطرف الآخر.

لكني أسوق هذا المثل اليوم لا للدعوة للانتحار ولا للهزيمة ولا النصر المنتزع من أنياب الموت في اللحظات الأخيرة كما حلمت الزباء.

بل إنني أسوقه لكي نتخذه مثلاً في موقف جديد، أسوقه لكي نتعامل معه بروح الشباب الوثابة المتألقة، أسوقه لكي نقلب به المعايير التي اعتاد الآخرون أن يرونا عليها، أريد أن يتخذ كل واحد منا هذا المثل شعاراً له.. ولكن بوجهه المشرق، ومن ناحيته الإيجابية، فبيدي لا بيد عمرو تعني أنني أقوم بعملي بنفسي لا بيد الآخرين.

بيدي لا بيد عمرو تعني أني أعد بحث التخرج وتقرير الفصل بنفسي لا بيد أستاذ آخر أو جهة مرتزقة، أسلمها نفسي وعقلي لتكتب لي ما تشاء، بل أحتمل ضيق الوقت، وتزايد الأعباء، وضغط الامتحان، وأقدم بحثي بيدي لا بيد عمرو أيا كان عمرو هذا.

بيدي لا بيد عمرو تعني أنني أستمتع بكل لحظة أعد فيها مشروعي أو أكتب بحثي لأنها فرصتي للتدرب على العمل الحقيقي.

بيدي لا بيد عمرو تعني أنني لا أكتسب درجاتي إلا بعلمي وجهدي، ولا أنال شهادتي إلا وأنا أستحقها استحقاقاً تاماً.

بيدي لا بيد عمرو تعني أنني أستفيد من كل جزئية عملتها أو معلومة اطلعت عليها أو صفحة أعددتها.

بيدي لا بيد عمرو تعني أنني أخدم بلادي ومجتمعي بيدي وبحثي وعملي لا بيد آخرين ولو كانوا أعلى مني وأحتسب الأجر في ذلك لأنني أتقن عملي بيدي.

بيدي لا بيد عمرو تعني أنني أحرص على تنمية نفسي، وتطوير مهاراتي، وصقل مواهبي وملكاتي، واستفراغ وسعي وطاقاتي، قبل أن أواجه ما يحرجني ويشعرني أني صغير لا أساوي شيئا.

بيدي لا بيد عمرو تعني أني أعتمد على مطالعاتي الخاصة، وبحثي الشخصي في التعرف إلى كثير من الأمور ولا أتقبل ما يقوله الآخرون على أنه حقيقة مسلمة - فيما عدا الحقائق القاطعة - قبل أن أطالع بنفسي وأكوّن رأيي الخاص.

بيدي لا بيد عمرو تعني أني أربي أولادي وإخواني بنفسي، ولا أسمح للتأثيرات الخارجية أن تسيطر عليهم، لا أتركها تربيهم على هواها وهوى منشئيها، لا أتركهم فريسة للإعلام الهابط ولا الشارع الساقط ولا الأصحاب السلبيين.

بيدي لا بيد عمرو تعني أنني أبادر إلى تعديل السلوك غير الصحيح، وأجعل من نفسي قدوة لمن حولي، ولا أنتظر أن يأتي من يغيرني بالقوة إلى اتجاه قد لا يناسبني ولا يريحني أبدا.

بيدي لا بيد عمرو تعني أنني أخدم نفسي بنفسي، ولا أطلب من أحد أن يساعدني في شيء ما خاصة في الأمور الصغيرة التي يقبح بالمرء أن يطلبها من الآخر ويكلفه بها ولا يعتمد على نفسه في إنجازها.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم الناس أن يقوموا بحاجاتهم بأنفسهم وينفرهم من طلبها من غيرهم، فيقول: لا تسألوا الناس شيئاً فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"