عادي

حكم على فرقة غنائية روسية يثير الغرب

01:39 صباحا
قراءة 6 دقائق

أثار الحكم بسجن ثلاث نساء روسيات- كُنّ قد دَخَلْنَ كاتدرائية روسية، وأدّين فيها عرضاً غنائياً فاسقاً، اعتبرته السلطات إثارة للشغب، وتحريضاً على الكراهية الدينية - أثار فيضاً من التعليقات في الصحف الغربية، التي اعتبرت الحكم غير متناسب، ومنتهكاً لحرية التعبير .

ولكن معلقين غربيين أيضاً، سخروا من تلك الانتقادات، قائلين إن انتهاك تلك الحرية في الغرب، أكبر من ذلك بكثير . .

في 17 أغسطس/آب، دانت محكمة في موسكو، ثلاث نساء في فرقة روك روسية، تُدعى بوسي ريوت، بتهمة إثارة الشغب والتحريض على الكراهية الدينية . . وصدر الحكم عليهن بالسجن سنتين . . وكُنَّ قد اعتُقلن في مارس/آذار بعد عرض مخالف للقانون، قدمنه في 21 فبراير/ شباط، 2012 أمام مذبح كاتدرائية المسيح المخلص، في موسكو، وابتهلن فيه إلى السيدة مريم العذراء، أن تخلصهن من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين . .

وكان الرأي العام الروسي مؤيداً للحكم، وفق ما تشير إليه الاستطلاعات . . ففي استطلاع لهذا الرأي، أجرته مؤسسة ليفادا، قال 5% فقط، إنه لا ينبغي معاقبة النساء، بينما عبّر 65% عن رغبتهم في أن يروهن في السجن، بل إن 29%، قالوا إنه ينبغي سجنهن مع الأشغال الشاقة .

ولكن آراء المعلقين، والساسة الغربيين، كانت ترى شيئاً آخر . ففي صحيفة الغارديان البريطانية، (21-8-2012) كتب سيمون جنكنز:

في الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية عن قلقها العميق على مصير النساء الثلاث في فرقة بوسي ريوت، اللواتي حُكمن بالسجن سنتين بتهمة إثارة الشغب في كاتدرائية المسيح المخلص في موسكو . وكنّ قد قدّمْن ما اعتبرته جميع الآراء، عرضاً فاحشاً، وصوّرْن بالفيديو أغنية مناوئة لبوتين، ومهينة للسيدة العذراء، على مرأى ومسمع من المصلين الأتقياء .

وقد طالب العديد من الفنانين والساسة والموسيقيين في العالم، بإطلاق سراح عضوات بوسي ريوت، وعبّروا عن القلق بشأن عدالة المحاكمة . . .

ففي ألمانيا، بعث 120 عضواً في البرلمان الألماني، البوندستاغ، برسالة إلى السفير الروسي في ألمانيا، فلاديمير غرينين، ذكروا فيها أن الاجراءات المتخذة ضد النساء غير متناسبة، وصارمة . وفي 9 أغسطس/ آب 2012 خرج نحو 400 من أنصار فرقة بوسي ريوت، في مسيرة في برلين، وهم يلبسون أقنعة كالتي يلبسها أعضاء الفرقة . . تأييداً للمجموعة .

وأصدرت فكتوريا نولاند، الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تصريحاً قالت فيه، إننا نحث السلطات الروسية على مراجعة هذه القضية، وضمان رعاية حق التعبير الحرّ .

وقال الناطق باسم البيت الأبيض، جوش ايرنيت، إن الولايات المتحدة تشعر بخيبة الأمل من الحكم، بما في ذلك الأحكام غير المتناسبة التي تم إصدارها . .

وقال هيو وليامسون من منظمة مراقبة حقوق الإنسان، إن التهم والحكم ضد فرقة بوسي ريوت تحرّف الحقائق والقانون . فما كان ينبغي اتهام أولئك النسوة بجريمة كراهية وينبغي إطلاق سراحهن على الفور . وأعرب موسيقيون من أنحاء العالم عن دعمهم لعضوات الفرقة . ولكن معلقين غربيين أيضاً، يستغربون هذا السيل المبالغ فيه من الانتقادات، خصوصاً من مسؤولين في دول تمارس من التضييق على حرية التعبير، وتصدر من الأحكام غير المتناسبة، ما يفوق الحكم على النساء الروسيات بكثير .

في موقع سالم نيوز، (23-8-2012) يعلق رود درايفر، (أستاذ الرياضيات السابق، في جامعة رود أيلاند الأمريكية)، على قول الناطق باسم البيت الأبيض الأمريكي، إن الرئيس أوباما يشعر بخيبة الأمل من الحكم (على الفتيات الروسيات)، وعدم تناسب الأحكام الصادرة بحقهن . ويقول الكاتب، من المخجل أن أوباما لا يشعر بخيبة الأمل إزاء بعض المظالم الأخرى . . . وعلى سبيل المثال، أن الولايات المتحدة، تقوم سِرّاً بتسليم ألوف الأسرى إلى زنازين التعذيب في دول كثيرة لإرغامهم على الاعتراف . كما أن معتقلين آخرين، يُحتجَزون ويُعذبون من قبل الولايات المتحدة مباشرة، في سجن أبو غريب، وفي باغرام أو غوانتانامو . ويجري احتجاز السجناء من دون محاكمة- وبعضهم محتجز منذ أكثر من 10 سنين . ولا تستطيع عائلاتهم أن تزورهم أو تعرف، حتى، ما إذا كانوا على قيد الحياة . . . ولكن هذه الفظائع، لا تقلق أوباما، في ما يبدو .

