عادي

مهمة استعادة المجد الغابر

19:44 مساء
قراءة 18 دقيقة

شراف: نبيل عطا



روسيا وإيران وتركيا تسعى بكل ثقلها السياسي والعسكري إلى الهيمنة على المنطقة العربية، كل على حسب أجندته الخاصة، والمصالح «تصالحت» بين الدول الثلاث من أجل استعادة المجد الغابر. فكيف حدث ذلك؟ وكيف نتعامل معه أو نواجهه؟.. هذا ما تجيب عنه"الخليج"في هذا الملف:

حضارات تبنى وأخرى تزول.. ودول تتقدم وأخرى تنهار، وتبقى حقيقة واحدة هي أن الصراع سمة أساسية للحياة على كوكب الأرض، والصراعات الأكثر ترجيحاً، هي تلك القائمة بين جماعات ودول من حضارات مختلفة.

فأشكال التطور السياسي والاقتصادي السائدة تختلف من حضارة إلى أخرى، كما أن القوة تنتقل من الغرب الذي كانت له السيطرة طويلاً إلى الحضارات غير العربية، والسياسة الكونية أصبحت متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات.. وشكل الصراع وأسبابه تختلف من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، لكن صامويل هينتجتون أكد في كتابه «صدام الحضارات» أن الثقافة، والدين، والبحث عن المجد الغابر، ستحدد شكل الصراع في العالم خلال الألفية الجديدة، وهو بالضبط ما نشاهده اليوم.
وإذا كانت أمريكا قد حددت خريطة العالم في الخمسين عاماً الأخيرة من القرن العشرين، واحتلت العراق، وخططت لتفتيت المنطقة العربية؛ فإن هناك دولاً ثلاثاً استفاقت مؤخراً وبدأت تعيد حساباتها وتبحث عن شمس امبراطورياتها التي غربت، في محاولة منها لإعادة رسم خريطة سياسية للمنطقة التي تنتمي إليها وللعالم، إذا استطاعت هذه الطموحات التي قد تكون مشروعة لدى البعض، وغير مشروعة لدى البعض الآخر، مساعدتها في ذلك.
ولكن في كل الأحوال فإن هذه الطموحات مرفوضة شكلاً وموضوعاً، إذا كانت مبنية على حساب استقرار وسيادة دول أخرى، أو كانت تسببت أو ستتسبب في إزهاق أرواح مئات الآلاف أو تشريد الملايين.
النموذج الصارخ لدول تحاول بطموحاتها تغيير الخريطة السياسية للعالم بشكل عام، وللمنطقة العربية على وجه التحديد، هي: «روسيا تركيا إيران»، حيث عادت هذه الدول إلى واجهة الأحداث وصارت قوى مؤثرة ليس في المنطقة فحسب؛ بل في العالم بأسره، فالسلطان أردوغان يحلم أن تعود تركيا امبراطورية عثمانية، تفرض سياستها وجيوشها على مستقبل المنطقة مثلما كان عليه حالها قبل قرون، عندما كانت الامبراطورية العثمانية تصل عمق إفريقيا فضلاً عن بلاد الشام، وحقق أردوغان بعض النجاحات سواء عبر عودة بلاده كقوة إسلامية في بلاد العرب والمسلمين، أو عبر تحالفه مع حلف الأطلسي، أو اتجاهه الأخير إلى روسيا.

وبينما كان «القيصر» الروسي بوتين الذي قد تسلم عام 2002 دولة على وشك أن تعلن إفلاسها؛ فإنه حولها خلال سنوات قليلة إلى واحدة من أكبر القوى السياسية على المستوى الدولي. عاد بوتين وعادت روسيا من الخلف كالحصان الأسود بعد أن ظن الناس أن شمس امبراطوريتها قد غربت للأبد، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه إلى دويلات، ولكن «القيصر» بحنكته السياسية وخبرة العسكرية ضبط توقيت ساعته السياسية على نهاية عصر أوباما، لا ليبدأ عصر ترامب؛ وإنما عصر روسيا «دولة القيصر الجديد»،وقد شكلت الأزمة السورية خير تجربة عملية تؤكد له وللعالم أن روسيا عادت دولة عظمى ترسل جيوشها لتحارب في مناطق نائية نصرة لحلفائها.

