التوتر مسموح.. المواجهة ممنوعة

03:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي


البلدان يتجنبان الحرب، وينغمسان في التحديات الداخلية، كما هي حال الهند، وفي الطموحات الخارجية كما هي حالة الصين.

منذ أن استقل البلدان الكبيران الصين، والهند، أواخر أربعينات القرن الماضي، وهما في نزاع مستمر، حول الحدود أساساً التي تمتد على زهاء 3500 كيلومتر. ومؤخراً، نشبت اشتباكات بين الجانبين، وكان من اللافت أن جانباً من الاحتكاك الذي أوقع ضحايا بين الطرفين (20 من الجانب الهندي، وعدد غير معلوم من الجانب الصيني)، تم بالأسلحة البيضاء، (هراوات، وحجارة)، إضافة إلى اشتباكات بالأيدي بين الجنود. وقلما عرفت علاقات البلدين مرحلة من الانسجام، والتعاون، باستثناء المرحلة التي خفقت فيها راية عدم الانحياز، في ستينات القرن الماضي، حيث كان يقود الهند جواهر لال نهرو، بينما كان ماوتسي تونج يقود الصين، وحتى هذه المرحلة سبقتها حرب طاحنة بين البلدين عام 1962 مُنيت فيها الهند بخسارة كبيرة.

ويحوز البلدان الكبيران مشاعر قوية، وثقافة متجذّرة، تتعلق بالهوية، والتمايز الحضاري، بل والمركزية الحضارية في آسيا، حيث يسود التنافس بين بلاد التنين، وبلاد الأفيال. وقد لعبت التطورات الإقليمية دوراً في تغذية مشاعر النزاع. فمع انفصال باكستان عن الهند، وقفت الصين على الدوام مع باكستان، وتمثل الصين مصدراً أساسياً لتسليح القوات الباكستانية، وهو ما ترى فيه الهند مشاعر عدائية تجاهها. ومع تنامي المشاعر القومية في هضبة التبت، استضافت الهند حكومة التبت في المنفى بقيادة الدالاي لاما، وما زالت تستضيفه، رغم خفوت المطالب الانفصالية لأبناء التبت، ومع تكريس المنطقة كمنطقة حكم ذاتي ضمن الصين.

ورغم هذا، فليست هناك مخاوف كبيرة من حدوث مواجهة صينية، هندية، واسعة، والاشتباك بالأسلحة البيضاء بين الجانبين يكشف عن انخفاض مقصود في مستوى تسليح الطرفين للحؤول دون تطور أية اشتباكات. فالبلدان يتجنبان الحرب، وينغمسان في التحديات الداخلية، كما هي حال الهند، وفي الطموحات الخارجية كما هي حالة الصين. وثمة فارق كبير في ميزان القوى العسكري بين أكبر بلدين في العالم بعدد السكان، لمصلحة الصين، وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى الاقتصاد، إذ إن اقتصاد الصين هو أضعاف اقتصاد الهند، غير أن ما يجمعهما أن كلاً منهما قوة نووية.

إن الادعاءات الحدودية المتبادلة لا تجد حلاً لها، إذ لا تعترف الصين بالحدود التي رسمها المستعمر البريطاني السابق للهند، وترى الهند إن الصين تحتل مساحة 38 ألف كيلومتر من أراضيها، بينما تطالب الصين بمجمل مساحة ولاية أروناتشال براديش التي تسميها التيبت الجنوبية، وبمساحة تقدر ب1500 كيلومتر مربع.

وهكذا فإن الطرفين يتعايشان مع النزاع المستمر الذي يطبع علاقتهما. والتوترات التي تتجدد بين فترة وأخرى تعيد التذكير بأوجه الخلاف، والتمسك بالمطالب الخاصة، ثم الحاجة إلى التهدئة، وتنشيط القنوات الدبلوماسية الثنائية. وهو ما يحدث كل مرة بصيغة، أو بأخرى. ويحرص الطرفان، وبالذات الصين، على عدم استقطاب، أو استدراج أطراف خارجية إلى النزاع، خاصة الولايات المتحدة، أو اليابان. وهو ما لم يحدث على كل حال. ولهذا يبدو النزاع رغم محاذيره تحت السيطرة.

ومع اختلاف الظرف، والحالة، فإن هذا هو الأسلوب الصيني المعتمد في ترك الأزمات تتخمر من دون تدخل عسكري كبير، كما يقع إزاء تايوان. فبكين تتعايش مع «انفصال» تايوان، وتتمسك في الوقت ذاته، بكونها جزءاً من البر الصيني، ولا تجد ضيراً في إقامة استثمارات فيها، لكن ما يقلقها هو التدخلات الخارجية، والدعم الأمريكي للكيان الذي تعتبره منشقاً، ومتمرداً. وتتبع بكين سياسة النفس الطويل ذاتها، وتتمسك بمطالباتها بأراض شاسعة تحت سيطرة الهند، لكنها لا تلجأ إلى مواجهة واسعة، أو حرب طاحنة، بانتظار أن يحل ظرف ما، يسمح باستعادة ما تعتبرها حقوقها. بينما تنظر الهند إلى جارتها الكبيرة باعتبارها تفرط في الطموحات خارج حدودها، وأن لديها نزعة إمبراطورية.

على أنه من الواضح بعدئذ أن بقاء المطالبات الحدودية على حالها يمثل على الدوام ألغاماً في طريق العلاقات بينهما. وأنه لا بد من بذل جهد إضافي من الطرفين لترسيم الحدود بينهما، وضمان المصالح الحيوية للطرفين، وسبق للبلدين أن قاما برسم حدودهما مع الدول المجاورة، فلماذا تبقى حدود الصين مع الهند هي الاستثناء، والى متى؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"