عادي

روسيا أمام خيارات متعددة في العقد المقبل

03:56 صباحا
قراءة 5 دقائق

ينشر المحللون سيناريوهات مختلفة عن الكيفية التي يمكن أن تتطور بها روسيا خلال السنوات العشر المقبلة . وعلى الرغم من أن كل سيناريو يختلف عن الآخر، إلاّ أن بينها بعض السمات المشتركة . في صحيفة موسكو تايمز، (13-5-2013)، كتبت ماريا ليبمان (رئيسة تحرير مجلة برو اي كونترا الروسية)، ونيكولاي بتروف (أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد العليا في موسكو)، برزت المرحلة الأولى في سلسلة من المراحل الحاسمة الممكنة، مع الانتخابات الرئاسية في العام الماضي . ففي أعقاب مسعى فلاديمير بوتين الناجح، إلى الرئاسة، كان يملك خيار تفويض بعض واجباته القيادية للرئيس السابق، ورئيس الوزراء الحالي، ديمتري مدفيديف . ولكن، لأن ذلك الإجراء كان من شأنه أن يحدّ من قدرته على المناورة السياسية، يبدو أن بوتين قرّر أن يظل الزعيم الاسمي والفعلي للبلاد .

التفرع الثاني في الطريق، قد يحلّ هذا العام أو في عام ،2014 عندما تُرغِم موارد الميزانية المحدودة، السلطات على إجراء تخفيضات في الإنفاق الاجتماعي، مُحدِثةً تغييراً في العلاقة بين الحكومة والمجتمع . وعندئذٍ، سوف تسلك القيادة واحداً من ثلاثة مسارات: التحديث المعتدل، الجمود مع قدْر ضئيل من التحديث السياسي، أو المزيد من التسلط .

وسوف يأتي المنعطف الثالث، مع سلسلة الانتخابات في 2016-2018 . فإذا كانت السلطات في ذلك الوقت ماضية في مسار تحديث معتدل، فإمّا أن تترك الانتخابات السيطرة على العملية في يد تلك السلطات، أو تخرجها من نطاق سيطرتها، كما حدث مع زعيم الاتحاد السوفييتي السابق، ميخائيل غورباتشوف . وإذا كانت البلاد سائرة في درب الجمود، فسوف تجبِرها الأزمات الاقتصادية والسياسية على التحرك نحو التحديث المعتدل أو التسلط .

ويتفحص الكاتب والكاتبة، ما سيبدو عليه كل من هذه الخيارات السياسية، على الصعيد العملي .

فالتحديث المعتدل، كما يقولان، ينطوي على ترك النظام السياسي بوجه عام، على حاله، ولكنه يعزز استقلال الأحزاب السياسية، حيث يصبح حزب روسيا الموحدة حزب السلطة الحقيقي . ومن شأن ذلك أن يزيد المنافسة والنشاط السياسيين، إلى مستويات لم تُشاهَد منذ عام 2002-3 . كما ستلعب الحكومة دوراً في الاقتصاد، أكثر توجهاً نحو السوق .

وفي الوقت ذاته، لا تنفي الطبيعة المعتدلة لهذا النهج، احتمال حدوث أزمة إذا جرى تطبيق التغييرات في المجالات المختلفة بسرعات متفاوتة، أو إذا نشأت صراعات بين العناصر المتباينة . وسوف يتعين إجراء تعديلات في المسار، أو تتحول الحكومة إلى مزاج أكثر تسلطاً نتيجة لتلك التوترات .

ويستلزم التحديث المتسارع وجود فدرالية كاملة، بنظام ذي حزبين، وفصل حقيقي بين السلطات بما في ذلك وجود رقابة برلمانية على نشاطات الحكومة والحرس القديم .

وفي ظل الحكم الاستبدادي، سوف يتمحور النظام السياسي بكامله حول فرد واحد، وتُختزل الانتخابات إلى استعراض طقوسي للولاء، ويصبح الانتقال إلى نظام الحزب الواحد تامّاً . كما يمكن حتى إرساء دعائم نظام أشدّ استبداداً، بدمج الأقاليم وتوسيعها، مما يحوّل الدوائر الفدرالية إلى امتدادات مباشرة للسلطة الاتحادية، ويقوي فئات السلطة الاستبدادية المختلفة، بحشد هياكل الحرس القديم، وإنشاء مكتب سياسي على نحوٍ ما، للتوصل إلى اتفاقات بين الزمر الرئيسة الحاكمة .

وبعيداً عن العوامل الخارجية، مثل التقلبات في أسعار البترول، فإن كلاً من مسارات التطور الرئيسة الثلاثة، معرض لمشاكل داخلية تنجم عن قرارات رديئة قد تتخذها السلطات، أو عن ظروف ليست في الحسبان . وفي ما يلي بعض السيناريوهات التي قد تحدث منفردة أو مترافقاً بعضها مع بعضها الآخر .

روسيا من دون بوتين . يمكن تقويم القوة الأساسية للنظام بتخمين ما قد يحدث إذا اضطر بوتين إلى التخلي عن السلطة نظراً لانخفاض حاد في شعبيته . سوف يؤدي الصراع على السلطة بين النخب المتخاصمة، مترافقاً مع ضعف مؤسسات الحكم في البلاد، إلى تقلبات خطرة - شديدة الشبه بما حدث على إثر وفاة الزعيم السوفييتي الأسبق، جوزيف ستالين .