وعلى نفس الطريق ولكن بأسلوب مغاير تحاول إيران إحياء مجد قديم «غابر» يحلم «الملالي» ودولة خامنئي وروحاني بإعادة إحياء أمجاد الامبراطورية الفارسية التي دمرها العرب المسلمون في القرون الماضية. فمشروع «ملالي إيران» هو مشروع معاد للأمة منذ أن قاده الخميني عام 1979، وربما كانت حقيقة هذا المشروع خافية على الكثيرين في البداية، لكنها لم تعد كذلك اليوم خاصة بعد أن تعاون «ملالي إيران» مع أميركا وإسرائيل في محطات عدة أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وأبرز الفضائح التي أشارت إلى ذلك فضيحة إيران-غيت التي وقعت عام 1985.

ثم تعاون «ملالي إيران» مع أميركا أثناء حرب التحالف الدولي لإخراج صدام حسين من الكويت عام 1991، ومرة أخرى تعاونوا مع أميركا أثناء احتلالها العراق عام 2003، ودفعوا كل قيادات الشيعة الدينية والسياسية من أجل إنجاح هذا الاحتلال، كما دعم «ملالي إيران» حافظ الأسد في سوريا، وألحقوا الطائفة العلوية بالطائفة الشيعية مع أن هذا مناقض لأصول مذهبهم، ثم دعموا نظام بشار في وجه الثورة السورية التي قامت عام 2011، ولولا دعمهم لسقط نظام بشاروسوريا 2011، وحتى اليوم مازالت إيران تعيث فساداً في الأراضي العراقية والسورية بتدخلاتها غير الحكيمة هنا وهناك، من أجل هدف وحيد وهو أن أن يكون لها منفذ على البحر المتوسط .

غير أنها لم تكتف بذلك فحسب؛ بل تدخلت في اليمن لتحارب بالوكالة عن طريق جماعة الحوثي، ودعم «ملالي إيران» الحوثيين منذ سنوات بالمال والسلاح والخبرات، وخاض الحوثيون حروباً عدة مع الجيش اليمني عندما كان علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية، ثم التفوا على الاتفاق الدولي الذي رسمته «المبادرة الخليجية المعدلة»، واحتلوا صنعاء في 21 /‏9 /‏ 2014 وها هم الآن يعيدون تكرار ما فعله حزب الله في لبنان في محاولة لاختطاف اليمن وتشكيل دولة لهم داخل الدولة، ولكن قوات التحالف العربي لن تسمح لهم بالانتصار على الشرعية اليمنية.

الطموحات الروسية والتركية خطيرة، لكن الطموحات الإيرانية أخطر دون شك على المنطقة والدول العربية، وهو ما يحذر منه الخبراء والمفكرون وأساتذة السياسة، ويؤكدون أن غياب أجندة استراتيجية عربية لمستقبل المنطقة، جعلها مطمعاً لاستراتيجيات قوى إقليمية وعالمية، مطالبين جامعة الدول العربية بالقيام بدورها في حماية المنطقة العربية ودولها من الأطماع الخارجية التي تستهدف إشاعة الفوضى.

 

عبر ضحايا الأزمة السوريين ورياح «الخريف العربي» وثلوج أوكرانيا وجزيرة القرم

المخططات الروسية والتركية والإيرانية.. «تحتل» المشهدين الإقليمي والدولي

كتب:عمار عوض

05d9423a-e304-4a9b-bde3-ef4da2c435cf.jpg

(روسيا - تركيا - إيران ).. المصالح تصالحت، وأعداء الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم، تلاقت طموحات الدول الثلاث، التي كانت منذ عشرات السنين تمثل إمبراطوريات، غربت شمسها، على خريطة طريق واحدة، وهي حصد أكبر المكاسب الممكنة، واستغلال حالة التردي السياسي في العالم بشكل عام، وفي المنطقة العربية على وجه التحديد، وها هو «السلطان» أردوغان يحاول إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية عبر تحالفه مع حلف الأطلسي، أو اتجاهه الأخير إلى روسيا، التي عادت من الخلف كالحصان الأسود، بعد أن ظن الناس أن شمس إمبراطوريتها غربت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه لدويلات، لكن «القيصر» بوتين بحرفة النمل أعادها إلى الواجهة، وهو يعيد سيطرته على دويلات السوفييت، إما من وراء حجاب أو عبر الاحتلال، مثل: جزيرة القرم وأوكرانيا وغيرهما، وشكلت الأزمة السورية خير بروفة لإعادة تموضع روسيا دولة عظمى، ترسل جيوشها؛ لتحارب في مناطق نائية نصرةً لحلفائها، وعلى نهج مشابه، تحث إيران الخطى لإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، التي دمرها العرب المسلمون في القرون الماضية، لتعيث في المنطقة العربية فساداً بتدخلاتها غير الحكيمة، والمناهضة لرأي الأغلبية، إن كان ذلك في اليمن أو البحرين أو سوريا، التي تقاتل فيها بالأصالة، أو اليمن التي تحارب فيها بالوكالة؛ حيث فرضت وضعاً جيوسياسياً معقداً، وشكلت لها معارك دمشق وضعاً جديداً، أهلها للدخول في الحلف الجديد، الذي بدأ يتبلور عقب معركة (حلب)، الذي صار من الواضح أنه سيتكون من روسيا في المقدمة، وإيران وتركيا كجناحين، لكن من غير المعلوم إلى أي مسافة أو زمن سيستمر هذا التحالف بالتحليق في سماء المنطقة والعالم.

