عادي

احتجاجات البرازيل لإصلاح الديمقراطية لا لاستبدالها

03:02 صباحا
قراءة 6 دقائق

شهدت البرازيل في الآونة الأخيرة، تظاهرات عارمة، نزل فيها مئات الألوف إلى الشوارع في مدن مختلفة في أنحاء البلاد، للتعبير عن تذمرهم من الإجراءات الأمنية الصارمة، وضعف الخدمات العامة، وارتفاع كلفة الاستعدادات لكأس العالم، والألعاب الأولمبية .

بدأت التظاهرات في مدن عديدة، مسالمة في بادئ الأمر، ولكن العديد منها سرعان ما تحول إلى مصادمات مع الشرطة، وهجمات إحراق متعمد للسيارات والحافلات .

وقد حدث التحوّل الكبير، والامتداد الجغرافي للتظاهرات، عندما تصاعدت احتجاجات صغيرة في الأسبوع الماضي، على زيادة أجور الحافلات، وتحوّلت إلى شكاوٍ من أن الشرطة ردّت عليها بصورة مبالغ فيها، مستخدمة الرصاص المطاطي، والغاز المسيل للدموع والضرب العنيف .

وقد جمعت التظاهرات قطاعات من الجماهير المحبطة، من الارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة، ورداءة الخدمات العامة، والإسراف في الإنفاق على الأحداث الرياضية العالمية، وتدني معايير الرعاية الصحية والتعليم، وانتشار التبرم بالتفاوت الاجتماعي والاقتصادي والفساد .

في موقع كومون دريمز، (18-6-2013)، كتب ديف زيرين: سافرت إلى البرازيل في سبتمبر/أيلول الماضي لإجراء تحقيقات صحفية عن الاستعدادات لكأس العالم ،2014 والألعاب الأولمبية 2016 . وكان واضحاً بصورة مؤلمة، أن الإرباك الاجتماعي الناجم عن استضافة حدثين متتاليين بهذه الضخامة سيكون عميقاً .

ويشير الكاتب إلى النمو الاقتصادي الذي حققته البلاد خلال السنوات الست الماضية، بعد 30 عاماً من الركود، وإلى أن الناس كانوا قانعين به، ولا يريدون الاحتجاج، كما كان حزب العمال الحاكم، محبوباً بوجه عام .

ولكن الإحصاءات التي تبين تصاعد الثروة والهدوء العام، تخفي - كما يقول آخرون - سخطاً أعمق في واقع الأمر، وأن البرازيل تغلي برفق .

ويقول الكاتب، إن عوامل عديدة دفعت الناس إلى الشوارع، ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير، كانت رفع أجرة المواصلات العامة بمقدار 20 سنتاً . فالبلاد تستثمر مليارات الدولارات في البنية التحتية السياحية، وتنفق عليها باستنزاف العمال خلال مشاويرهم اليومية إلى العمل ومنه . وكان رفع الأجرة فوق القدرة على الاحتمال .

وينقل الكاتب عن أستاذ في جامعة ريو قوله، إن الأحداث مرتبطة بطبيعة الحال بالإنفاق على الحدثيْن الرياضيين الضخمين، ولكنها تعكس أيضاً شعوراً أكبر بعدم الارتياح، إزاء الحالة التي تعيشها البلاد . فالحكومة فاسدة، والشرطة تفتقر إلى الكفاءة، والطرق والخدمات والمدارس والرعاية الصحية في حالٍ يُرثى لها .

ويُدرك الناس أن ال50 ملياراً التي أنفقت على الحدثين الرياضيين الضخمين، تذهب إلى جيوب الفيفا، واللجنة الأولمبية الدولية، وشركات الإنشاء الفاسدة وما إليها .

يقول بعض المحتجين: لا ينبغي إنفاق المال العام على إنشاء المدرجات والملاعب . إننا لا نريد الكأس . بل نريد تعليماً ومستشفيات، وحياة أفضل لأبنائنا .

ويشير الكاتب إلى أن الاحتجاجات تلقى صدىً لدى البرازيليين في الخارج أيضاً . ففي مدينة نيويورك خرج متظاهرون يحملون لافتات كُتب عليها، الألعاب الاولمبية: 33 مليار دولار . كأس العالم: 26 مليار دولار . الحدّ الأدنى للأجور: 674 دولاراً (نحو 320 دولاراً أمريكياً)، فهل ما

زلتم تعتقدون أن الاحتجاجات، هي على 20 سنتاً؟ .

وكتبت صحيفة ذي إيكونوميست، (18-6-2013): عُزيَ التصعيد المماثل الذي حدث في السنوات الأخيرة، في بريطانيا، فرنسا، السويد وتركيا، إلى بعض أو كلّ السمات التالية: القمع الحكومي، ارتفاع البطالة بين الشبان، الصراع العرقي، تدني مستويات المعيشة والموقف الساخط إزاء الهجرة .

ولكن البرازيل قصة مختلفة، فالديمقراطية فيها مستقرة، والبطالة بين الشباب منخفضة بدرجة قياسية، ولا وجود للصراعات العرقية .

وقد شهد العقد الماضي أبرز ارتفاع في مستويات المعيشة في تاريخ البلاد . وبالنسبة إلى الهجرة، وعلى الرغم من أن البرازيل قد بُنيت على أيدي المهاجرين، فإنه لا يكاد يوجد فيها الآن أي منهم . و5 .0% فقط من السكان، مولودون في الخارج .