ويقول الكاتب، في عشية رأس السنة الماضية، وقّع أوباما قانون تفويض الدفاع الوطني، الشائن، الذي يخوّل البندُ 1021 فيه، الرئيس أن يأمر بالاعتقال إلى أجل غير مسمى من دون محاكمة- حتى اعتقال مواطنين أمريكيين . فكيف يوافق على شيء كهذا شخص أقسم على رعاية الدستور؟

وفي صحيفة الغارديان البريطانية، (21-8-2012) وتحت عنوان رياء الغرب، بشأن قضية بوسي ريوت يحبس الأنفاس، كتب سيمون جنكنز:

إن ترفُّع الحكومتين البريطانية والأمريكية، وغضبهما إزاء حكم المحكمة الروسية، وكأنهما أفضل أحكاماً، رياء وتبجح بخصال ليست فيهما . فقد دانت أمريكا وبريطانيا الأحكام غير المتناسبة على عضوات فرقة بوسي ريوت . وبالنسبة إلى أمريكا، تأتي هذه الإدانة من دولة تسجن المذنبين في جرائم المخدرات ،20 30 أو 40 عاماً، وتحتجز المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب، في سجون انفرادية، وإلى أجل غير مسمى، وتعاقب بالسجن المؤبد، مَن يكرر ارتكاب اعتداء ثلاث مرات، حتى الاعتداءات التافهة . وفي الأسبوع الماضي، أعلنت محكمة عسكرية أمريكية، أن نشر أنباء محاكمة سجين غوانتانامو، خالد شيخ محمد، سيخضع للرقابة . وكان أي ذكر لتعذيبه في السجن، محظوراً، باعتبار أن ذلك، يُتوقع أن يلحق ضرراً بالأمن القومي . وليس لهذا في ظاهره، علاقة بالعقوبة المتناسبة أو حرية الكلام .

ويتابع الكاتب قائلاً، إن المؤسسة الأمنية البريطانية في ظل نظام توني بلير- غوردون براون، حاولت فرْض رقابة على كتب التاريخ، بسبب احتمال احتوائها على تحريض إرهابي . فطبقت ضوابط للتحكم، وقيدت المحاكم والاحتجاز لفترات طويلة من دون محاكمة . وجعلت التظاهر من دون ترخيص، جريمة، وسعت منذئذٍ إلى مقاضاة مَن يسيء استخدام موقعي تويتر وفيس بوك . والوزراء والمحاكم في بريطانيا، يجبنون أمام ما يجري تقبله كرأي عام . والفكرة التي تقول، كلما احتلت جريمة أو عمل مناوئ للمجتمع عناوين الأخبار، فإنه يجب على المحاكم أن تبعث برسالة، هي عدالة مسيّسة .

ففي بعض الأوقات، وبخاصة في القضايا المأساوية التي تتضمن أطفالاً، يقرُب الأمر من الإعدام من دون محاكمة . ومرة أخرى، الرسالة الوحيدة التي يجري بعثها، هي لوسائل الإعلام . ولو كانت الأحكام المتشددة في بريطانيا فعالة، لما كانت السجون مملوءة عن بكرة أبيها .

ويقول الكاتب، ثمة فرق، بطبيعة الحال بين الحريات التي يتمتع بها الناس في معظم الديمقراطيات الغربية، وبين الأنظمة التشريعية الأشد فظاظة في روسيا الحديثة، والصين ومعظم العالم الاسلامي . ومن السخف التظاهر بغير ذلك . ولكن الفرق ليس عظيماً إلى درجة تستحق وابل التعليقات المضخمة الذي انهال من الغرب على الشرق .

وفي تفسير التركيز الإعلامي الغربي المبالغ فيه على قضية النساء الروسيات، كتب بول كريغ روبرتس، (وهو مساعد سابق لوزير الخزانة الأمريكي، ومحرر مشترك سابق لصحيفة وول ستريت جورنال) . . في موقع لو روكويل، (22-8-2012)أرثي لحال النساء الروسيات الثلاث . . فقد خُدِعن بفظاظة، وتم استغلالهن من قبل المنظمات غير الحكومية المدعومة من واشنطن، والتي اخترقت روسيا . وكُلفت فرقة بوسي ريوت بمهمة مخالفة للقانون بصورة سافرة . .

ويقول الكاتب، لا يملك المرء إلاّ أن يعجب بجرأة أولئك الشابات ويقدّرها . ولكنه لا بُد أن يرثي لسذاجتهن . فقد كانت واشنطن في حاجة إلى قضية شعبية لكي تصم بالشرّ الحكومة الروسية، بسبب تصدّيها لنوايا واشنطن . .

وفي موقع غلوبال ريسيرتش، (22-8-2012) يتحدث اريك دريتسر، عن محاولات زعزعة الاستقرار في روسيا، بطرق مختلفة . .

ومن هنا كان الضجيج المحيط بفرقة الروك النسوية، بوسي ريوت . فقد حاول الإعلام الغربي أن يدعم الفرقة، التي تورطت في القيام بأعمال داعرة وبذيئة داخل كنيسة روسية، وكأن أعضاءها شهداء في سبيل حرية التعبير . ولكن هذه المحاولة المكشوفة والساذجة، لإذكاء المشاعر المناهضة لبوتين، مثلما حركة الاحتجاج السابقة لها، فرقعت ثم انطفأت . . .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"