على مدى نحو عقدين من الزمن، وبحرفة «النمل» صار الرئيس فلاديمير بوتين، يفرد أجنحة النسر الروسي على شبه قارة (أوراسيا) مستمداً قدراته كمدير سابق للمخابرات السوفيتية (كي. جي. بي)، وبخطوات وئيدة أخذ يغير في تركيبة المنطقة؛ حيث بدأ باجتياح دولة (الشيشان)، ووضع على رأسها أحد حلفائه الأقوياء الرئيس قاديروف، عبر حملة عسكرية دموية، أثارت غضب العالم بأسره، لكن سرعان ما سلم الجميع بالواقع مكرهين، وبعدها غاب عن المشهد، ودفع بصديقه «مدفيديف» رئيساً للجمهورية، ظن الناس أن أحلامه دفنت تحت ثلوج الديمقراطية، التي ألزمته بالعودة إلى الوراء، لكنه سرعان ما عاد إلى المشهد أكثر قوة، ليقتحم أوكرانيا في مشهد أثار دهشة العالم، وأثار دول أوروبا على وجه الخصوص؛ حيث وضعت عليه عقوبات اقتصادية قاسية، لكنه مضى في تحقيق أحلام القومية الروسية بجراءة يحسد عليها، عندما استولى بالقوة على شبه جزيرة القرم، واضعاً نفسه على «المياه الدافئة» معلناً بشكل واضح عودة الغطرسة الروسية في أوضح تجلٍ لها، وقبل أن يستفيق العالم من سيل بيانات الإدانة والشجب ومضاعفة العقوبات عليه.
وجدت روسيا ضالتها في الأزمة السورية، التي استفحلت لسنوات، وولدت أقبح المواليد «داعش، وجبهة النصرة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، ليدفع بوتين، بطائراته إلى سماء سوريا، وجنوده إلى أرضها، وبوارجه إلى ساحلها، معلناً عودة الإمبراطورية الروسية إلى حيز الوجود من جديد؛ حيث استطاع تعقيد الموقف بشكل يحسد عليه، وفرض أجندته على اللاعبين الكبار كافة، أمريكا وبريطانيا وفرنسا؛ بعرقلته لكل الحلول المطروحة، لترسم موسكو قواعد اللعبة الدولية من جديد، الذي توجته بدخولها مدينة حلب، بعد أن لاعب بوتين غريمته تركيا بألاعيب عدة، من قطع العلاقات على خلفية سقوط الطائرة الحربية الروسية، وإعادتها للتعاون من جديد ليستطيع نزع أنقرة من أحضان حلف شمال الأطلسي، لتعود للسير في ركاب روسيا من جديد، بعيداً عن الغرب، يقول أدريان كامبل، من جامعة برمنجهام: «لم تنجح روسيا فقط في الحفاظ على أمن قواعدها العسكرية غربي سوريا، لكنها عززت نفوذها في البلاد، ليمتد الوجود العسكري الرسمي، الذي يضمن لها البقاء على المدى الطويل في البحر الأبيض المتوسط»، وقال: «من خلال الوقوف مع الجيش السوري حتى النصر الكامل في معركة حلب، صورت موسكو نفسها على أنها الحليف، الذي يمكن الاعتماد عليه بصدق
وعالمياً أعادت موسكو نظرية القطبية في العالم بعد انحسار، وأعادت أجواء الحرب الباردة، عندما تحدثت أجهزة المخابرات الأمريكية عن تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، ومساعدتها للرئيس ترامب على الفوز عبر (تهكير) إيميلات الحزب الديمقراطي المنافس، وكشف معلومات ساعدت في فوز ترامب، الذي نفى هذه الاتهامات، لكن دون أن يخفي رغبته في العمل المشترك مع موسكو في الأزمات الدولية، لكن تقرير مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكية في تقريره الأخير، ذهب أبعد من ذلك، وهو يتنبأ بتراجع القوة الأمريكية في الوقت، الذي ستتشجع فيه روسيا والصين، لمواجهة نفوذ الولايات المتحدة، وأن موسكو ستعمل لاستعادة مكانتها قوة عظمى، والحد من النفوذ الغربي، وتنبأ التقرير بأن «السنوات الخمس المقبلة ستشهد مواصلة القيادة الروسية جهودها، لاستعادة مكانتها قوة عظمى من خلال التحديث العسكري والتعاقدات الخارجية التي تسعى لبسط النفوذ الروسي، والحد من النفوذ الغربي.
