عمرو بن عبيد . . شيخ المعتزلة

في رحاب التابعين
01:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

تتلمذ على يد الحسن البصري، سيد التابعين، واختلف معه في موقفه من التأويل العقلي للنصوص الدينية، وخرج على نهج أستاذه في التفسير، حيث تعرف إلى واصل بن عطاء في مجلس الحسن البصري وشاركه في تأسيس فرقة المعتزلة .

هو أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب البصري، أصله من الموالي، احتل مكانة كبيرة في تاريخ المدرسة الاعتزالية، وتنسب إليه مع مؤسسها واصل بن عطاء، فقد اشتركا معاً في تأسيس هذه المدرسة، وكان من أعلم الناس بأمور الدين، إماماً، مجتهداً، مجادلاً، قوي الحجة في عرض آرائه والاستدلال عليها، صاحب نزعة عقلية، وهو مع قوة جدله كان ممن يقولون الشعر الذي يخاطب الوجدان الديني ويؤثر في سامعيه، كما كان ذا نزعة عقلية في مجال الحديث والتفسير، أوقف حياته للدفاع عن الإسلام، واشتهر بالزهد والتقوى والورع والعبادة، وكانت فترة رئاسته لمذهب الاعتزال بعد واصل استمراراً لوجود المدرسة ونشر أفكارها .

كانت له صلة بالخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، فقد كان صاحبه وصديقه قبل الخلافة، ثم امتدت تلك العلاقة بعد توليه الخلافة، وكان يؤثر فيه بما ملك من حسن اللسان وجزالة اللفظ، والعبارات التي ينطق بها . توفي في طريق مكة ودفن ب(مران) سنة 144ه .

نزعة عقلية

وتقول الدكتورة منى أبو زيد في موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: كان لعمرو بن عبيد نزعة عقلية واضحة طبّقها على آرائه في الفقه والتفسير والحديث، ويعد من المفسرين الذين لم يقفوا بالتفسير عند حد تفسير الآيات فقط بل تعداه إلى التأويل، كي يؤيد عقائده الكلامية التي يستدل عليها بحجج نقلية، كما اشتهر بنزعته النقدية في الحديث، وأدى هذا بالبعض إلى القول إنه رفض الحديث، إلا أن الحقيقة أنه لم يرفض الحديث برمته، بل كان يرى الأخذ بالأحاديث المشهورة والمتواترة، وأنها توجب العلم والعمل .غير أنه تحفظ في الأخذ بأحاديث الآحاد .

أثبت عمرو بن عبيد الحرية الإنسانية، ورأى استحالة تكليف الله للإنسان بما لا يطيق: لأنه إذا كلفه بما لا يقدر عليه صار ذلك ظلماً، والله يوصف بالعدل الإلهي، وهذا يقتضي التمكين من التكليف، مصداقاً لقوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (سورة البقرة الآية 286) فالإنسان يكلف بما يطيق ويقدر، فإذا فقد شرط القدرة سقط عنه التكليف .

كان عمرو بن عبيد في أول أمره على مذهب الحسن البصري في ما يتعلق بنفاق مرتكب الكبيرة، غير أنه ترك مذهب الحسن البصري وانضم إلى مذهب واصل بن عطاء بعد مناظرة تمت بينهما، حيث اقتنع عمرو بمذهب واصل في المنزلة بين المنزلتين .

ترتبط مسألة الإيمان في فكره بالمنزلة بين المنزلتين، لأن هذه المسألة تتعلق بالأسماء والأحكام التي تطلق على المؤمن، أو مرتكب الكبيرة، ورأى عمرو بن عبيد أن الإيمان ليس مجرد التصديق بالقلب أو النطق باللسان فقط، وإنما لابد أن تصدقه الجوارح بالعمل، فالإيمان عنده اعتقاد وعمل .

ذهب عمرو بن عبيد إلى أن الله تعالى وعد عباده الطائعين بالجنة والثواب، وتوعد العصاة بالنار والعقاب، وهو لابد منجز وعده ووعيده، لأن خلف الوعد كذب، وخلف الوعيد ظلم، وكل هذا لا يستقيم وعدالته تعالى المطلقة، فضلاً عما يقتضيه من التنزيه عن الظلم والكذب، واستدل على هذا بآيات وردت في القرآن الكريم مؤيدة بأدلة عقلية .

الأمر بالمعروف

طبّق عمرو بن عبيد أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جانبين: أخلاقي وسياسي، ففي المجال الأخلاقي دعا إلى نشر العدالة والمساواة بين الناس، وكثيراً ما كان يعظ الخليفة المنصور، ولم يغره المال أو المنصب، فكان أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر خالصاً لوجه الله تعالى لإقامة قواعد الدين وأحكامه .

ولعمرو بن عبيد تصوره الخاص في كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ يذهب جميع المعتزلة وبعض الخوارج والزيدية إلى وجوب استعمال القوة، إذا لم يكن دفع المنكر إلا بها، ويفرضون ذلك على أهل الحق، أما هو فلم ير البدء بالقوة، بل يبدأ بالموعظة الحسنة التي تؤثر في قلوب سامعيه، وتحفظ كثيراً على فكرة استخدام القوة، وكان يقول: مَنْ يحمل السلاح فليس منا، ولم يكن رفضه للقوة رفضاً مطلقاً، ولكنها وسيلة لا يلجأ إليها إلا إذا استنفد كل الوسائل اللينة ويشترط التمكن منها، فهو يرفض القوة التي تدفع إلى مجرد التمرد على الحاكم الجائر، أو الفوضى السياسية .

ويشترط عمرو لتمام التمكن للخروج على الحاكم الجائر أن يجتمع عدد مثل ما اجتمع للرسول صلى الله عليه وسلم، وكثيراً ما قدم النصائح للخليفة أبي جعفر المنصور، كاعتراضه على إسناد ولاية العهد لابنه محمد المهدي، وكذلك حثه على التخلص من بطانته المقربين، ومن نصائحه الجريئة قوله: ومُرْ عمالك بالعدل والإنصاف .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"