ولكن ذلك لا يعني أن البرازيليين ليس لديهم ما يشكون منه، فهم يدفعون أعلى ضرائب في أي دولة خارج العالم المتقدم (36% من إجمالي الناتج المحلي) ويحصلون على خدمات عامة تعيسة في المقابل . والجريمة العنيفة، متفشية في البرازيل، والكوكايين يباع ويُستهلك علناً في مركز كل مدينة كبيرة . والعامل ذو الأجر المتوسط في مركز ساو باولو، الذي لا تغطي الجهة التي يعمل لديها نفقات المواصلات (باستثناء الموظفين الحكوميين) ينفق خُمس مجموع أجره على المواصلات، ليقضي ساعات في اليوم داخل حافلات حارة، مزدحمة تزحف إلى داخل المدينة من ضواحيها .

ولكن ذلك ليس شيئاً جديداً في بلد ذي تفاوت اقتصادي واسع، إذاً لماذا الآن؟

وتجيب الصحيفة على ذلك قائلة: إن أحد الأسباب المؤكدة، هو الارتفاع الحاد الذي طرأ على التضخم في الآونة الأخيرة، الذي بدأ يأكل القوة الشرائية لدى الأغلبية العظمى من البرازيليين الذين لايزالون يدبرون أمورهم بمداخيل متواضعة .

والارتفاع في أجور الحافلات الذي حدث في ساو باولو وريو، لا يساوي شيئاً بالمقارنة مع التضخم على مدى الشهور الثلاثين الماضية . ولكن أجور الحافلات تخضع لسيطرة الحكومة، خلافاً للتكاليف الأخرى المتصاعدة سريعاً، مثل أجور السكن وأسعار الغذاء . ولكن أجور الحافلات اختيرت لتكون كبش فداء، فيما يبدو .

وتقول الصحيفة، إن الطبقة الوسطى البرازيلية، تُبلور علاقة مع الحكومة جديدة تماماً . فهي تعتبر التحسنات في مستويات معيشتها حقاً من حقوقها، وسوف تقاتل بأسنانها وأظافرها كي لا تعود إلى الوقوع بين براثن الفقر . وبدلاً من أن تتقبل الفُتات الذي يسقط عليها بين الفينة والأخرى من موائد الأغنياء، بالشكر والامتنان، تعي أنها تدفع ضرائب وتستحق شيئاً في المقابل . ولعل تبجح الحكومة وتفاخرها بتلك المدرّجات الرياضية البراقة الجديدة، كانا القشة التي قصمت ظهر البعير .

وربطت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، (18-6-2013)، في افتتاحية لها، ما يجري في البرازيل من احتجاجات، مع ما جرى في تركيا والهند .

تقول الصحيفة، في الأيام الأخيرة، انضمت البرازيل إلى تركيا والهند على مسارٍ باتَ مألوفاً: دولة نامية ضخمة - ديمقراطية من قبل - تتفجر فيها فجأة، احتجاجات جماعية مدهشة . وسائط التواصل الاجتماعي، تساعد على حشد العامة سريعاً . وهم شبّان في أغلبيتهم، ومن الطبقة الوسطى، ومسالمون .

وتركز الاحتجاجات على قضايا متنوعة - الفساد، ارتفاع الأسعار، العنف الجنسي، أو تآكل الحريات . ولكن الثابت أن الناس يريدون إصلاح ديمقراطية معطوبة، لا استبدالها .

وتمضي الصحيفة قائلة، إن احتجاجات البرازيل، التي بدأت يوم الخميس وامتدت إلى سبع مدن على الأقل، مثال جيد على ذلك التوجه . وحتى الرئيسة الحالية، ديلما روسيف، ترحب بها . فقد كتبت في تغريدة لها إن التظاهرات السلمية مشروعة وجزء من الديمقراطية . وأن من الطبيعي أن يتظاهر الشبان . ومن الصعب على فلاديمير بوتين في روسيا، أو شي جينغيانغ في الصين، أن يقولا مثل هذا الكلام . وتتابع الصحيفة قائلة، إن احتجاجات البرازيل، تأتي بعد احتجاجات تركيا والهند، والدول الثلاث نامية وذات ديمقراطيات راسخة . وبينما تختلف شرارة الاحتجاجات في كل من الدول الثلاث، فإن موضوعها واحد: وهو إصلاح الديمقراطية، لا استبدالها .

وتقول الصحيفة، إن الرئيسة روسيف تعرف أن الحكومة على جميع مستوياتها في البرازيل في حاجة إلى أن تمثل احتياجات الناس بطريقة أفضل . وقد بدأت الاحتجاجات بعد رفع أجور المواصلات العامة المحلية . ولكنها سرعان ما امتدت إلى قضايا أخرى، مثل الإسراف في الإنفاق على مرافق كأس العالم لكرة القدم، والألعاب الأولمبية .

وتقول الصحيفة إن معظم ذلك، ليس خطأ رئيسة البلاد، بل هو نتيجة لنظام فاسد، غير كفء، وغير شامل للجميع، ونخبة سياسية تعتمد على المحسوبية والأعطيات . وقد قوبل المتظاهرون بأحد الأمثلة على ما يحتجّون عليه - وهو وحشية الشرطة المفرطة - ما زاد من حدة السخط والغضب .

وتقول الصحيفة، إن احتجاجات الشوارع في الدول النامية في هذه الأيام، ليست مثل ثورات الخبز في الماضي . فهي غالباً ما تعكس تبني مُثل إيثارية، مثل الحريات، وحماية المرأة، أو النزاهة في الإدارة الحكومية . وإبقاؤها مسالمة، هو الجزء الأصعب، ولكنه لا يمكن الحيلولة دون حدوثها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"