الحلم التركي
ظلت تركيا بحالة صعود متئدٍ خلال العقدين الماضيين، ورأينا كيف أن اقتصادها كان يسير نحو الأفضل، وتستعيد عملتها قوتها أمام العملات الكبيرة، ويتشكل رأي بوجود النموذج التركي في إعادة بناء الدول، مثل ما كانت عليه حال دول النمور الآسيوية: ماليزيا وسنغافورة في التسعينات، تمثلت ذروة هذا الصعود في المحادثات الجادة التي قام بها الاتحاد الأوروبي لضم تركيا إليه، التي قطعت شوطاً في ظل صعود دور أنقرة ضمن حلف شمال الأطلسي، بتمركز قواعد الحلف الجوية في الأراضي التركية، التي كانت تدير هذا الوجود بحنكة، وهي تتقارب مع الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية، مثل: فنزويلا وكوبا، وتثير الإعجاب بدول الوطن العربي والدول الإسلامية بمواقفها من حرب «إسرائيل» في غزة، وتعلقت بها الآمال على أنها القوى الإسلامية الجديدة التي ستعيد أمجاد الأمة، وأتت ثورات ما يعرف بـ«الربيع العربي» لتضاعف من الصعود التركي، الذي كان سلاحاً بحدين بالنسبة لرجلها القوي «السلطان» رجب طيب أردوغان، الذي لم يخف طموحاته باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، عندما كان رئيساً للوزراء، وعمل بشكل حثيث على الاستفادة من خلفيته الإسلامية لرسم شكل المنطقة الجديد عبر ثورات «الربيع العربي»، وصارت أنقرة رأس الرمح في غزو دول الأطلسي لليبيا، والإطاحة برئيسها القذافي؛ حيث كانت الطائرات تطير، وهي تحمل القنابل إلى الأراضي الليبية، وتعود محملة بالجرحى من «الثوار»
غرقى في المياه السورية
لكن أتت الأزمة السورية، التي غرقت أنقرة في مياهها ففي البدء كانت أقوى دوافع التغيير في دمشق، وهي تحتضن المعارضة السورية وتقوم بتسليحها وتوفر لها الملاذ الآمن لعقد مؤتمراتها والتحدث باسمها في بعض الأحيان، ولكن مع تطاول أمد الأزمة وظهور التنظيمات الإرهابية صار الغرب يتوجس منها خيفة، وسط الأحاديث التي جرى تداولها عن علاقة «السلطان» أردوغان بهذه التنظيمات عبر التجارة معها في النفط ومشتقاته، لتتعطل جهود انضمامه للاتحاد الأوروبي نسبة لهذا الاتهام، ولكنه ظل في الوقت نفسه الحليف الأقوى لدول حلف الأطلسي في المعركة في سوريا من ناحية، وعند دخول طهران بجنودها صارت المعركة مكشوفة بين الإمبراطوريتين السابقتين (الفرس والعثمانيين)، وهو الأمر الذي ساعد في اصطفاف الدول العربية والخليجية خلفها في هذه المعركة، ورأينا كيف تجاوزت دول المنطقة وقوف أردوغان المعادي للثورة ضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومناصبته العداء لرئيسها عبد الفتاح السيسي .
عودة روسيا
لكن دخول روسيا إلى جانب إيران مع النظام السوري في المعركة شكل تضييقاً على الصعود التركي، الذي بدا في الانحسار مع سقوط الطائرات الحربية الروسية بطلقات تركية، لتبدأ السلطات في روسيا ترويض السلطان والذي انطلقت فصوله بقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع أنقرة لشهور، الأمر الذي أوجع الاقتصاد التركي، في ظل تقدم القوات الروسية وحلفائها على الأرض السورية، وعلى رأسهم أكراد سوريا ويقول مارتن تشولوف في صحيفة الغارديان «الرئيس بوتين استخدم ورقة الأكراد كطعم جيد للتقارب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حتى توصل الرجلان إلى أرضية مشتركة في الصراع السوري، عبر الاتفاق المبرم بين