ليل دائم في فضاء الكون

12:46 مساء
قراءة 4 دقائق

قال تعالى: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مّنَ السّمَاءِ فَظَلّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ . لَقَالُواْ إِنّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مّسْحُورُونَ، (الحجر: 14- 15) .

عندما صعد يوري غاغارين إلى الفضاء وهو أول رائد فضاء يصل إلى الفضاء الخارجي في 12 إبريل/ نيسان عام 1961 فوجئ بظلمته الحالكة وبليله الدامس المحيط بالشمس وبالأجرام كافة، وإذا به يتصل بمركز انطلاق المركبة، ويخبر الباحثين بأنه أصبح لا يرى شيئاً وكأن العمى قد أصابه وعلى الرغم من أن المركبة انطلقت في وضح النهار، إلا أنه بعد وقت قليل من تجاوزها الغلاف الجوي، دخلت في منطقة لا هواء فيها، وأصبح الجو في الفضاء ظلاماً مهيمناً! وهنا نتساءل ما الذي حدث؟

الواقع أن أشعة الشمس إذا وصلت إلى الغلاف الجوي تتناثر، فانتثار الضوء ظاهرة علمية، أساسها أن أشعة الشمس تنعكس على ذرات الهواء، وكل ذرة تعكس على أختها من أشعة الشمس شيئاً . وفي الأرض تبدو هذه الظاهرة جلية حتى وإن كان هناك غياب لأشعة الشمس، حيث يبدو النهار مضيئاً، ونرى كل شيء . أما في الفضاء الجوي فلا وجود لهواء، أي لا انتثار للضوء، فالجو هناك ظلام دامس، ولا يرى في الفضاء الخارجي إلا قرص الشمس فقط، وحينما نظر جاجارين من نافذة المركبة ورأى ظلاماً دامساً مطبقاً وصاح: لا أرى شيئاً، فذلك لأن الفضاء الخارجي ليس فيه هواء، وبالتالي ليس فيه انتثار لضوء .

ويقول العلماء إن الأصل في الفضاء الخارجي هو الظلام والظلمة نسبية فالفضاء مملوء بالموجات الكهرومغناطيسيه التي تتحرك في جميع الاتجاهات والسبب في كوننا لا نراها هو أن عين الإنسان لا ترى إلا جزءاً ضئيلاً من هذه الموجات وهي الأطياف المعروفة ولكننا عندما نستكشف الفضاء بأجهزه تستطيع أن ترى الموجات التي لا نراها فإننا نرى الفضاء مملوءاً بالأشياء المبهرة . وهكذا نرى أن الظلمة عبارة عن عدم وجود شعاع ضوئي والضوء تشعه النجوم في الفضاء، وهذه النجوم غير كافية لنشر ضوء في جميع أنحاء الفضاء، ولذا نرى الكون مظلماً مع نقاط مضيئة هي النجوم وهذا يعني أن ظلمة الفضاء الخارجي ظاهرية بالنسبة لأعيننا ولو استطعنا كبشر رؤية كل أطياف الموجات الكهرومغناطيسية لرأينا العجب العجاب!

منافذ الغلاف الجوي

ويتجلى التحدي للإنسان قبل أن يصل إلى الفضاء في الآية الكريمة التالية حيث يقول الله تعالى: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مّنَ السّمَاءِ فَظَلّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ . لَقَالُواْ إِنّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مّسْحُورُونَ، (الحجر: 14- 15) .

ونلاحظ أن كلمة ظلوا تعني مكثوا نهاراً، وهي عكس باتوا أو مكثوا ليلاً . لأن الحديث عن الصعود نهاراً وليس ليلاً، ولو كان ليلاً لقال: باتوا يعرجون . والمعنى الإجمالي أننا سنفتح لهم باباً ونجعلهم يصعدون فيه في النهار . وبعد أن يتجاوزوا الغلاف الجوي سيرون ظلاماً يهيمن على الكون وحينها سيقولون سكرت أبصارنا، فمن أين جاء الليل ونحن في النهار ثم ينكسون بعد ذلك بقولهم بل نحن قوم مسحورون .