الانهيار الهادئ . يمكن أن يبدأ حدوث ذلك، لا بالانفصال، بل إذا حاولت السلطات المركزية التحكم بوظائف تتجاوز قدرتها على القيام بها . وقد يحفز ذلك بعضَ المناطق على الانفصال عن فلك موسكو القانوني والحكومي، والتحول إلى كيانات فدرالية منفصلة أو إعادة التجمع في تشكيلات جديدة مستقلة . وثمة خطر حقيقي يكمن في امتداد النموذج الشيشاني إلى مناطق أخرى، وبصورة أساسية في شمال القوقاز، إذا رغبت جمهورية الشيشان في توسيع حدودها بخاصة .

الشقاق بين النخب . يمكن للتصدع أن يحدث بسهولة، في أوساط النخبة الحاكمة، إذا تلاشى دور بوتين باعتباره صاحب القول الفصل، بفعل هبوط شعبيته، إو إذا اضطرت زمر أصحاب المصالح التجارية/ والمصالح السياسية، إلى خوض التنافس على حصصٍ من فطيرة عائدات الموارد الطبيعية الآخذة بالتضاؤل .

أزمة محلية تتطور إلى كارثة تؤثر في البلاد برمتها . قد تؤدي أساليب قمعية وغير مدروسة من قبل السلطات الاتحادية، إلى زعزعة استقرار أي منطقة روسية، بما فيها موسكو . وقد تكون أزمة محلية واحدة - أو عدة أزمات تحدث في وقت واحد - بداية سلسلة من ردود الفعل المتلاحقة، التي قد تبلغ ذروتها في أزمة على نطاق قومي .

حرب ثالثة في القوقاز . قد تتسبب عوامل كثيرة مختلفة في تدهور خطر للوضع في القوقاز . وقد تصبح السلطة الاتحادية والإقليمية - وبخاصة في جمهورية الشيشان - شديدة التمحور حول أفراد يجعلون توازن القوى الهش في المنطقة - رهين العلاقات في ما بينهم .

وقد تؤدي التخفيضات الحتمية في التمويل الاتحادي، التي ستتبع النفقات الهائلة على الألعاب الأولمبية، إلى زعزعة الاستقرار . وأخيراً، قد تتحوّر الحرب الأهلية التي تمور في المنطقة، إلى صراع مناوئ للاستعمار .

تحوّل نحو القومية . قد تنشأ النزعة القومية بصورة عفوية من بين صفوف العامة، أو تكون ورقة سياسية تلعبها السلطات الحاكمة سعياً منها إلى تعزيز قبضتها على السلطة . وقد يأتي ذلك رد فعل على انتخابات أكثر حرية . ومن المخاطر الواضحة المرتبطة بزيادة النزعة القومية تصعيد التوترات في شمال القوقاز وإجبار الأشخاص من العنصر الروسي على الخروج من المنطقة في آخر الأمر . ويُمهّد تحرك روسيا نحو التحول إلى دولة قومية، والنزعاتُ المشابهة في عدد من الجمهوريات الاثنية، الأجواء لصراع بين الحركات القومية المختلفة .

الخيار الأوروبي . لن تسعى روسيا إلى التقارب مع أوروبا إلا إذا تهاوى الاقتصاد المحلي أو انعطفت العلاقات مع الصين إلى الأسوأ بصورة مفاجئة . ويمكن أن يؤدي المزيد من التعاون مع بروكسل إلى إصلاحات سياسية جذرية، ولكنه يمكن أيضاً أن يقدح زناد تصاعد مفاجئ في القومية الرجعية .

ثورة مدونين . يمكن أن تسبب خطوة قمعية خرقاء تُقدم عليها السلطات، مثل حملتها ضدّ المدوّن المناهض للفساد، الكسي نافالني، أو محاولةٌ لتقييد الدخول إلى الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ردّ فعل هائل بين المواطنين المدينيين البارعين في التعامل مع الحاسوب . وذلك وحده، قد لا يشكل تهديداً للنظام الحاكم، ولكنه يمكن أن يلعب دور الشرارة أو صاعق التفجير، الذي يمكن أن يشعل أحداثاً جساماً، ربما تؤدي إلى تغيير المشهد السياسي .

وقد تتمكن السلطات من الاستمرار في المسار الحالي، بينما تتجنب أي هبات كبرى أو فتن . ولكن، إذا لم يكن الهدوء الحالي نتاجاً مباشراً لسياسة الحكومة على مدى السنوات العديدة الماضية، بل مجرد هدوء لحظي مؤقت في حركة البندول، على مدى العقدين الأخيرين، فإن المدة من 2013 إلى 2015 قد تشهد تغيرات في العلاقة بين الحكومة والمواطنين، وبين المركز الاتحادي والأقاليم .

وقد دخلت روسيا، بدءاً من الأزمة الاقتصادية عام ،2008 مرحلة من التغير . وتبذل السلطات جهوداً جبارة لإبطاء تقدمها، ولكنها لا تفعل أكثر من تأخير المحتوم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"