الطرفين، ويقول أرون شتاين، وهو زميل بارز في مركز أبحاث مجلس الأطلسي، أنقرة حصلت على تفاهم يتيح لها التوسع والاستيلاء على بلدة (الباب) وعرقلة توطيد سلطة الأكراد السوريين وشهدنا بعدها عملية درع الفرات وتوغل القوات التركية في الداخل السوري، وكانت أنقرة تبتعد عن حلفائها الغربيين شيئاً فشيئاً، بداية من اتهام واشنطن بالتورط في الانقلاب المزعوم في تركيا مروراً برفض دول الاتحاد الأوروبي انضمام أنقرة لدول الحلف بشكل قاطع، لتأتي حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا، والتي شكلت نقطة التحول التركي الكامل نحو روسيا ودخولها في الحلف الجديد مع غريمتها طهران وموسكو، وبهذا كسبت أنقرة عدم خروجها من نادي الدول الكبرى والصاعدة بقوة رغم فك تحالفها مع دول الأطلسي، ما يعني أنها ستستمر لاعباً أساسياً في العقود المقبلة على كل أحوال وتقلبات تحالفاتها.
مستقبل الصعود المظلم
ظلت إيران هي البلد الوحيد الذي لم يخفِ طموحاته علناً بتصدير ما سمته الثورة الإسلامية، وهو ما جر عليها الكثير من العقوبات التي أدمت ظهر شعبها واقتصادها، في الوقت الذي لم تكترث طهران لتداعي اقتصادها وظلت تمد «حزب الله» بالأسلحة والأموال، إلى أن صار رغم صعب تجاوزه في المعادلة اللبنانية، وفي الوقت نفسه استغلت الفوضى التي خلفها سقوط نظام صدام حسين في العراق للتمدد أكثر وأكثر في هذا البلد العربي، إلى أن صار ضيعة خلفية لها تحركه كما تشاء، صورت لها هذه النجاحات أنها يمكن أن تستعيد إمبراطوريتها الغابرة عبر تغيير الأوضاع في دول مثل البحرين والكويت، عبر استغلالها لموجات ثورات ما عرف بالربيع العربي، ولكن باتت محاولتها بالفشل، وفي اتجاه آخر صور لها خيالها أنها يمكن أن تدخل نادي كبار «الأسلحة النووية» وصار برنامجها النووي في صعود، ما قاد إلى فرض عقوبات قاسية عليها واستمرار المقاطعة الدولية نحوها لرعايتها للإرهاب، ولكنها وجدت ضالتها في الحرب السورية، عندما حركت جنودها وميليشياتها لنجدة حليفها بشار الأسد من ناحية، ومن ناحية أخرى خلط الأوراق الدولية، وتعجيزها عن الوصول إلى حل سياسي للأزمة عبر تأزيم الوضع الداخلي السوري، مستفيدة من ارتمائها في أحضان غريمتها التقليدية روسيا التي كان طابع علاقتهما الصدام منذ الحرب الأفغانية، ولكن ببراجماتية يحسدون عليها عاد الخصمان اللدودان للتحالف في سوريا، وفي الوقت نفسه ظلت تقدم التنازلات على طاولة المفاوضات في جنيف إلى أن توجت ذلك باتفاق دول (5+1) الذي رفع عنها العقوبات وأعاد دمجها في الأسرة الدولية من جديد، ما سيتيح لها بعض القدرة على التمدد إقليمياً، والذي بدأت ملامحه في التدخل في الشأن اليمني عبر وكلائهم من الحوثيين، وتهديدها المستمر بأن بعد انتصارها في حلب وسوريا ستكون معركتها القادمة في دول مثل البحرين والكويت، لكن يظل هذا التمدد محكوماً عليه بالفشل خاصة في ظل توعدات فريق ترامب الوزاري الجديد لطهران بالويل والثبور عند دخولهم البيت الأبيض، وتبدو تمظهرات لغة العداء القادمة في تجديد العقوبات على إيران لمدة 10 سنوات الشهر الماضي، والذي تبعه تقديم مشروع قانون للكونغرس يسمي «الحرس الثوري الإيراني» منظمة إرهابية، ما يدل على أن طهران هي الوحيدة التي يظلل صعودها كقوى عالمية الكثير من الضباب والغيوم في ظل حكومة ترامب الجديدة، بعكس تركيا وروسيا، المرجح استمرار صعودهما على أي حال من الأحوال.