واليوم أثبت العلم الحديث أن المركبات الفضائية إذا أرادت أن تخترق الغلاف الجوي للأرض فلن تستطيع أن تخرج من أي مكان، بل لا بد من أن تخرج من أماكن محددة تسمى اليوم منافذ الغلاف الجوي . وهي التي أشارت إليها الآية في قوله (باباً) .

كما أثبت العلم الحديث شيئاً آخر وهو أن المركبة الفضائية عندما تريد اختراق الغلاف الجوي فإنها يجب أن تسير بانحناء أي بشكل مائل أي يجب أن تعرج إلى الفضاء (يعرج أي يتحرك بميل) . ولم يقل يصعدون، لأن الصعود يكون بشكل مستقيم أما العروج فهو الصعود بشكل مائل . . فسبحان الله .

إعجاز القرآن

ويقول خبير الأرصاد الجوية د . محمد جمال الدين الفندي: في كتابه الله والكون: إن ضوء الشمس غير المباشر لا تمكن رؤيته إلا أن يتشتت أو ينعكس على الأجسام، وبسبب وجود جزئيات الهواء والماء والغبار العالقة في الهواء يتشتت ضوء الشمس فتظهر القبة الزرقاء وهذه ليست سوى ظاهرة ضوئية تتعلق بجو الأرض . وبسبب الانعدام النسبي لتلك الجزيئات في الفضاء خارج غلاف الأرض رغم توفر ضوء الشمس، فإن السماء تظهر لرواد الفضاء مظلمة كليل دائم حالك السواد، ومن المدهش أن يسبق القرآن الكريم ويجعل للسماء ليلاً دائماً بل وصفه بأنه حالك السواد حين يقول تعالى: أَأَنتُمْ أَشَد خَلْقاً أَمِ السمَاء بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَواهَا . وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا، (النازعات: 27 -29) فالسماء وفق السياق تعبر عن فضاء الكون بأجمعه وليس ليل الأرض الذى يعقب غروب الشمس ونحن لا نعرف من الليل سوى الظلام، ويعني ذلك أنه عقب عملية كنس المادة فى الفضاء وانكماش مادة الأجرام تحت تأثير جاذبيتها بدأت الشمس فى إصدار الضوء . ومن المدهش أن تكون الشمس بازغة على الدوام فى فضاء الكون رغم سيادة الليل شديد الظلام ليغشى كل الأجرام كلباس يكسوها من كل جانب فتبدو كنقاط لامعة فوق خلفية سوداء قاتمة .

المعلوم حالياً أن طبقة النهار الرقيقة (الغلاف الجوي) محدودة لا يزيد سمكها على نحو 200كم وهي تحجب عنا ظلام الفضاء الذى يعم كل بدن السماء . ولعله من المدهش لغير المختصين اليوم أن يعرفوا أن باطن الشمس المضيئة مظلم أيضاً لأنه يصدر إشعاعات غير مرئية (مثل أشعة جاما وأشعة إكس والأشعة فوق البنفسجية) وأن الغطاء الخارجي المضيء أو الفوتوسفير هو وحده القادر على استشعار إشعاعات الباطن غير المرئية وإصدارها على شكل ضوء الشمس المرئي .

إن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) قد تمنح البعض من غير المختصين فرصة للسفر إلى الفضاء ليعاينوا مشهداً ساحراً ومحيراً لم يسبق لأحد رؤيته من قبل على الأرض وهو مشهد الليل الدائم رغم بزوغ الشمس لكن القرآن الكريم يمنح كل إنسان على وجه الأرض فرصة مجانية للتمتع بالمشهد الساحر لظلمة الفضاء في لحظات من دون مخاطر المجازفة بالسفر إلى الفضاء وهو أن يغمض عينيه في النهار ليرى المشهد الساحر لظلمة الفضاء رغم بزوغ الشمس .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"