 

مطالبات بإنشاء تكتل عربي في وجه المطامع الخارجية

الفوضى «هدف استراتيجي» للتدخلات الإقليمية والدولية في المنطقة العربية

القاهرة: «الخليج»،عبدالكريم الحجراوي

adcfdece-2369-42a0-8310-ba96cd15cc9a.jpg
أكد مفكرون وخبراء استراتيجيون مصريون أن غياب أجندة استراتيجية عربية لمستقبل المنطقة، جعلها مطمعاً لاستراتيجيات قوى إقليمية وعالمية، مطالبين جامعة الدول العربية القيام بدورها في حماية المنطقة العربية ودولها من الأطماع الخارجية التي تستهدف إشاعة الفوضى.

وشددوا على ضرورة التكاتف العربي لرفض ومواجهة أي تدخل خارجي في الشأن العربي الداخلي، مشيرين إلى أن مثل هذه التدخلات تؤدي حتماً إلى عدم استقرار المنطقة، لأن هذه القوى تتحرك في المنطقة بحسب أجنداتها ومصالحها، التي تتعارض بالضرورة مع المصالح القومية العربية، خاصة أن تدخلات هذه الدول تقوم على أسس مذهبية مثل إيران، ومصالح توسعية مثل تركيا، واختطاف دول في المنطقة في إطار صراعاتها الدولية مثلما تفعل روسيا، في سوريا.

يقول الدكتور عمار علي حسن الخبير السياسي إن روسيا وإيران وتركيا تسعى بكل ثقلهم السياسي والعسكري إلى الهيمنة على المنطقة العربية، كل على حسب أجندته الخاصة، مشيراً إلى أن تركيا تنظر إلى المنطقة العربية، باعتبارها امتداداً لإمبراطورتيها العثمانية، التي سقطت بعد الحرب العالمية الأولى فتريد إعادة نفوذها على تلك المنطقة، وهو ما ظهر في دعم أردوغان للتيارات الإسلامية للوصول إلى الحكم في دول الربيع العربي مثل مصر وتونس، لتكون قادرة على تحريك قرارات هذه الدول من إسطنبول، مؤكدا أن أردوغان لم يتخل عن هذا الحلم بعد.

وأضاف عمار إن إيران تسعى إلى بسط نفوذها على المنطقة، من خلال نشر مذهبها في الدول العربية أو تكوين نخب سياسية داخل هذه الدول تتناسب سياستهم مع الرؤى الإيرانية التوسعية.

وأوضح أن التدخل الروسي في المنطقة العربية، خاصة في سوريا جاء سعياً لإعادة مجد الاتحاد السوفييتي، وملء الفراغ الذي سببه انسحاب أمريكا ونفض يدها عن مشاكل الدول العربية، مشيراً إلى أن مصالح الدول الثلاث المختلفة هي التي دفعتهم إلى التواجد في سوريا عسكرياً وسياسياً، «فالمصالح تتصالح» بين القوى الثلاث، لكن هذا التفاهم والتناغم لن يستمر إلى الأبد، بسبب اختلاف الرؤى الاستراتيجية لكل دولة التي ترغب في أن تحققها في النهاية.

ويشير د. عمار علي حسن إلى أن إيران تسعى إلى استغلال روسيا في تحقيق مصالحها في سوريا، كما استغلت من قبل أمريكا لتعزيز تواجدها بالعراق، مبيناً أن المشروع الإيراني في المنطقة العربية واضح، وهو تصدير ثوراتها إلى الدول المجاورة، فمنذ تحولها من الثورة إلى الدولة، وهي تسعى إلى أن يكون العالم العربي تحت نفوذها، وتحقق لها ذلك جزئياً في العراق وسوريا واليمن، وتريد تطويق دول الخليج لإحداث تفوق إيراني كاسح في المنطقة.

ودعا عمار إلى ضرورة أن تدرك الدول العربية خطورة الوضع الحالي والعمل على إنشاء كتلة عربية حية تقاوم المشروعين التركي والإيراني، ويكون ذلك تكتلاً بقيادة كل من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والجزائر، موضحاً أهمية دور مصر في هذا التحالف العربي، لما تمثله من قوة عسكرية هي الأقوى بين الدول العربية وتعدادها السكاني الكبير، إضافة إلى أن هذا هو دور مصر عبر التاريخ في الوقوف في وجه الأطماع الإقليمية والدولية التي تسعى للمساس بالأمن العربي.

تفتيت سوريا

وأشار الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير معهد البحوث والدراسات العربية إلى أن أي تدخل في المنطقة العربية مرفوض تماماً، سواء أكان ذلك التدخل إقليمي متمثلاً في كل من إيران وتركيا أو دولياً متمثلاً في أمريكا وروسيا.
وأضاف: إن هذه الدول لا تهدف من تدخلها في الشأن العربي إحداث توازن في المنطقة العربية، وإنما تسعى من وراء تدخلها إلى مصالحها الخاصة، مشيراً إلى أي نوع من هذا التدخل قد يحدث آثاراً إيجابية مؤقتة في الدول العربية، لكن يظل المبدأ العام الاستراتيجي هو أن هذه التدخلات لا تصب في صالح المنطقة، وإنما في صالح الدول المتدخلة، مشيراً إلى أن المستفيد الوحيد من التدخل الروسي الإيراني التركي في سوريا هو النظام السوري فقط، فقد ساعدته هذه القوى في القضاء على المعارضة، سواء أكانت مسلحة أو غير مسلحة وبسط نفوذه على الكثير من الأراضي السورية التي خرجت عن سيطرته.

وأوضح د. أحمد يوسف أحمد أن روسيا اليوم تحاول من خلال تدخلها في الشأن العربي السوري إلى تعظيم وضعها الدولي، والمحافظة على مصالحها في سوريا، التي يقدمها لها النظام الحالي دون عقبات، لافتاً إلى أن هذا التدخل قد منح روسيا ميزات كبرى منها أنها قد بدت أمام العالم بوصفها المتحكم الوحيد في الصراع السوري، مما أعطاها ثقلاً كبيراً في المحافل الدولية، إضافة إلى ميزة إمكانية لعب هذا الدور نفسه بلدان عربية أخرى مثل ليبيا، ولتكون بذلك قد استعادت جزءاً من دورها الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي باعتبارها وريثته، موضحاً أن روسيا لا يعنيها تفتيت سوريا بالأساس بقدر مصالحها

صراعات غير مسبوقة

وأشار الدكتور كمال حبيب الكاتب والمحلل السياسي إلى أن أخطر ما يهدد المنطقة العربية لم يعد انهيار النظم السياسية، وإنما الدخول في نسيج هذه المجتمعات القديمة، وعدم اعتراف كل طائفة بأخرى وتأزم التعايش السلمي فيما بينها، كما كان الأمر من قبل. وأكد حبيب أن الدور الإيراني يؤجج الصراعات في المنطقة، مما جعل بعض البلدان العربية عاجزة عن الدفاع عن نفسها، بسبب الدعم الإيراني لجموع شيعية فيها، مما أرغمها على الدفاع عن نفسها بالقوة.
وأضاف حبيب: أنه مع غياب رؤية عربية موحدة حدث فراغ كبير في المنطقة وجعلها مطمعاً لرؤى إقليمية ودولية.
وأضح حبيب أن الإدارة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر لروسيا في قيادة المنطقة، خاصة مع وجود دعوات لتدخل روسي في ليبيا، كما حدث في سوريا؛ حيث باتت روسيا بالنسبة للكثير من العرب أكثر جدية في الحرب على الإرهاب، لافتاً إلى أن روسيا تستخدم المنطقة العربية كورقة ضغط على المجتمع الدولي من أجل مصالحها في كل من أوكرانيا وجزيرة القرم ورفع العقوبات الدولية عنها.
التنافس السياسي
وأكد الدكتور محمد مجاهد الزيات مدير المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عدم وجود أي احتمالية لصراع مسلح بين كل من إيران وتركيا وروسيا في المنطقة العربية، مشيراً إلى أن التحالف القائم بينهم قائم على مصالح خاصة بالدرجة الأولى في سوريا؛ حيث تلتقي هذه المصالح في نقاط معينة وتتناقض في نقاط أخرى في دولة من الدول الثلاث استراتيجية تخصها وحدها دون الدولتين الأخريين، موضحاً أن تركيا تهدف من تدخلها في الشأن العربي السوري لعدم السماح للأكراد بإقامة وطن لهم على حدودها الشمالية، وما ينجم عن هذا الكيان من نتائج متوقعة متمثلة في تشجيع أكراد جنوب تركيا على التمرد وربما العودة إلى حمل السلاح ضد الدولة التركية رغبة في الوصول إلى المناطق، التي يزعمون أنها «أرضهم التاريخية» في شمالي سوريا، وجنوبي تركيا، وصولاً إلى استنساخ تجربتي أكراد العراق وحراك أكراد سوريا.
وأضاف الزيات: إن هناك خلافاً بين روسيا وتركيا من جانب وإيران من جانب آخر حول مدى السماح للنظام الحاكم في سوريا في السيطرة على الأراضي السورية وحول تصفية كل الفصائل المعارضة هناك.
وأوضح الزيات أن مصلحة إيران من تدخلها في الشأن العربي هو السيطرة عليه، ومد نفوذها داخله، من خلال سيطرتها على كل من العراق وسوريا وتطلعها للسيطرة على لبنان من خلال حزب الله، كي تصبح لها الكلمة العليا في المشرق العربي لمواجهة التحالف السعودي القطري، الذي يراهن كثيراً على تركيا كسند لهما في مواجهة تلك التطلعات الإيرانية في المنطقة.

ولفت الزيات إلى أن الخلاف المذهبي بين تركيا السنية وإيران الشيعية يقف في وجه التطلعات العسكرية لإيران بالمنطقة، التي تعتبر نفسها حامية للأقليات الشيعية في الدول العربية، في مقابل تركيا الحريصة على علاقتها الاقتصادية والسياسية مع دول الخليج، لإظهار نفسها كمدافع عن المذهب السني.
وأشار الزيات إلى أن روسيا تلعب دورها في سوريا بناء على أرضية مشتركة بينها وبين الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تجعل في مقدمة أولوياتها محاربة الإرهاب، مشيراً إلى التنافس بين القوى الثلاث على الشأن العربي هو تنافس سياسي بالأساس، لذا من غير المتصور حدوث أي مواجهات عسكرية بين تلك القوى في المستقبل، لافتاً إلى أن هذا التدخل لن يحدث أي توازن في المنطقة، ولن يؤدي إلى نوع من أنواع الاستقرار داخلها.

مؤشر خطر

وأكد الدكتور خالد عكاشة الخبير الأمني أن التحالفات الأجنبية للتدخل في الشؤون العربية، لا تهدف بأي حال إلى إضفاء استقرار داخل دول المنطقة، لأنها تعمل على تعميق الصراعات، موضحاً أن الدول المتصارعة هي من أدخلت حروب الوكالة إلى المنطقة؛ حيث تسعى كل منها إلى إيجاد مجموعة من الميليشيات أو التنظيمات الإرهابية تحارب من أجل أهداف هذه الدول، وتربط هذه التنظيمات مصيرها بمصير الدول، بعيداً عن المصالح الوطنية.
وأضاف عكاشة: إن تدخلات روسيا في المنطقة العربية تأتي انطلاقاً من الأدبيات الروسية السياسية، وحلمها بالسيطرة على منطقة الشرق الأوسط وشواطئه، ومصادر الطاقة الموجودة به، وكذلك ملء الفراغ، الذي أحدثه انسحاب أمريكا من المنطقة.

وأوضح عكاشة أن روسيا لا يعنيها النظام السوري الحالي في أي شيء، وهي تعلم مدى هشاشته، وكذلك الجرائم التي ارتكبها في حق المدنيين، مؤكداً استعداد روسيا لبيع النظام السوري في أي لحظة، إذا ما وجدت مصالحها مع أي فصيل معارض له.

وأكد عكاشة أن الدور الإيراني هو السبب الرئيسي في الأزمة العربية من خلال تعميقها للخلافات المذهبية، وإدارتها للحروب الوكالة، ودعمها لبعض الميليشيات الإرهابية في الدول العربية، رغبة في خلق فوضى مستمرة من أجل تحقيق أهدافها المعلنة للسيطرة على القرار السياسي العربي.

وأشار عكاشة إلى أن «إسرائيل» تنأى بنفسها في الوقت الراهن عن هذه الصراعات حتى لا يطولها أي توتر داخلي يكون له عواقب وخيمة عليها، لأنها دولة احتلال بالأساس، ولذا تعمل على تحصين نفسها عسكرياً وسياسياً، مضيفاً: إن مصالح الدول المتدخلة في الشأن العربي تتقاطع مصالح «إسرائيل»، ما يجعلها تراقب الوضع العربي والدول المتدخلة عن كثب وبشكل براجماتي، منوهاً بأنه من الوارد أن تشارك «إسرائيل» كل من روسيا وإيران وتركيا في التدخل في سوريا في الوقت القريب، إذا اكتشفت أن الوضع في سوريا ليس في صالحها.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"